نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن
التحديات المحتملة التي قد تواجهها
غزة خلال عمليات
الإعمار والتعافي بعد انتهاء الحرب.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه حتى لو اتفقت إسرائيل وحماس على وقف إطلاق النار فإن الحياة الطبيعية لن تعود إلى غزة في أي وقت قريب.
وقد يكون الخطر الأكبر الذي يواجهه
الفلسطينيون في غزة على المدى الطويل هو الافتقار إلى الحكومة تمامًا. وقد تنضم غزة ما بعد الحرب إلى صفوف ليبيا والصومال واليمن وغيرها من الدول التي تعاني من صراع شبه مستمر منخفض المستوى وأزمات إنسانية مستمرة.
في تاريخ غزة الحديث، حكمت أنظمة مختلفة القطاع ونادرًا ما فعلت ذلك لصالح سكانه، فبعد انتهاء الاستعمار البريطاني في سنة 1948، تقدّمت القوات المصرية إلى غزة كجزء من هجومها على إسرائيل، وحافظت على سيطرتها على المنطقة في اتفاقية الهدنة سنة 1949 بين مصر وإسرائيل.
وفي السنوات التالية، سعت مصر إلى قمع واستغلال النشاط الفلسطيني والإسلام السياسي، وكانت الغارات الفلسطينية عبر الحدود أداة ضد إسرائيل. وفي خمسينيات القرن الماضي، ساهمت الغارات المتكررة عبر الحدود في اتخاذ إسرائيل قرارا بخوض الحرب ضد مصر في سنة 1956.
وذكرت المجلة أنه عندما استولت إسرائيل على السلطة بعد غزو غزة في حرب سنة 1967، كانت تخشى أيضاً النشاط الفلسطيني، رغم أنها كانت أكثر تساهلاً من مصر في السماح للإسلام السياسي بالتطور. وظل القطاع يخضع لحكم سيء في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي كان أقل اهتماماً برفاهية الفلسطينيين وأكثر قلقاً بشأن دعمهم للقومية الفلسطينية.
تولت السلطة الوطنية الفلسطينية، التي سبقت السلطة الفلسطينية، حكم غزة وأجزاء من الضفة الغربية كجزء من اتفاقيات أوسلو، وتولت السيطرة على القطاع في سنة 1994 تحت قيادة ياسر عرفات.
ومع أن القادة الفلسطينيين كانوا في النهاية تحت الحكم الفلسطيني، إلا أنهم كانوا في المقام الأول من الشتات، وليس من غزة، وقد ركزت السلطة الفلسطينية أكثر على الضفة الغربية وظلت غزة مهملة مرة أخرى.
وأضافت المجلة أن إسرائيل أعادت احتلال غزة أثناء الانتفاضة الثانية التي بدأت سنة 2000، ثم انسحبت في سنة 2005. ومع أن إسرائيل أضعفت قدرات حماس، إلا أنها فازت بالانتخابات البرلمانية في سنة 2006، ثم استولت على السلطة في غزة في سنة 2007. وفي بعض النواحي، تحسنت حياة الفلسطينيين في القطاع حيث شنت حماس حملة على الجريمة، وسحقت أمراء الحرب المحليين، وقدمت الخدمات الصحية والتعليمية، وكانت أقل فسادًا من السلطة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، رفضت إسرائيل وجزء كبير من المجتمع الدولي شرعية حماس، بينما واصلت الحركة شن هجمات متفرقة على إسرائيل. وفرضت الحكومات الإسرائيلية قيودًا شديدة على التنمية الاقتصادية في غزة وشاركت بانتظام في حملات عسكرية مدمرة في القطاع. حاولت إسرائيل تحقيق التوازن بين ذلك وبين تقديم تنازلات اقتصادية محدودة لغزة، مثل إصدار المزيد من تصاريح العمل وتقديم حقوق أكبر لصيد الأسماك، والسماح بملايين الدولارات من المساعدات القطرية بالذهاب إلى غزة إذا أوقفت حماس الهجمات العسكرية، وهي سياسة اعتقدت إسرائيل أنها ناجحة حتى بددت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 هذا الوهم.
