إعادة فتح نظام الرعاية الصحية في غزة يحتاج وقفا فوريا ودائما لإطلاق النار.
الاحتلال
الإسرائيلي قتل واعتقل وعذب العديد من العاملين في القطاع الطبي في غزة.
الوضع
الإنساني والطبي والغذائي في شمال غزة سيء جدا ويحتاج لتحرك عالمي فوري.
العاملون
في القطاع الطبي في غزة هم أبطال عصرنا هذا.
ذهبت
إلى غزة عام 1981 وسأعود إليها.
التقت "عربي21"
الطبيب النرويجي مادس جيلبرت، والذي اشتهر بتطوعه للعمل في قطاع غزة والضفة
الغربية خلال العدوان الإسرائيلي عليها خلال فترات متعددة.
وأكد جيلبرت أنه
"قبل البدء بالحديث عن فتح وإعادة نظام الرعاية الصحية في غزة، يجب وقف القصف
الإسرائيلي ووقف إطلاق النار بشكل فوري ودائم، حتى تصبح عودة العاملين في القطاع
الصحي لعملهم ميسرة وممكنة، وحتى يتم إعادة تأهيل وفتح المستشفيات مرة أخرى".
وشدد الطبيب النرويجي
على ضرورة التحرك العاجل لإنقاذ سكان شمال غزة فورا، لأنهم يتضورون جوعا
ولا يجدون غذاء ولا حتى مياها صالحة للشرب، فضلا عن عدم وجود رعاية صحية لهم في ظل
خروج المستشفيات هناك عن العمل بسبب العدوان الإسرائيلي.
ولفت إلى أنه عمل بشكل
تطوعي في الضفة الغربية وغزة منذ 1981 وأنه سيعود إليها مرة أخرى، مؤكدا على دعمه
الدائم للشعب الفلسطيني وحقه بالدفاع عن نفسه ضد الاحتلال.
وتاليا نص المقابلة:
ما هي الاحتياجات الطبية الأكثر إلحاحًا التي يحتاجها
قطاع غزة والمؤسسات الطبية فيه؟
إن الحاجة الأكثر إلحاحًا
في غزة الآن هي الوقف الفوري للقصف والهجمات التي تشنها قوات الاحتلال
الإسرائيلية، أي وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وهذه هي الطريقة الوحيدة للبدء في إعادة فتح نظام
الرعاية الصحية في غزة، حيث لم يتبق سوى عدد قليل من المستشفيات التي تعمل، ولا
يوجد ماء ولا كهرباء ولا وقود ولا أدوية ولا غذاء ولا يتوفر أمن للموظفين أو
المرضى أو نظام الإسعاف.
لذا يجب أن يكون هناك وقف
فوري لإطلاق النار وفك فوري لحصار غزة، حتى يتمكن الدعم الإنساني الدولي من الدخول
إلى هناك دون عوائق من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، وأن يكون الدعم تحت السيطرة
الكاملة من قبل الأمم المتحدة.
وبعد ذلك يجب علينا
التأكد من أن العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، - والذين كانوا أبطالا خلال
هذه الأشهر الأربعة، حيث كانوا يعملون بلا كلل ليلا ونهارا لدعم مرضاهم وأسر
المرضى واللاجئين الذين لجأوا جميعا إلى المستشفيات- آمنون.
ويجب الآن ضمان
وتأمين الأمن والحماية للعاملين في مجال الرعاية الصحية من قبل المجتمع الدولي،
فلم يعد بإمكاننا أن نقبل أن تقوم إسرائيل بقتل وجرح واعتقال وتعذيب الأطباء
والمسعفين وطلاب الطب والممرضين، ويجب احترام ذلك، باعتبارهم جزءًا محصنًا من المجتمع، وهذا هو الشيء
الثاني الأكثر أهمية بعد وقف إطلاق النار، والشيء الثالث الأكثر أهمية لاستئناف
الرعاية الصحية في غزة هو توفير الشروط المسبقة الأساسية.
وأعني
بذلك المياه الصالحة للشرب، فحالياً أكثر من 90 في المئة من المياه في غزة غير
صالحة للاستهلاك البشري، كما يجب أن يدخل الغذاء لغزة، فهناك آلاف الشاحنات التي
تحمل طعامًا تنتظر في معبري رفح وكرم أبو سالم للسماح لها بالدخول.
ولكن
الإسرائيليين يمنعون ذلك، حيث لا يدخل إلى غزة الآن سوى حوالي 50-60 شاحنة في
المتوسط، في حين أن الحاجة الأساسية للشاحنات الداخلة إلى غزة كانت قبل 7 أكتوبر
500 شاحنة يوميا.
