نشرت وكالة "
بلومبيرغ" الأمريكية، تقريرا تناول مستقبل الأسواق
المصرية الذي يعتمد بشكل كبير على الإجراءات التي سيتخذها
السيسي بعد الانتخابات في ظل التحديات
الاقتصادية الكبيرة التي تنتظر مصر.
وقالت الوكالة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المستثمرين يعرفون ما يمكن توقعه من الانتخابات المصرية التي سيفوز فيها الرئيس السيسي مرة أخرى، ثم سيضطر قريبا إلى الإشراف على تخفيض مؤلم لقيمة العملة.
ومع توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، استعد مديرو الأموال بالفعل لما يتبع ذلك.
ويحظى الاقتصاد المصري المتعثر بدعم عشرات مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي وجيرانه الأثرياء في مجلس التعاون الخليجي.
ولكن السندات الخارجية للبلاد أشارت إلى ضائقة خلال السنة الماضية، مما يرجح مزيدا من التخفيضات في قيمة
الجنيه المحلي، كما تدور أسئلة أيضًا حول أهمية مصر الاستراتيجية مع احتدام الحرب في قطاع غزة المجاور.
ونقل الموقع عن عبد القادر حسين، العضو المنتدب للدخل الثابت في شركة أرقام كابيتال المحدودة في دبي أنه "من غير المتوقع أي شيء سوى انتصار السيسي، أما بعد ذلك فالسوق تتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما حتى دعمًا أمريكيًا وأوروبيًا، حسب كيفية تطور المأساة في غزة".
وذكر الموقع أن صندوق النقد الدولي يدرس إضافة المزيد من التمويل إلى حزمة مساعداته لمصر، ما قد يؤدي لزيادة برنامجه إلى أكثر من 5 مليارات دولار من الـ3 مليارات دولار المخطط لها.
وتعد مصر بالفعل ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.
وتتزايد التكهنات بأن مصر سوف تحصل على المزيد من الأموال من الحلفاء العرب في مجلس التعاون الخليجي، وحتى الغرب، حيث تصبح البلاد بوابة حاسمة للمساعدات للوصول إلى غزة التي تشهد حربا منذ أكثر من شهرين.
وأكد تقرير بلومبيرغ، أن الشرط الأكثر أهمية لإطلاق العنان لجزء من رأس المال هذا يتوقف على تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي، إن لم يكن التحرير الكامل له.
وبينما فقد الجنيه نحو نصف قيمته مقابل الدولار منذ آذار/مارس 2022، يراهن المتداولون في سوق المشتقات المالية على خفض قيمة الجنيه بنسبة 40 بالمائة خلال السنة المقبلة، ما يضع العملة تحت مستوى 50 جنيهًا مقابل الدولار، من 30.85 حاليًا.
ويتوقع تشارلز روبرتسون، رئيس الإستراتيجية الكلية في "إف آي إم بارتنرز"، خفض قيمة العملة بنسبة 20 بالمائة بعد فوز السيسي، ثم الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي قد يكون إيجابيا بالنسبة للسندات المصرية بالدولار إذا اعتبر انخفاض قيمة الجنيه كافيا لتسوية تراكم العملات الأجنبية.
وأشار الموقع إلى أن التفاؤل بأن السيسي سيحاول بذل جهده لإنقاذ الاقتصاد ساعد في ارتفاع قيمة العملة خلال الأسبوع الماضي، حتى أن العائد الإضافي للاحتفاظ بالسندات بالدولار المصري بدلا من سندات الخزانة الأمريكية انخفض إلى ما دون عتبة الألف نقطة أساس، التي تعد مؤشرًا على الضائقة.
وبحسب أدريان دو توا، مدير الأبحاث الاقتصادية للأسواق الناشئة في أليانس بيرنشتاين، فإن أداء سندات اليورو كان جيدًا على أساس التوقعات بأنه بمجرد زوال المخاطر المتعلقة بالانتخابات، سيكون لدى الحكومة المصرية مساحة أكبر للمناورة وسيستجيب صندوق النقد الدولي بالمثل.
إدمان المال الساخن
وأفادت الوكالة، بأن هناك إدمانا في قلب المستنقع المالي الحالي في مصر على ما يسمى بالأموال الساخنة، حيث تتدفق السندات المتغيرة إلى الأسهم والسندات التي يمكن أن تذهب بالسرعة التي تأتي بها.
وقد عرضت مصر منذ فترة طويلة بعضا من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي اللازم لسد العجز، لكن ذلك ترك البلاد تحت عبء ديون مرهق.
وأوضحت الوكالة، أن مصر اضطرت على مدار العقد الماضي إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع فوائد ديونها، وفي الفترة من تموز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم تحصيلها من الضرائب، وذلك وفقا لبيانات وزارة المالية.
وكانت هذه الإستراتيجية مستدامة فقط طالما استمر رأس المال في التدفق، ولكن عندما غزت روسيا أوكرانيا، لم تتوقف الأموال الساخنة فحسب، بل انعكست مع ارتفاع التضخم على الواردات من السلع الأساسية، وانخفض صافي تدفقات استثمارات السندات إلى 3.8 مليارات دولار في السنة المالية 2022-2023، من 21 مليار دولار في الفترة السابقة.
وأكدت الوكالة أن مصر تحاول منذ ذلك الحين إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى إلى البلاد، لكن كلاً من وكالة فيتش للتصنيف الائتماني ووكالة موديز لخدمات المستثمرين خفضت التصنيف الائتماني للبلاد في الأشهر الأخيرة بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون الباهظة.
وقد حرمت هذه المخاطر مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية مصر من الدولارات التي تحتاجها لدفع ثمن السلع الأساسية المستوردة وأجبرتها على تخفيض قيمة العملة.
وأشار التقرير إلى أن الاتساع الكبير بين السعر الفوري للعملة المحلية وسعر السوق الموازية يشير إلى ضغوط متزايدة، مما يؤكد الحاجة إلى تخفيضات إضافية لقيمة العملة، وذلك حسب ما كتبه الإستراتيجيون في دويتشه بنك إيه جي، في مذكرة بتاريخ 6 كانون الأول/ ديسمبر، ورد فيها أنه "من المرجح أن تتم جولة جديدة من تخفيض قيمة العملة بعد الانتخابات الرئاسية وقبيل الانتهاء من مراجعات صندوق النقد الدولي في أوائل سنة 2024".