نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، تقريرا للمراسل الدبلوماسي باتريك وينتور، أشار إلى ازدواجية معايير
بريطانيا بعد دعمها محاكمة ميانمار بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية، في حين اختفى ذلك الدعم البريطاني إزاء الدعوى التي رفعتها
جنوب أفريقيا ضد
الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل موقف لندن بخصوص ميانمار "مخادعا تماما"، بحسب خبراء.
وقال التقرير إن بريطانيا تواجه اتهامات بازدواجية المعايير بعد أن تقدمت رسميا بحجج قانونية مفصلة لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي قبل ستة أسابيع دعما للمزاعم بارتكاب ميانمار جرائم إبادة جماعية ضد المجموعات من عرقية الروهينغيا، وذلك من خلال إساءة معاملة الأطفال وحرمان الناس بشكل منتظم من العيش في ديارهم ومن الحصول على الطعام.
وأضاف أن بريطانيا قدمت "إعلان التدخل" المكون من 21 صفحة بالاشتراك مع خمسة بلدان أخرى، ولكنها لا تدعم جنوب أفريقيا في مساعيها لإقناع محكمة العدل الدولية يوم الخميس المقبل بأن "إسرائيل" تجازف بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وتحاجج بريطانيا في ما تقدمت به إلى المحكمة حول ميانمار بأن ثمة حدا أدنى لتقرير ما إذا كانت هناك إبادة جماعية، ويتمثل ذلك في ما إذا كان الأطفال هم المتضررون مقارنة بالكبار. وجاء في البيان المقدم للمحكمة أن أفعالا أخرى يمكن أن تعرف بأنها إبادة جماعية، إن كانت منتظمة، بما في ذلك التهجير القسري من البيوت، والحرمان من الخدمات الطبية، وفرض نظام غذائي يقوم على الحرمان، وفقا للتقرير.
وأوضحت الصحيفة أن بريطانيا تجادل بأن الإعلان عن النية بارتكاب إبادة جماعية أمر نادر، ولذلك لا ينبغي أن يتوقف اختبار المحكمة فقط على الأقوال الصريحة أو على الأعداد المقتولة، ولكن يأخذ بالاعتبار الاستنباط المعقول المستخلص من نمط السلوك والأدلة الحقيقية.
من جهتها، سوف تدافع "إسرائيل" عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة، ولسوف تصر على أنها إنما تسعى إلى حماية السكان المدنيين، بينما تحاول تدمير حركة "حماس"، وليس الشعب الفلسطيني. وتقول إن خططها لما بعد الحرب في
غزة، والتي تتضمن قيام حكومة يقودها الفلسطينيون، يثبت انعدام النية لديها بارتكاب إبادة جماعية، بحسب ما أورده التقرير.
ونقلت الصحيفة عن رئيس قسم القانون الدولي في مؤسسة بيندمانز للمحاماة، طيب علي، قوله إن أهمية البيان الذي تقدمت به بريطانيا حول ميانمار "يكمن في إثبات الأهمية التي توليها بريطانيا للالتزام بمعاهدة الأمم المتحدة لتحريم
الإبادة الجماعية، وكذلك في إثبات أن بريطانيا تبنت تعريفا واسعا، وليس ضيقاً، لأفعال الإبادة الجماعية، والنية المبيتة لارتكاب إبادة جماعية. كما أنها أوضحت أن المحكمة ينبغي عليها أن تأخذ بالاعتبار الأخطار المحدقة بالحياة بعد وقف إطلاق النار بسبب الإعاقات، وانعدام القدرة على الإقامة في بيوتهم، وبسبب المظالم الأوسع.
وأضاف: "سوف يعتبر سلوكا مخادعا تماما من قبل بريطانيا، بعد ستة أسابيع من التقدم بمثل هذا التعريف المهم والواسع للإبادة الجماعية في قضية ميانمار، أن تتبنى الآن تعريفا ضيقا في قضية إسرائيل".
ولفت التقرير إلى أنه من المحتمل أن تسلط جنوب أفريقيا الضوء على الحجج التي تقدمت بها بريطانيا إزاء ميانمار، والتي تقدمت بها بالاشتراك مع كندا وألمانيا والدنمارك وفرنسا وهولندا، وذلك حينما توجه اتهامها لـ"إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية.
جاء البيان المشترك الذي قدم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، دعما للطلب الأصلي الذي تقدمت به إلى محكمة العدل الدولية غامبيا في عام 2019، ومفاده أن أعمال إبادة جماعية قد ارتكبت أثناء الحملة العسكرية التي شنتها ميانمار في عام 2017 ونجم عنها تشريد 730 ألف من شعب الروهينغيا باتجاه بنغلاديش المجاورة.
لم تزل ميانمار تنفي ارتكابها للإبادة الجماعية وترفض ما خلصت إليه الأمم المتحدة باعتباره "منحازا ومشوبا بالأخطاء". وتقول إن قمعها كان موجها ضد المتمردين الروهينغيا الذين نفذوا هجمات إرهابية في ولاية راخين.
