أثار
غياب رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي، عن المشاركة في الدورة الـ78 للجمعية
العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك، تساؤلات حول أسباب تكرار غياب السيسي،
عن المناسبة الأهم عالميا والتي طالما شارك فيها منذ العام 2014، وحتى العام 2019،
دون انقطاع.
الوفد
الرسمي المصري جاء برئاسة وزير الخارجية سامح شكري، الذي وصل نيويورك السبت،
وبمشاركة وزيرة التخطيط هالة السعيد، ووزير الصحة خالد عبدالغفار، الذي غادر
القاهرة الاثنين، للمشاركة بالأعمال المستمرة لأسبوع وتجمع نحو 150 رئيس دولة
وحكومة.
"أجواء
ما قبل القمة"
ويأتي
غياب السيسي، عن القمة الدولية بعد أيام من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية 14
أيلول/ سبتمبر الجاري، اقتطاع 85 مليون دولار من المعونة المقررة لمصر سنويا
والبالغة نحو 1.3 مليار دولار، بسبب ملف
حقوق الإنسان، في قرار اعتبره بعض
المراقبين أحد أسباب غياب السيسي، عن قمة نيويورك.
وجاء
غياب السيسي، عن الاجتماع السنوي لقادة العالم قبيل الإعلان عن موعد إجراء
الانتخابات الرئاسية 2024، والمقرر مشاركته فيها، والتي ستجرى وسط حالة من الغضب
الشعبي المتزايد بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لبلد يقطنه في
الداخل أكثر من 105 ملايين نسمة.
وغاب السيسي عن بعض أهم اللقاءات الدولية الكبرى والتي كان
آخرها في تجمع قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا 23 آب/ أغسطس
الماضي، رغم إعلان القمة انضمام مصر للتجمع الاقتصادي العالمي.
وشارك
بالقمة حينها نيابة عن السيسي، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، فيما أعلن قادة
"بريكس"، انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل العالمي، من بينهم مصر، الأمر
الذي جعل من غياب السيسي أمرا مستغربا.
المثير
أيضا أن السيسي الذي يُعرف عنه حرصه الدائم على السفر للخارج ويقوم بمعدل 17 زيارة
سنوية في العام، غاب أيضا العام الماضي، عن مناسبة تاريخية لا تتكرر كثيرا وهي
توديع جثمان ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، 19 أيلول/ سبتمبر 2022، رغم حضور عدد
من قادة ورؤساء وملوك الدول العربية.
وكان
السيسي، قد غاب عن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، في أيلول/
سبتمبر 2022.
ورأى
مراقبون أن تكرار غياب السيسي، عن تجمعات عالمية خاصة في عواصم بريطانيا وجنوب
أفريقيا والولايات المتحدة ومدنها بشكل خاص يأتي كونه محاصرا بعشرات الملفات
الحقوقية والقضايا الدولية المرفوعة ضده بشكل شخصي وضد شخصيات نافذة في نظامه
نتيجة ما ارتكبه من مذابح وجرائم أشهرها فض اعتصامي "رابعة العدوية
والنهضة".
ويلمح
البعض إلى خسارة السيسي الكبيرة من ذلك الغياب، حيث تمثل تلك القمم والاجتماعات
فرصة له للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكبار قادة ودول العالم، ما كان يمثل له
دعما دوليا وفرصة للحصول على بعض التسهيلات المالية أو الاستثمارات، في ظل أزماته
المالية والاقتصادية، بحسب مراقبين.
"محاكمة
نيويورك"
وعن
أسباب تكرار غياب السيسي عن اجتماعات ولقاءات وقمم دولية، واحتمالات أن يكون لديه
مخاوف من التوقيف والمساءلة على خلفية قضايا حقوقية وملفات المعارضة المصرية.
وقال
المعارض المصري من أمريكا الدكتور سعيد عفيفي، إن "السيسي، مطلوب سماع أقواله
بواشنطن، في إجراء تعتبره الخارجية المصرية ضد مبدأ السيادة".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولكن في أمريكا وكون الإدارة الأمريكية
طرف في الموضوع فيجوز أن يتم سؤال أي أجنبي ولو كان يتمتع بالحصانة".
