ملفات وتقارير

المعارضة المصرية بالداخل قبيل الرئاسيات.. خلافات واتهامات وبلاغات

لفت مراقبون إلى دور النظام في تفتيت المعارضة- الأناضول
بدت الصورة العامة للمعارضة المصرية في الداخل قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة مطلع العام المقبل، مشتتة يغلب على علاقات رموزها الخلافات السياسية والصراعات وحتى الاتهامات والتخوين، بحسب بعض المواقف والأحداث الأخيرة.

ووفق مراقبين ومتحدثين لـ"عربي21"، فإن هذه الحالة تفقد معارضة الداخل القدرة على إحداث تغيير سياسي في البلاد التي تعاني منذ 10 سنوات من تجريف سياسي.

وبحسب منسق الحوار الوطني ضياء رشوان، فإنه من المقرر فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر، 3 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، فيما لم تحسم المعارضة خياراتها أو تُجمع على اختيار مرشح واحد يمثلها، فيما اختلفت أحزابها حول دعم المعارض الشهير رئيس حزب "الكرامة" السابق أحمد طنطاوي.

"أزمة أبوعيطة وقاسم"
أحدث أزمات المعارضة المدنية في الداخل المصري كانت بين الناشط العمالي والسياسي ذي التوجه الناصري وأول وزير قوى عاملة بعد الانقلاب العسكري في 2013، كمال أبوعيطة، وبين الناشر المصري المعروف ورئيس أمناء "التيار الحر" المشكل من 3 أحزاب ليبرالية معارضة الشهر الماضي، هشام قاسم.

وهي الأزمة التي أدت إلى تقديم الأول بلاغا رسميا يتهم الثاني بـ"السب والقذف ونشر أخبار كاذبة"، ما دفع الأمن المصري لتوقيف قاسم، المحبوس منذ الأحد الماضي وحتى الآن، رغم قرار النيابة بالإفراج عنه بكفالة رفض دفعها اعتراضا على ما تم بحقه من استجواب، ما تبعه حملة انتقادات لـ أبوعيطة من قبل المعارضة الليبرالية.

ومنذ تأسيس أحزاب "الدستور" و"المحافظين" و"الإصلاح والتنمية"، و"الحرية"، ذات التوجه الليبرالي لما أطلقوا عليه "التيار الليبرالي الحر" في 25 حزيران/ يونيو الماضي، تتحسس قوى اليسار مواقعها من المعارضة المصرية بالداخل.


وجاء تصريح شديد اللهجة من أبوعيطة في لقاء صحفي في 29 تموز/ يوليو الماضي، ليثير الجدل، بقوله: "شامم ريحة أجندة أجنبية في التيار الليبرالي الحر، بسبب وجود هشام قاسم"، مؤكدا أنه "ضد أي تيار يستقوي بالخارج".

الأمر، الذي دفع قاسم، للرد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، بالقول إن "مباحث الأموال العامة سبق لها إدراج أبوعيطة، بين متهمين بقضية استيلاء على 40 مليون جنيه من المال العام، ما اضطر أبوعيطة لرد 75 ألف جنيه لحفظ القضية".

ليتصاعد الموقف بين رمزين من رموز المعارضة اليسارية والليبرالية، بتقديم "المناضل العمالي" كما يطلق على نفسه بصفحته بمواقع التواصل الاجتماعي، في 3 آب/ أغسطس الجاري، لتقديم بلاغ ضد قاسم، الذي استدعته النيابة العامة الأحد الماضي، للتحقيق.

ليشتعل الخلاف بصورة أعمق بين شقي المعارضة بالداخل، ويدافع كل طرف عن ممثله، خاصة مع اعتبار بعض قيادات "التيار الحر" بلاغ أبوعيطة فرصة للنظام لتقليل نشاط وانتقادات هشام قاسم بحقه، وحتى كتابة هذه السطور فشلت محاولات إقناع أبوعيطة بالتنازل، بحسب مراقبين للموقف.