وأشار التقرير إلى أن محكمة العدل الدولية قبلت بالإجماع الطلب الذي تقدمت به غامبيا من أجل الحصول على إجراءات مرحلية في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2020، وأصدرت أمراً قانونياً ملزماً إلى ميانمار بالتوقف عن أعمال الإبادة الجماعية، وبتقديم تقرير إلى المحكمة بالخطوات التي تتخذها من أجل الالتزام بالقرار الصادر عن المحكمة.
ورفضت محكمة العدل الدولية في كانون الأول/ ديسمبر 2022 مزاعم ميانمار بأن غامبيا لا حق لها في التقدم بالطلب إلى المحكمة، وهي الآن بصدد اتخاذ قرار بشأن القضية تبعاً لقناعاتها، سامحة لبلدان مثل بريطانيا بالتدخل من خلال التقدم بحجج قانونية داعمة. وحينها رحبت مجموعات حقوق الإنسان بالتدخل البريطاني، بحسب ما أورده التقرير.
ونوهت الصحيفة إلى أن بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بمعنى الإبادة الجماعية، والمتضمنة في البيان المشترك الذي قدم للمحكمة، وما يترتب على ذلك من إمكانية استخدام ذلك في حالة غزة، يجري استخلاصه في الولايات المتحدة من قبل روبرت هاوز، أستاذ القانون الدولي في جامعة نيويورك.
ومن العبارات التي يسلط عليها الضوء ما يأتي: "يحجب التركيب الضيق للأفعال المتضمنة في الإبادة الجماعية كيف يمكن ارتكاب عمليات القتل وغير ذلك من الأفعال المتضمنة معا في استراتيجية منسقة الغاية منها تدمير جماعة تحظى بالحماية".
"إذا ما أخذنا بالاعتبار معناها الاعتيادي، فإن كلمات مثل "التدمير المادي" في الفقرة 11 ج ليست مقتصرة على الحالات التي يموت فيها أعضاء في الجماعة فوراً نتيجة لأوضاع المعيشة التي تفرض على الجماعة".
كما يسلط البيان الضوء على أهمية الأطفال في تقييم الإبادة الجماعية. ما يقرب من عشرة آلاف طفل ورضيع تقريبا قتلوا في غزة طبقا لما تذكره وزارة الصحة في القطاع، أي ما نسبته 40 بالمائة من الوفيات.
يقول البيان الخاص بقضية ميانمار: "هناك حد أدنى للضرر البليغ بدنيا ونفسيا حينما يكون الضحية طفلا... وهي أفعال حينما تحدث للكبار قد لا تعتبر مساهمة في التدمير المادي أو الحيوي للجماعة، ولكنها في الأطفال قد تعتبر محققة لتلك الحدود الدنيا".
ويضيف: "من المهم تبني معيار يرى اختلافاً بين ما يمكن أن يعتبر سبباً في معاناة أبلغ وأبعد مدى من حيث التأثير على النمو وعلى الحياة الطبيعية في الأطفال منها في الكبار".
كما يذكّر البيان، بحسب تقرير الصحيفة، محكمة العدل الدولية بأنها أقرت بأن "المادة 11 ج من المعاهدة تغطي أساليب التدمير المادي، عدا عن القتل، حيث يسعى مرتكب الجريمة في نهاية المطاف إلى التسبب في وفاة أعضاء الجماعة".
ويشير إلى أن نماذج من مثل هذا السلوك الذي يعترف به من قبل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا تتضمن "إخضاع مجموعة من الناس إلى نظام غذاء تجويعي، وإلى الطرد الممنهج من ديارهم، والحط من مستوى الخدمات الطبية الأساسية لتصبح دون الحد الأدنى المطلوب".
وينص على أنه "حين النظر في الحرمان من الطعام أو حين يتم فرض نظام تغذية تجويعي، فسوف يكون من المفيد اعتبار أن كمية الطعام التي سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى موت الكبير تختلف عن تلك التي سوف تؤدي في النهاية إلى موت الصغير. وبنفس الطريقة، فإن الاحتياجات الطبية للأطفال تختلف عن الاحتياجات الطبية للكبار، وثمة حاجة لأخذ هذه الاختلافات بالاعتبار حينما يراد معرفة ما إذا كان غياب خدمات طبية بعينها يرقى إلى فرض أوضاع معيشية يمكن أن تفضي إلى إتلاف أعضاء معينين في الجماعة".
ولفت التقرير إلى تسريب نشره موقع "أكسيوس" الإخباري الأمريكي، وأشار إلى أن "إسرائيل" أمرت دبلوماسييها بالعمل على بناء معارضة دولية للقضية التي ترفعها جنوب أفريقيا، مشيرة إلى أن الحكم الضار "يمكن أن تكون له تداعيات محتملة كبيرة ليس فقط من الناحية القانونية، ولكن يمكن كذلك أن يفضي إلى عواقب ثنائية ومتعددة الأطراف، ذات أبعاد اقتصادية وأبعاد أمنية".
وأشار إلى أن حكومة الاحتلال تسعى إلى اتخاذ خطوات تنأى من خلالها بنفسها عن بعض التصريحات المتطرفة التي تتحدث عن إخراج الفلسطينيين من غزة، والتي صدرت عن بعض الوزراء وبعض السياسيين المنتخبين الآخرين.