ولفت
إلى أن "القضية المطلوب فيها سماع أقوال السيسي، موجودة في المحكمة
الفيدرالية، وتتعلق بمخالفة السيسي، لعقود شراء الأسلحة الأمريكية التي تمنع
استخدامها ضد المدنيين".
عفيفي،
أوضح أن تلك القضية تقدم هو والمعارض المصري محمود وهبة، بها لمحكمة جنوب نيويورك،
ومن بين الاتهامات التي وجهتها عريضة الدعوى، أنه "قام المتهمون عن عمد بالتخطيط
والإذن والأمر والتوجيه لقوات الجيش، بشكل منهجي ومتعمد، لاستخدام القوة المميتة
المفرطة في عمل الشرطة، ما أدى لقتل المتظاهرين على نطاق غير مسبوق في مصر".
"رغبة
أمريكا"
وفي
تقديره، رأى الناشط المصري المعارض من الولايات المتحدة، سعيد عباسي، أن
"غياب السيسي عن
الأمم المتحدة منذ جائحة كورونا عام 2020، وحتى الآن لأمر
خارج عن إرادته، فهو الحريص على الحضور وأخذ اللقطات بجانب الرؤساء وزعماء
العالم".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "عندما سمح الظرف لعدد محدود من الزعماء بحضور اجتماعات الأمم المتحدة عام 2021، لم يكن من المدعوين، ثم تكرر غيابه القسري
لعدة أسباب".
عباسي،
قال إن "أهمها عدم الرغبة الأمريكية في حضوره وسط اتهامات للنظام الانقلابي بانتهاكات
جسيمة لحقوق الإنسان في مصر، وأيضا اقتطاع جزء من المعونة الأمريكية لمصر لنفس
الأسباب، واعتقال الأبرياء".
وأوضح
أنه "وإن حدث ضغط غربي قام بالإفراج عن عدد لا يتجاوز أصابع اليد، واعتقال
العشرات والمئات بدلا منهم، في اعتقاده أنه يخدع الغرب؛ لكن الغرب يعلم الآن علم
اليقين بخداع ومراوغة السيسي في تحسين أدنى شروط حقوق الإنسان".
"الهاجس
الأقوى"
ويعتقد
المعارض المصري، أن "غياب السيسي عن قمة (بريكس)، لعدم استقراره
داخليا"، مشيرا إلى أن "الداخل يغلي من كل مكان في مصر، سواء الشعب الذي
يعاني الفقر والجوع والأمراض، ومن ناحية أخرى يخشى الدوائر المحيطة به".
وقال
إن "خوفه الشديد من زيارة جنوب أفريقيا يأتي خاصة لعلمه أنه قد يتم اعتقاله
هناك، وهذا ليس سرا وليس بالأمر الجديد"، ملمحا إلى أنه "الأمر الذي
ينطبق أيضا على غيابه عن توديع الملكة الراحلة إليزابيث".
وأكد
أنه "يخشى معارضي بريطانيا خصوصا وأن الحماية محدودة أثناء مراسم الدفن
والجنازة الرسمية وسُمح للمواطنين بالمشاركة، وأكثر من يخشاهم هم معارضوه من
بريطانيا وأمريكا، فالهاجس الأقوى لديه من التوقيف والمساءلة".
وألمح
إلى أن ما "زاد من عزلته أنه لعب في السابق على جميع الأحبال فانكشف للجميع
وخسر دعم أهم داعميه في الخليج والغرب باستثناء الكيان الصهيوني، الذي هو بمثابة
الراعي الرسمي له والوكيل الوحيد أو الكفيل الأوحد للسيسي حتى نهايته".