لذلك يجب أن يكون هناك دخول كامل للإمدادات الغذائية وتوريد
المعدات الطبية والمعدات الجراحية ومعدات إصلاح الكسور، ويجب أن يكون هناك دخول مجاني
للمضادات الحيوية والتجميلية وغيرها من الأدوية الطبية اللازمة، ويجب تأمين كل هذه
المؤن على الفور.
هناك تهديدات إسرائيلية لغزو رفح، ما تأثير ذلك على
الوضع الطبي هناك في حال تم هذا الغزو؟
في الواقع الوضع الصحي
للناس في جميع أنحاء غزة هو كارثة بحد ذاتها، وهي كارثة من صنع الإسرائيليين وبدعم
من الولايات المتحدة يترافق ذلك مع عدم وجود انتقادات وعقوبات من الحكومات
الأوروبية.
إن الوضع في رفح سيء، لكن
الوضع في شمال غزة أسوأ من ذلك لأن برنامج الغذاء العالمي وهيئة الإغاثة الدولية
توقفا عن العمل هناك، وبالتالي فإن الشاحنات المحملة بالأغذية لا تصل إلى سكان
شمال غزة.
أيضا سمعنا أن الجيش
الإسرائيلي هاجم في نهاية شهر شباط/فبراير مجموعة كبيرة من المدنيين الفلسطينيين على
الشواطئ في شمال غزة، وقتل بعضهم، وأعتقد أن العدد وصل إلى 105 من القتلى ومئات
الجرحى، وكان هذا الهجوم على مدنيين عزل ينتظرون الحصول على الطعام وبعض الأدوية
من بعض الشاحنات المحملة بها.
وبالتالي فإن الوضع برمته في غزة هو كارثة، ولا يمكننا أن
ننظر فقط إلى رفح، بالطبع وضعها صعب للغاية، لكنها أقرب إلى تلقي العون من
المساعدات الخارجية لأنها أقرب إلى معبري رفح وكرم أبو سالم.
لذا فإن الاحتياجات الأكثر إلحاحًا الآن هي توصيل
الغذاء للناس في شمال غزة، وأنا أصدق تقرير الأمم المتحدة الأخير الذي صدر مؤخرا،
والذي ذكر أنه على حد علم الأمم المتحدة، فإن الوضع فيما يتعلق بالغذاء سيء
للغاية، لدرجة أن ستة أطفال رضع وفتاة تبلغ من العمر 17 عامًا ماتوا بسبب الجوع
وذلك حتى الخميس الماضي.
كما أن الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية يقومان
الآن بتجويع الفلسطينيين حتى الموت، ويجب أن يتوقف هذا فوراً، كما يجب أن يتم
توفير الغذاء لجميع سكان غزة، وخاصة الأطفال والحوامل والمرضعات.
في ظل هذه الظروف المأساوية ما هو دور المنظمات الدولية
وما المطلوب منها؟
المشكلة في غزة لا تكمن
في المنظمات غير الحكومية الدولية، أو بمنظمات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء
العالمي، واليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وإنما تكمن في قوات الاحتلال
الإسرائيلي التي تفرض حصاراً على غزة.
أيضا هناك عائق أمام التدفق الحر للدعم، سواء
للقطاع الطبي أو لقطاعات المياه والأغذية ورعاية الأطفال والنساء الحوامل،
وهذه العرقلة تتم عمدا من قبل الحكومة والجيش الإسرائيلي بدعم من الولايات
المتحدة.
وفي الواقع،
فإن نية الحكومة الإسرائيلية من البداية جعل المدنيين في غزة مرضى لدرجة الوصول
للموت، حيث استمعنا إلى تصريحات عديدة لوزراء في الحكومة عن ذلك.
ومؤخرًا صدر تقرير من قبل مجموعة التغذية العالمية
حول الوضع الغذائي في غزة، وبعد فحصهم لخمسة تقارير أشاروا في تقريرهم إلى نتائج
مثيرة للقلق للغاية بشأن الوضع الغذائي.
وخلصوا إلى أن هناك تصاعدا في جميع دوافع ومسببات سوء التغذية
في غزة، من نقص الغذاء ونقص المياه الصالحة للشرب وعدم الحصول على الرعاية الصحية والكهرباء.
وتُظهر النتائج أن ما لا يقل عن 90 في المئة من الأطفال دون
سن الخامسة لديهم واحد أو أكثر من الأمراض المعدية ومنها التهابات الشعب الهوائية،
والتهابات الأمعاء، والتهابات الجهاز الهضمي المسببة للإسهال والقيء، وهي حالة تهدد
الحياة عندما لا يتمكن الإنسان من الوصول إلى الماء.
