اقتصاد عربي

عجز قياسي يكبّل أضخم موازنة في العراق.. كيف تسده الحكومة؟

يشكل النفط 90 بالمئة من إيرادات موازنة العراق المالية لكن صندوق النقد الدولي حذر العراق الشهر الماضي من الاعتماد على الإيرادات النفطية- جيتي
أثار إقرار البرلمان العراقي قانون الموازنة المالية للعام الجاري 2023 والعامين المقبلين، بنحو 153 مليار دولار لكل عام، الكثير من الجدل بخصوص العجز الكبير فيها والذي وُصف بغير المسبوق، وعن خيارات حكومة محمد شياع السوداني في سدها.

ويقدر العجز بـ49.5 مليار دولار، الرقم الذي يعتبر قياسيا مقارنة بالموازنة الأخيرة التي تم التصويت عليها في عام 2021، حيث بلغ العجز حينها 19.8 مليار دولار، فيما لم يتم الاتفاق على إقرار ميزانية عام 2022، لأن الحكومة كانت لتصريف الأعمال.

قضية معقدة
وتعليقا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور صلاح العبيدي، إن العجز الحالي في الموازنة المالية غير مسبوق كونه تجاوز نسبة الـ25 بالمئة، وهذا غير جائز قانونا في العراق.

وأوضح العبيدي لـ"عربي21" أن سد العجز "قضية معقدة وصعبة أمام الحكومة العراقية التي وضعت في خططها أنها تستعين بفائض أسعار النفط، وحددت سعر البرميل بـ70 دولارا، رغم أن الأسعار حاليا أكثر من هذا الرقم.

وتابع: "الأمر الآخر، أنه من الخطورة بمكان أن تعتمد على جيوب العراقيين في سد العجز الكبير بالموازنة، لأن الأمر قد يولد ردة فعل في الشارع العراقي".

ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تحاول بكل الطرق كسب ود الشارع العراقي، لأن العراقيين ممتعضون من أمور كثيرة حاليا، لذلك فإن البرلمان رفع فقرة إضافات الضرائب على المنتجات النفطية من الموازنة خشية حدوث ردة فعل من الشارع".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة وضعت أيضا في حساباتها الاقتراض الداخلي من البنك المركزي العراقي والاحتياطي الذي يمتلكه، وهذه الخطوة أيضا قد تسهم في رفع التضخم، لكنها قد تلجأ إلى أمور أخرى، بحسب تعبيره.

وبيّن العبيدي أن "من هذه الأمور استرداد الأموال المسروقة من الفاسدين".

وأردف: "كما أن الإيرادات التي تحصل عليها الحكومة من الضرائب، ربما تفرض ذلك في المستقبل على بعض الشركات، حتى يكون واحدا من المصادر، لكن هذا حل غير منطقي ولا عملي".

ورأى العبيدي أنه "إذا حصل أي تراجع في أسعار النفط، فإن الحكومة ستجد نفسها في موقف صعب جدا، وربما حتى لا تستطيع مواجهته عن طريق تسديد الضرائب في المستقبل القريب".

وأكد الخبير أن "الحكومة ألزمت نفسها بموازنة ضخمة جدا، وأعتقد أنها ستواجه مشكلة كبيرة قريبا، لأنه إذا حلت الأزمة السورية أو حصل توصل إلى اتفاق على الملف النووي الإيراني، فإن هذا كله سيؤدي إلى تراجع أسعار النفط".

وشدد العبيدي على أن "رؤية الحكومة القاصرة بخصوص أسعار النفط سيوقعها في مأزق كبير جدا، وأعتقد أنها لن تكون قادرة على سداد هذا العجز، بالتالي فإنها ستجري بعض التعديلات على الموازنة، لأنها لن تستطيع سد ربع قيمة العجز الحالي".


خيارات الحكومة

وفي المقابل، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، الدكتور عبد الرحمن المشهداني، لـ"عربي21" إنه "لا يمكن المقارنة بين الموازنة الحالية مع عام 2021، لأن الأخيرة كانت 164 تريليون دينار، ثم جرى تخفيضها من البرلمان إلى 130 تريليون، وكان الاقتصاد لا يزال في مرحلة تأثير جائحة كورونا، لذلك فإن الإجراءات كانت تحفظية".