وأشارت المجلة إلى أنه مهما كانت المكاسب المحدودة التي حققها الفلسطينيون في غزة في ظل حكم حماس، فقد تبددت بسبب الرد العسكري الإسرائيلي على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد أدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني وتشريد 1.9 مليون شخص، 85 بالمائة من سكان القطاع. وبحلول أواخر كانون الثاني/يناير، كان أكثر من نصف المباني في غزة قد تضرر أو دمر بالكامل. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن غزة ستحتاج إلى عقود من الزمن للتعافي بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات، وهي أموال قد لا يتم توفيرها أبدًا. ويحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن المجاعة والمرض سوف يجتاحان القطاع قريبًا.
وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يخفف بعض المعاناة، إلا أنه لا يحل السؤال السياسي الأكثر أهمية: من سيحكم غزة؟ ومن المفهوم أن إسرائيل لا تريد عودة نظام حماس إلى السلطة، لكن جميع المتنافسين الآخرين على السلطة ضعفاء بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
وأوضحت المجلة أنه سيتعين على أي حكومة غير تابعة لحماس أن تقلق بشأن مجموعتين من الجهات الفاعلة المسلحة. فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في عمليات محدودة على الأقل ضد حماس، واغتيال قادتها، ومحاولة منع الجماعة من إعادة توحيد صفوفها. ومن جانبها، قد تهاجم حماس أي حكومة مؤقتة من أجل ضمان تفوقها السياسي، ويصدق هذا بشكل خاص إذا تعاونت تلك الحكومة مع إسرائيل على الصعيد الأمني.
أما بالنسبة لاقتصاد غزة، فحتى المساعدات الضخمة لن تتمكن من إعادة الظروف التي كانت قائمة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر على الرغم من أنها كانت هشة. وبشكل عام، فقد أدت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى تشويه نهج العصا والجزرة الذي تتبعه إسرائيل والذي يتمثل في تقديم تنازلات اقتصادية محدودة مدعومة بالتهديد باستخدام القوة لتشجيع حماس على الاعتدال.
وأوردت المجلة أنه رغم ضرورة المساعدات الخارجية للبقاء اليومي في غزة، إلا أنها تأتي أيضًا بمخاطرها طويلة المدى بالنسبة لأي حكومة في القطاع. فالمساعدات المقدمة من الخارج قد تخلف تأثيرًا مفسدًا، مما يجعل أي حكومة أقل عرضة للمساءلة أمام شعبها. ولن يكون لدى الفلسطينيين العاديين في غزة أي وسيلة لمنع المسؤولين من اختلاس المساعدات وإساءة استخدام سلطتهم.
يفرض هذا المزيج من الفوضى والحرمان والصراع مخاطر طويلة الأمد، ليس فقط على الفلسطينيين بل على إسرائيل وبقية دول المنطقة أيضا. وسوف يحاول العديد من سكان غزة المغادرة إذا استطاعوا. وتشكل هذه الظروف أيضًا مغذيات طبيعية للجماعات العنيفة، التي تستطيع بسهولة تجنيد الشباب الذين يحتاجون إلى راتب ويشعرون بالمرارة تجاه إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب الدور الذي يلعبونه في الظروف اليائسة التي تعيشها غزة.
وأكدت المجلة أن نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس لن تكون إلا بمثابة نهاية فصل في كتاب معاناة الفلسطينيين. والفصل التالي قد يكون عن فترة ما بعد الحرب الفوضوية حيث تركز السياسة الأمريكية والدولية في المنطقة كثيرًا على وقف إطلاق النار أو بدء المفاوضات، وليس على تخفيف معاناة الناس العاديين بشكل كافٍ.