كذلك وجدوا أن 90 في
المئة من الأطفال دون السنتين و95 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات يواجهون
الآن فقراً غذائياً حاداً وبالتالي الوصول للمجاعة.
كما وجدوا أن 70 في المئة من الأطفال أصيبوا
بالإسهال خلال الأسبوعين الماضيين، وهذا يزيد بـ 22 مرة عما تم فحصه آخر مرة لعدد
الأطفال المصابين بالإسهال في عام 2022.
لذا فهي كارثة إنسانية، ولهذا فإن نقص المياه ونقص
الغذاء سيقتل من الفلسطينيين في غزة عددًا أكبر من الذين يقتلهم القصف الإسرائيلي
نفسه.
عملت كثيرا في غزة كطبيب متطوع، كيف تصف العاملين في
القطاع الطبي من أطباء وممرضين وغيرهم؟
كما قلت سابقًا، فإن العاملين
الفلسطينيين في مجال الرعاية الصحية في غزة هم أبطال عصرنا هذا، وهم البوصلة الأخلاقية
للعالم، لأنهم يدعمون الإنسانية بالطريقة التي يخاطرون بها بحياتهم لخدمة المرضى والجرحى
والمحتضرين.
وهذا الوصف ينطبق أيضا على المسعفين الطبيين وطلاب الطب
والتمريض الشباب الذين تطوعوا، بالإضافة للأطباء والممرضات وموظفي المستشفى وعمال النظافة
وكل الفنيين.
كما لا يمكن نسيان ذكر المسؤولين الفلسطينيين في وزارة الصحة
ومنهم الدكتور يوسف أبو الريش والدكتور أحمد شتات وجميع المسؤولين الآخرين الذين ظلوا
في مناصبهم وبقوا يخدمون شعبهم ويخاطرون بحياتهم.
وكما تعلمون فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت
بقتل عدد كبير جدًا منهم، ووفقا لآخر إحصائية فقد قتلت 340 من العاملين بالقطاع
الصحي وأصابت ربما الضعف، بالإضافة إلى أنها اعتقلت ورحلت بعضهم إلى معسكرات
الاعتقال وقامت بتعذيبهم، وليس فقط مدير مجمع الشفاء كما نُشر أيضا بل الكثير من
الأطباء والممرضين والمسعفين.
وهذه الاعتداءات على العاملين في مجال الرعاية الصحية والأشخاص
الشجعان الذين يقفون إلى جانب المرضى والجرحى، أصبحت نمطا وهي تغيير كبير للقيم الإنسانية
في عصرنا.
وهذا ليس هجومًا على العاملين في مجال الرعاية الصحية الفلسطينيين
فحسب، بل هو هجوم علينا جميعًا، لأننا لا نريد أن نعيش في عالم تحدد فيه قوة الأسلحة
مثل إسرائيل والولايات المتحدة الحق في الهجوم من أجل القتل وتدمير العالم.
وبالتأكيد
نظام الرعاية الصحية في غزة ليس قضية الفلسطينيين وحدهم، وليس قضية إسلامية فقط،
إنما هي قضية لجميع البشر المحترمين في هذا العالم ليهبوا لدعم العاملين في مجال
الرعاية الصحية في غزة وفي الضفة الغربية، أيضا.
فلقد
هاجم الإسرائيليون أيضًا المستشفيات في الضفة الغربية، وللقيام بالمزيد من التضامن
الفعال لدعم الشعب الفلسطيني، علينا أن نتحرك الآن قبل أن نفقد كل شيء في جميع
الأراضي الفلسطينية.
أخيرا،
هل تخطط للعودة إلى غزة في المستقبل القريب؟
لقد
بدأت بالذهاب إلى غزة منذ عام 1981 وخلال الانتفاضة الأولى، وكنت أعمل مع
الفلسطينيين منذ ذلك الوقت، وأثناء غزو وقصف وحصار بيروت في عام 1982، وسأعود
دائمًا إلى غزة، سأعود دائمًا إلى فلسطين، سأظل دائمًا داعما للشعب الفلسطيني مثل
الملايين في جميع أنحاء العالم، وسأبذل قصارى جهدي دائمًا لدعم الشعب الفلسطيني في
نضاله العادل ضد الاحتلال.
وبالتأكيد
أنا أدعم نضال الشعب الفلسطيني، بالطبع أنا لا أؤيد حماس أو فتح أو الجهاد
الإسلامي أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو أي فصيل أو أي حزب، بل أؤيد الشعب
الفلسطيني وحقه في المقاومة أيضا بالسلاح، وحقه في اختيار قادته كما يراه مناسبا،
ونحن الأغلبية في العالم وأيضا غزة وفلسطين ستنتصران وستخسر إسرائيل.