وأوضح المشهداني أن "موازنة العام الحالي مختلفة رغم توقعاتنا بحدوث أزمة، لكن العجز الحاصل وقدره 64 تريليون دينار، منه 23 تريليون مدوّرة من العام الماضي، وما تبقى هو 41 تريليون".

ولفت إلى أن "البنك المركزي العراقي سيؤمن 21 تريليونا، و3 تريليونات من المصارف التجارية، و5 تريليونات سندات للجمهور، وأن المتبقي تقريبا 10 تريليونات، وهذا سيكون قروضا خارجية مخصصة لتمويل المشاريع فقط".

وأشار المشهداني إلى أن "ما خدم الحكومة في الوقت الحالي، هو تأخر إقرار الموازنة مدة ستة أشهر من العام، لأنه يعني أن نصف برنامج الحكومة من عام 2023 لن تتمكن من تنفيذه على اعتبار أن المدة هذه مضت".

وتابع: "لذلك فإن النفقات التشغيلية ستستمر، ولكن النفقات الاستثمارية هي التي فيها المشكلة، والتي تقدر بنحو 49 تريليون دينار، وبالتالي لن تكون المدة المتبقية من العام كافية للإعلان عن المشاريع للبدء بتنفيذها".

وأكد المشهداني أنه "حتى اللحظة فإن الأمور مطمئنة، رغم أن إقليم كردستان لم يسد ما عليه من مستحقات، وأن الشهر الماضي باع العراق برميل النفط بسعر 71.5 دولار أمريكي، وبالتالي فيه فائض عما جرى ثبته في الموازنة بسعر 70 دولارا".

ورأى أستاذ الاقتصاد أن "الدين الخارجي لا يشكل خطرا كبيرا، لأنه يصل حتى الآن إلى 18.750 مليار دولار، وسيضاف إليه تقريبا 7 مليارات، ليصبح المجموع 25 مليارا، وهذا الرقم بالنسبة للاقتصاد العراقي لا يشكل شيئا".

وبيّن المشهداني أن "فترة سداد قسم من الديون مثل اليابان وكوريا الجنوبية إلى عام 2043 وحتى 2045 كي تنتهي، خصوصا أن أسعار فائدتها معقولة. أما الدين الداخلي فهو حكومي، أي من البنك المركزي ومصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين، وهذا من السهل التعامل معه، لذلك فإنه لا يشكل خطرا".

وبخصوص الحديث عن الضرائب المفروضة على المواطنين في الموازنة، رأى المشهداني أنها "لم تكن تشكل شيئا من أرقام الموازنة، فهي وصلت بمجموعها إلى نصف تريليون دينار تقريبا، وهذه لا تشكل شيئا مقابل المبلغ الكلي للموازنة 200 تريليون".

لكن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، بحسب المشهداني، هو "حصول أزمة اقتصادية في الربع الرابع من العام المقبل 2024، وأنه حتى إذا حصلت فإنها سعّرت برميل النفط بـ52 دولارا، وفي عام 2025 جرى تسعيره بنحو 55 دولارا".

ومع ترجيحه حصول انخفاض في أسعار النفط، توقع المشهداني أن "تعطّل الحكومة الجانب الاستثماري في الموازنة كأول إجراء لها تتخذه حينها، وذلك حتى تبقى على تأمين الرواتب والأمور الضرورية، إذ سيكون المبلغ المتبقي نحو 130 تريليون دينار".

ويشكل النفط 90 بالمئة من إيرادات موازنة العراق المالية، لكن صندوق النقد الدولي حذر العراق الشهر الماضي من "الاعتماد" على "الإيرادات النفطية" لأن صادراته ستشهد تقلصا بنسبة 5 بالمئة في عام 2023 بسبب تخفيضات "أوبك بلس" وتوقف صادراته عبر أنبوب ميناء جيهان التركي.