من جانبها أعلنت رئيسة حزب "الدستور" جميلة إسماعيل، في تصريحات صحفية، دعم "التيار الحر" لقاسم، وتكليفه فريق دفاع معه ضم المحامين محمد أبوالعينين، وناصر أمين، وجمال عيد.

وفي المقابل، أكد حزب "الكرامة"، الذي أسسه المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، في بيان له الاثنين، على دعمه "المناضل الكبير كمال أبوعيطة فى بلاغه ضد هشام قاسم"، معبرا عن استيائه مما تعرض له أبوعيطة من إساءات طالت ذمته المالية ونزاهته.

"ليست الأزمة الأولى"
وفي هذا الإطار توجد الكثير من الأزمات التي تشير لتفتيت المعارضة المدنية ومنها، عدم التوافق بين أعضاء وأحزاب "الحركة المدنية الديمقراطية" التي تتشكل من 12 حزبا معارضا على مرشح رئاسي واحد ضد السيسي.

وفي 13 آب/ أغسطس الجاري، كشف المعارض المصري يحيى حسين عبدالهادي، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن اجتماع بعض رموز التيار الليبرالي في الساحل الشمالي فشل في التوافق حول فكرة تشكيل فريق رئاسي بالانتخابات المقبلة.

ويثار الحديث عن توجه رئيسة حزب "الدستور" والقريبة من التيار الليبرالي جميلة إسماعيل للترشح، بعد إعلان رفضها دعم أحمد طنطاوي القريب من تيار اليسار، فيما تشير تقارير صحفية إلى نية رئيس حزب "المحافظين" أكمل قرطام لخوض السباق.

وفي أزمة ثالثة، تعرض أحد رموز المعارضة المدنية في الداخل المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، صاحب التوجه اليساري، لانتقادات لاذعة من قبل معارضين ليبراليين، وذلك على خلفية زيارة قام بها إلى سوريا والتقى خلالها رئيس النظام السوري بشار الأسد في 2 آب/ أغسطس الماضي.

 

ويظل السجال بين المعارضين المصريين بالداخل على المشاركة في "الحوار الوطني" الذي دعا له السيسي في نيسان/ أبريل 2022، والانسحاب منه أو الاستمرار به، قائم حتى اليوم ولم يتم حسمه.

تلك الأوضاع دفعت "عربي21" لطرح التساؤلات حول أسباب وصول معارضة الداخل لتلك الحالة، وعن دور السيسي وأجهزته الأمنية والمخابراتية والإعلامية في صناعة تلك الحالة وتعزيزها، وعن دورها في استمرار تثبيت أركان النظام الحالي، وفي المقابل خسارة المعارضة لتأثيرها وثقة الشعب فيها.

"ملك اليمين"
في إجابته، قال الكاتب الصحفي المعارض أحمد حسن بكر، إن "قوى المعارضة تحت السيطرة، وملك اليمين؛ ولا حراك في ظل وجود قوى الإسلام السياسي في السجون".

ولفهم لماذا وصلت قوى المعارضة السياسية في الداخل إلى هذا القدر من التشرذم أكد بكر لـ"عربي21" أنه "لا بد أن نرجع قليلا إلى عهد الرئيس حسني مبارك (1981- 2011)".

وأوضح أنه "بعهد مبارك كنت كصحفي مطلع عن قرب على سياسة احتواء رموز المعارضة السياسية من خلال سياسة العصا والجزرة، أو من خلال تفجير الأحزاب السياسية التي تشرُد عن القطيع ولا تنفذ التعليمات، بإثارة الانقسامات وتشجيع البعض للإعلان عن نفسه رئيسا، ودخول نزاعات قانونية لا تتوقف".

ولفت إلى أن "شعبتي الأحزاب والنشاط السياسي بجهازي أمن الدولة والمخابرات العامة، لا تألوان جهدا لتنفيذ هذه السياسة، وبالتالي ظلت الأحزاب والقوى السياسية تعمل بأوامر وتوجيهات أمن الدولة، والمخابرات العامة".

