نشرت مجلة ''كريتر'' التركية مقال رأي للكاتب مراد أصلان، سلط فيه الضوء على مسار
الحرب الروسية الأوكرانية واستعرض السيناريوهات المتوقعة لهذه الحرب.
وقال الكاتب، في
مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن تقييم وتحليل الخسائر التي تكبدها الطرفان الأوكراني والروسي منذ 24 شباط/ فبراير 2022 صعبٌ في غياب بيانات رسمية وشفافة حول حصيلة القتلى أو الجرحى أو الخسائر المادية.
وتشير تقديرات هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، استنادًا إلى مصادر أمريكية، إلى أن عدد الضحايا في كلا الجانبين وصل إلى حوالي مئتي ألف قتيل حتى تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2022.
وفي السنة الأولى من الحرب، استخدم الجانب الروسي أسلحة وأدوات ومعدات قديمة الطراز في حين أن أنظمة الأسلحة الحديثة مثل دبابات تي-90، التي أدخلها الروس إلى سوق صناعة الدفاع العالمية، لم تُستخدم كثيرًا.
ولوحظ أن الأسلحة والذخيرة القديمة الطراز المستخدمة كانت تعاني من مشاكل في الصيانة. وقد مثّل تدمير دبابات مثل تي62، وتي64 بي، وتي72، وأنظمة الدفاع الجوي 2 إس6 وإس آي-8 ومدافع الهاوتزر مثل 2 إس1 و2 إس3 موضوع منصات التواصل الاجتماعي.
وأشار الكاتب إلى أن الوضع مختلف على الجانب الأوكراني، فإلى جانب مخزونها من الأسلحة الروسية تمكنت أوكرانيا من الحصول أيضًا على أنظمة أسلحة غربية توفر لها تفوقًا ميدانيًا ضد الروس.
وكان الجيش الأوكراني، الذي تم تزويده بشكل كبير بالدفاع الجوي وأنظمة مضادة للدبابات، قادرًا أيضًا على الوصول إلى الذخيرة الخفيفة التي يحتاجها. ومع استخدام الذخيرة الذكية الموجهة بالليزر بواسطة نظام الصواريخ هيمارس، فإنه كان من الممكن اختراق الأهداف التشغيلية والاستراتيجية.
وأوضح الكاتب أن هدف
روسيا من العملية العسكرية التي انطلقت من شرق وشمال أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022 كان الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية ثم التمركز على شرق نهر دنيبر. وفي 21 أيلول/ سبتمبر 2022، أعلن بوتين عن تعبئة جزئية في أعقاب استيلاء
القوات الأوكرانية في هجومها المضاد الذي بدأ في شهر آب/ أغسطس على مدينة خاركيف. ولكن التعبئة الجزئية للروس الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عامًا لم تخلق زخمًا في الجبهة، واضطرت القوات الروسية في شمال غرب شبه جزيرة القرم، غربي نهر دنيبر، إلى الانسحاب إلى الجبهة الشرقية من النهر.
وبعد التعبئة الجزئية ونظرا للظروف في فصل الشتاء، فقد بدأ الجيش الروسي يواجه ثلاثة تناقضات مختلفة. وأصبح تقديم النجاح العسكري الذي توقعه بوتين هدفًا عسكريًا استراتيجيًا. وأصبح الهدف العسكري للعمليات في ميدان العمليات الاستمرار في تنفيذ هجمات إقليميّة على طول الجبهة بأكملها. وفي ظل معاناة الفرِق العسكريّة الأولى بسبب ظروف الشتاء (البرد والطين) ركزت الوحدات التكتيكية ذات المستوى الأدنى على "التمركز"، واعتمدت على حماية المكاسب بدلا من العمليات الآجلة.
في تلك هذه الفترة، حدثت تغييرات على مستوى قيادة الأركان حيث تمت إقالة جينادي زيدكو وألكسندر دفورنيكوف وسوروفكين منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن تخفيض رتبة اللواء سيرغي سوروفكين، الذي كان بطلًا في عيون الروس في ساحات الحرب في الشيشان وحلب، بعد عدم تمكنه من تحقيق "النصر" المنشود. وقد عيّن بوتين رئيس الأركان غيراسيموف مباشرة لقيادة العمليات في أوكرانيا، وتم تخفيض رتبة سوروفكين إلى منصب نائب القائد. وعلى عكس القيادة في الجيش الروسي، فإنه لا يظهر على الجانب الأوكراني أي ضعف عندما يعمل السياسيون وأركان القيادة في الجبهة مع الجنود وبزيّهم الرسمي.
وأضاف الكاتب أنه بعد استيلاء أوكرانيا على خاركيف، فقد أرادت روسيا الهجوم على طول الجبهة بأكملها والوصول إلى نهر دنيبر، وبدأ التحول إلى الاستيلاء على المدن بدلاً من التقدم في الأراضي الخالية ما حققّ نجاحًا محليًا لا يبشر "بالنصر" المتوقع. من ناحية أخرى، يُرى أن الروس يفضلون مهاجمة المواقع التي يتحصن بها الجيش الأوكراني في منطقة دونيتسك. ولكن الاستراتيجية العسكرية تتطلب استغلال نقاط ضعف العدو و"تعزيز" الجبهات الضعيفة.
وأشار الكاتب إلى أن استراتيجية القيادة الأوكرانية بسيطة للغاية. وفي حين أن النصر الذي تحقق في نهاية الصيف يرفع المعنويات، فإنهم لا يريدون التسرع في العملية على افتراض أن الحرب ستكون طويلة. ومن خلال الضغط المستدام، فإنهم ينتظرون ملاءمة الظروف الموسمية ويركزون على أنشطة الإكمال والإنجاز في هذه الفترة.
وأورد الكاتب أن اعتماد أوكرانيا على المساعدات الغربية يمثل نقطة ضعف، إذ يتعين عليهم شراء مركبات مدرعة سريعة مثل دبابات ليوبارد-2 وأنظمة جوية وذخيرة في الوقت المناسب لشن هجوم مضاد عام في الربيع. ومن جهتها، تريد الدول الغربية - التي ترى في أوكرانيا منطقة عازلة لأمنها - أن تكون مستعدة لاحتمال توسّع نطاق الحرب مع مواصلة تقديم مساعدات مستدامة لكنهم لا يلبون جميع مطالبها. أما الجانب الثاني الحساس لأوكرانيا فهو فتح جبهة ثانية في حالة هجوم من بيلاروسيا.
ويرى الكاتب أن نهاية الحرب لا تزال بعيدة المنال ومن أجل وقف إطلاق النار أو إحلال السلام، فإنه يجب أن يفقد أحد الأطراف الأمل. لكن كلا الجانبين يعتقدان أنهما قادران على كسب الحرب.
وتحتاج روسيا إلى التقدم في اتجاه
نهر الدنيبر وفتح جبهة ثانية على كييف لتحويل الحرب لصالحها. ولكن المشاكل التي يعاني منها الجيش البري الروسي قد تقلص هذه الخيارات إلى القتال طويل المدى.
في المقابل، فإنه يجب أن تصل القوات الأوكرانية إلى بحر آزوف والحدود الروسية بين شبه جزيرة القرم-
خيرسون وماريوبول-دونيتسك بدءًا من الربيع. وبمجرد انهيار تكتّل القوات الروسية، فإنه من غير المرجح أن تتاح للروس فرصة لربح الحرب. وقد تؤدي سيطرة القوات الأوكرانية على المناطق المذكورة أعلاه، التي تعتبرها موسكو أراضي روسيّة، إلى زيادة رغبة الدب الروسي في استخدام الأسلحة النووية.