"الملفات
الداخلية"
وفي
رؤيته لأسباب غياب السيسي، عن الأمم المتحدة خاصة أنها فرصة دولية للقاء العديد
من القادة والحصول على العديد من الفرص والتسهيلات وغيرها، قال الباحث في الشؤون
الأمنية أحمد مولانا، إن السيسي، معروف عنه أنه "يسافر كثيرا"، مضيفا:
"وأظنه مشغول بالملفات الداخلية حاليا أكثر من الخارجية، وبالأخص ما يتعلق
بالاقتصاد".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، لفت مولانا، إلى أنه "لذلك فإن السيسي، سافر
إلى الإمارات مؤخرا، كما حضر قمة العشرين في نيودلهي بالهند 9 أيلول/ سبتمبر
الجاري"، مبينا أن "تلك السفريات متقاطعة مع ملف الاقتصاد".
وعن
غياب السيسي، اللافت عن أمريكا وبريطانيا وجنوب أفريقيا بشكل خاص، واحتمالات تحوطه
من أية مساءلة أو توقيف على خلفية بعض قضايا حقوق الإنسان، لا يظن الباحث المصري
أن "هناك ما يمنع زيارة السيسي، إلى نيويورك أو لندن".
لكن
مولانا أوضح أنه "في ذات الوقت يتعرض هناك لضغوط بخصوص تحسين أوضاع حقوق
الإنسان، وأظنه يريح رأسه، كونه لن يخرج من تلك الزيارات بمكاسب، وسيسمع كلاما لا
يعجبه".
"تكهنات
التوقيف"
من
جانبه قال السياسي المصري وعضو حزب "الوسط" المعارض والمقيم في أمريكا،
وليد مصطفى: "استمعت لمثل هذه التكهنات حول احتمال توقيف السيسي، بالخارج؛
وإن كنتُ أشك تماما في صحتها".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "الدول ترتبط بمصالحها في نهاية الأمر،
ومن السهل منحه حصانة في أي دولة مثلما حدث في أمريكا من قبل مع حازم الببلاوي
-رئيس وزراء مصر إبان فض اعتصام رابعة العدوية منتصف 2013-".
مصطفى،
يرى أن "الأهم، هنا هو، هل الأمور في مصر مستقرة أم لا، لكي لا يسافر للخارج،
وحتى يتم تقديم الانتخابات الرئاسية بهذه الطريقة وبتلك السرعة؟".
وأضاف:
"لا أحد يعلم عواقب كل ما يحدث الآن، وما سيحدث بعد انتهاء ما يطلق عليها
الانتخابات الرئاسية سواء من خلال قرارات النظام الاقتصادية الفاشلة كالعادة،
والذي سيطرحه للبيع أو للتأجير من ممتلكات وأصول المصريين؛ أو من خلال رد فعل المواطن بمختلف طبقات المجتمع غير المستعدين حرفيا لأية
أعباء مادية قادمة".
وختم
حديثه مؤكدا أن "النظام ينطلق بقوة نحو المجهول وبطريقة تجعل من المستحيل أن
من يأتي بعده أو حتى هو نفسه أن يصلح ما يقوم بإفساده كل يوم وإهدار ثروات
البلاد".
"مبالغة
المعونة"
لكن،
الكاتب الصحفي المقيم في الولايات المتحدة محمد السطوحي، أوضح في حديثه
لـ"عربي21"، أن "هناك مبالغة في موضوع استقطاع 85 مليون دولار من
المعونة الأمريكية لمصر"، مؤكدا أنه "لا يمكن أن يكون هذا الاستقطاع
تفسيرا لغياب السيسي، عن اجتماعات الأمم المتحدة".
وكان
السطوحي قد لفت عبر صفحته على "فيسبوك"، إلى أن المعونة الأمريكية 1.3
مليار دولار، منها 320 مليون مرتبطة بقضايا الديمقراطية والحريات، وأن إدارة بايدن
خصمت 85 مليونا فقط، وقررت تقديم 235 مليون دولار باقي حزمة دعم الديمقراطية، لافتا إلى تقديم 1215 مليون دولار هذا العام في زيادة عن العامين الماضيين.
"الفيديو
كونفرانس"
وعلى
الجانب الآخر، يعتقد الباحث المصري في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية محمد
حامد، أنه "بالرغم من عدم حضور السيسي لقمة نيويورك عام 2022، إلا أنه هذا
العام من الممكن جدا أن يتحدث إلى القمة عن طريق الفيديو كونفرانس".