وأشار إلى ما اعتبره موقفا طريفا، حينما "عقد أحد الأحزاب السياسية الكرتونية لقاء حزبيا بـ جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية، بحضور الزعامة التاريخية للحزب، ولما كان الحضور قليل جدا، خرج أمين الحزب لضابط أمن الدولة خارج القاعة لإنقاذ الموقف، فأدخل رجاله والمخبرين لزيادة العدد".

"استطلاع كاشف"
ولفت بكر إلى استطلاع رأى سري أجرته جهة أمنية سيادية بعد تولي السيسى الحكم.

وبين أن "هذا الجهاز الأمني كان رافضا لترشح السيسي بعد 30 حزيران/ يونيو 2013، لأن توقعات الجهاز كانت تشير إلى إمكانية قيام ثورة شعبية ثالثة على من سيتولى الحكم بعد الرئيس محمد مرسي، المُنقلب عليه".

"وكان سؤال الاستطلاع: هل تتوقع ثورة ثالثة؟ وهل قوى المعارضة الموجودة بالشارع قادرة على قيادة حراك ضد السيسي حال وصوله للحكم؟"، بحسب الكاتب المصري الذي اضطلع على مضمون نتيجة الاستطلاع.

وأكد أن نتيجته خلصت إلى أن "قوى المعارضة الحقيقية القادرة على تحريك الشارع هي قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وطالما تم تحييد تلك القوى ورموزها بالاعتقال والزج بالسجون بدون تهم، فإن الرئيس القادم بمأمن من أي ثورة ثالثة، وفقا للرؤية الأمنية".

وأشار إلى أن "الاستطلاع خلص أيضا، إلى أن باقي قوى المعارضة السياسية تحت السيطرة، ومن يشرد عن القطيع فإما العصا، وإما الجزرة".

وقال بكر: "لذا يمكن القول إن كافة رموز القوى السياسية المتواجدة على الساحة الآن في حالة تواصل وتنسيق يومي مع ضباط الأمن الوطني والمخابرات العامة، وباختصار يمكن القول إن تلك الرموز الكارتونية هي ملك يمين الأجهزة الأمنية، تؤمر فتطيع".

وأكد أنه "لا غرابة أن يتقدم أبوعيطة أو خلافه ببلاغات ضد معارض آخر"، معربا عن اعتقاده بأن "الكل ملوث، والكل تحت السيطرة، ورموز المعارضة الصلبة في غياهب السجون".

وأوضح أنه "من كل ما سبق نخلص إلى أن شعبتي الأحزاب والنشاط السياسي بالأمن الوطني والمخابرات العامة نجحتا بامتياز في إضعاف قوى المعارضة، ولولا استعداد تلك الرموز والقوى أن تخضع ما نجحت تلك الأجهزة".

وختم بالقول: "لهذا فإن النظام السياسي إلى حد كبير مطمئن إلى أن حراك الشارع في الوقت الحالي مستبعد؛ نظرا لأن قوى المعارضة الحقيقية الصلبة في السجون".


"يد النظام"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي قطب العربي إن "هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها النظام المصري بشق وتفتيت المعارضة (المقسمة أصلا)؛ فلديه خبرة طويلة في ذلك من عهد حسني مبارك، حيث كان مشهورا نجاحه في تفجير الأحزاب من الداخل وتدخله لمنع اتحادها حول بعض القضايا".

وفي حديثه لـ"عربي21" يرى رئيس "المرصد العربي لحرية الإعلام" أن"النظام الحالي امتداد للنظم العسكرية السابقة؛ لكنه النسخة الأردأ والأبشع منها، فقد قتل الحياة السياسية كلها، وترك الأحزاب تنكفئ داخل مقارها، وجمع غالبيتها بقائمة انتخابية موحدة بالانتخابات الماضية (في حب مصر) وضن عليهم بفتات المقاعد".

وأضاف: "وحين حاولت المعارضة الداخلية مؤخرا التحرك ولو قليلا فإنه تدخل بطريقته الخاصة وعبر أجهزته الأمنية بتأليبهم ضد بعضهم".

"كما هو الحال الآن بين (الليبراليين)، و(الناصريين)، في مصر على خلفية بلاغ القيادي الناصري ووزير العمل السابق كمال أبوعيطة، ضد رئيس (التيار الليبرالي الحر) هشام قاسم، وتسببه في حبس الأخير احتياطيا، ما جعل أنصار كل طرف يلتفون حوله ويهاجمون الطرف الآخر"، بحسب العربي.

وتابع: "نجح النظام من قبل في هندسة الحركة المدنية الديمقراطية ليمنعها من ضم بعض الأحزاب والقوى المعارضة الأخرى مثل حزب "مصر القوية"، و"حركة 6 أبريل" رغم أنهما ينتميان لمعسكر (30 يونيو) –مؤيد لنظام السيسي- ذاته".

"منقسمة وهشة"
الكاتب المصري، أعرب عن أسفه من أن "معارضة الداخل كما الخارج منقسمة وهشة"، مضيفا أنه "كان من الواضح أنها بدأت خلال الشهور الأخيرة محاولات لتحسين أدائها، وكان ذلك بتأسيس (التيار الليبرالي الحر) ليكون مظلة القوى الليبرالية".

وأضاف: "كان المأمول أن يتحرك اليسار نحو مظلة مماثلة، وفي ذلك إثراء للحياة السياسية، لكن النظام تدخل سريعا لإجهاض أي تحرك يمكن أن يستغل حالة الغضب الشعبي الواسع حاليا بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية".

ولفت إلى أن النظام "نجح أيضا في التفريق بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، حتى يمنع تشكل قوة معارضة أكثر فعالية ضده ولديها قدرة على الحركة خارجيا بعد أن مُنعت منها داخليا".

وفي نهاية حديثه يعتقد العربي أن "هذا الانقسام بين معارضة الخارج والداخل من ناحية، والتنابذ الحزبي الداخلي من ناحية أخرى يصب في النهاية في مصلحة النظام وإطالة أمده".

"في عالم مواز"
وأكد متابعون أن خلافات المعارضة تؤكد أنها في حالة انفصال تام عن واقع وأزمات ومشكلات الشعب الذي يعاني مع التضخم وغلاء الأسعار وقلة الدخل وجباية الحكومة وتفاقم الأزمات بشكل يومي، ومع البطش الأمني الذي طال أغلب فئات المجتمع، ومع سرقة أمواله مشيرين لأزمة طائرة الذهب في زامبيا قبل أيام.

الأكاديمي المصري الدكتور حسن نافعة، قال عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) إن "الاتهامات المتبادلة بين بعض من يعتبرون أنفسهم رموز العمل العام في مصر تسيء إلى الجميع وتضعف ثقة المواطنين في قدرة المجتمع المدني على تمكين البلاد من تجاوز أزمتها الراهنة".


وقال إن "مصر اليوم في أمس الحاجة إلى من يوحد الصفوف ويقودها نحو التغيير السلمي من خلال الانتخابات الرئاسية القادمة".

 
ولفت الكاتب والمحلل أشرف الصباغ إلى دور النظام في تعميق أزمة المعارضة المصرية، مشيرا إلى أن النظام سيستخدم أزمة أبوعيطة وقاسم لـ"عزل الناس عن بعضهم، ويبقى الناصريون في معسكر، والليبراليون في معسكر، وغيرهم في معسكرات ثانية".

وأشار الصباغ، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن خسائر التيار الناصري من تلك الأزمة، مؤكدا أن "قربه من النظام السياسي لن ينقذه من العزلة والوصم".

الأكثر قراءة في أسبوع