تواترت الأحداث السياسية بتونس سنة 2022، وانقطعت معها كل سبل الحوار بين المعارضة والرئيس قيس
سعيد، والذي تسلح بإصدار المراسيم وخطابات التصعيد ضد خصومه وتأكيده أنه لا عودة للوراء.
"الاستفتاء، كتابة وإقرار دستور جديد، انتخابات تشريعية مبكرة، محاكمات سياسية".. هذه كانت أبرز محطات عرفتها
تونس سنة 2022 في ظل حكم الرئيس سعيد.
المعارضة هي الأخرى واجهت
قرارات سعيد بالشارع حيث حشدت في مرات عديدة الآلاف من أنصارها في مسيرات احتجاجية وتمسكت بمحاولة إسقاط النظام.
ولم تكن أزمة تونس السياسية العنوان الوحيد البارز للعام الحالي الذي يشارف على الانتهاء سنة 2022 فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وسجل الدينار هبوطا حادا في فترات طويلة من العام، بجانب تسجيل ارتفاع غير مسبوق في نسبة التضخم بلغت 9.8، مع تحركات احتجاجية تطالب بالتنمية والتشغيل.
تسلسل زمني
في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير الماضي شهدت تونس مسيرات حاشدة بالعاصمة في ذكرى عيد الثورة حيث خرجت كل الأحزاب السياسية للتظاهر ضد حكم الرئيس، في ظل تطويق أمني غير مسبوق، ومواجهات عنيفة واعتقالات، تزامنتا مع تعامل أمني وصف بـ"الوحشي" حيث تناقلت كبرى الوكالات العالمية مشاهد قمع الأمن للمتظاهرين وحتى الصحفيين.
بعد مسيرة ذكرى الثورة بأيام أعلنت قوى سياسية (5 أحزاب) أنها بصدد التشاور لإجراء حوار وطني من دون الرئيس قيس سعيد لأجل إخراج البلاد من أزمتها، غير أن الحوار توقف بالنظر للخلافات والانقسامات السياسية.
وتعمقت الأزمة بتونس منذ بداية العام، وتوجت بجر سلطة ثالثة إلى حلبة الصراع ليتم في صباح الأحد السادس من شباط/ فبراير الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء وإغلاق أبوابه بالسلاسل، ليأتي الرد سريعا من قضاة تونس حيث إنهم أعلنوا الإضراب العام وتعليق العمل بجميع المحاكم التونسية يوم التاسع من شباط/ فبراير.
وتشتد الأزمة وتتوسع المعارضة لإجراءات الرئيس وتزداد المخاوف من إحكام سعيد قبضته على كل السلطات وترسيخ حكم الفرد الواحد، حيث خرجت مظاهرات حاشدة دعما للقضاء فيما أعلن الوزير السابق محمد عبو، عن التقدم بشكوى ضد الرئيس وطالب باستخدام القوة العامة لتنفيذ بطاقة جلب وفتح تحقيق ضده.
نقابة الصحفيين طرف آخر ظهر وبقوة في المشهد وحذر من محاولات السلطة المتكررة وضع اليد وإخضاع الإعلام لها ليتم رسميا تحديد موعد للإضراب العام بقطاع الإعلام العمومي، وتوسعت دائرة الإضرابات في آذار/ مارس لتشمل قطاع البريد، والبلديات، والكهرباء والغاز، لتتزامن هذه الأحداث مع توصية إدارية من اتحاد الشغل المنظمة النقابية الكبرى بتنفيذ إضراب عام الـ 18 من آذار/ مارس.
وبعد هدوء سياسي نسبي وبالنظر إلى سيطرة التحركات الاجتماعية العمالية يعود العمل السياسي وبقوة للواجهة من خلال دعوة رئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي في السادس والعشرين من آذار/ مارس مكتب البرلمان للانعقاد وتحديد جلسة عامة يتم الدعوة فيها إلى ضرورة إجراء حوار وطني وانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
وجاء الرد سريعا من الرئيس في الـ29 من الشهر نفسه ليحذر من عقد الجلسة العامة ويشدد على أن "الدولة والقانون موجودان ولا مجال للتطاول عليهما".
حل البرلمان
واجتمع البرلمان في جلسة عامة استثنائية عن بعد في الثلاثين من آذار/ مارس وصوت على إلغاء الإجراءات الاستثنائية بـ 116 صوتا من مجموع 217، ليتم بعدها بساعات حل البرلمان من قبل الرئيس سعيد خلال جلسة لمجلس الأمن القومي، على الرغم من تأكيد سابق له أن القانون لا يسمح له بالحل.
ولاقى قرار حل البرلمان رفضا واسعا داخليا وخارجيا، وقلقا كبيرا من الوضع بالبلاد، غير أن الرئيس أعلن عزمه على تنفيذ حوار وطني مع من يعتبرهم صادقين واستثنى من اعتبرهم "منقلبين على الدولة"، ليعلن في السابع من نيسان/ أبريل بدء المشاورات للحوار الوطني وتعديل قانون الانتخابات ليصبح على الأفراد بدل القوائم.
وبعدها بأيام أصدر الرئيس مرسوما رئاسيا يقضي بتعيين مجلس لهيئة الانتخابات يتكون من سبعة أعضاء من بينهم ثلاثة يختارهم الرئيس وسط رفض واستنكار من المعارضة والأحزاب السياسية التي قررت تكوين جبهة وطنية باسم "الخلاص"، لإنقاذ البلاد وإسقاط الانقلاب.
وزاد الوضع سوءا بتونس في أواخر نيسان/ أبريل ومع بداية شهر أيار/ مايو حيث خرجت تسريبات تتحدث عن استقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن تلاها إعلان سعيد تكوين لجنة استشارية من أجل جمهورية جديدة، لكن اتحاد الشغل رفض المشاركة بحوار سعيد وتمسك بموقف الإضراب العام.
عزل القضاة
وفي حزيران/ يونيو دارت أحداث مهمة في تونس أبرزها صدور مرسوم رئاسي يقضي بعزل 57 قاضيا بتهم تتعلق "بالفساد"، ليدخل إثر ذلك قطاع القضاء في تصعيد وإضراب عام لأسابيع متتالية وإضراب عن الطعام لعدد من القضاة المعزولين، كما صعدت المنظمة النقابية هي الأخرى ونفذت إضرابا عاما شمل 159 مؤسسة عمومية.
وقبل أن ينتهي شهر حزيران/ يونيو وفي الثلاثين منه تم نشر مسودة دستور جديد، مسودة رفضتها اللجنة التي كلفت بإعدادها وأكدت أنها لا تتطابق مع ما قدموه ولاقت النسخة المنشورة رفضا واستنكارا واسعا وتمسكا تاما من المعارضين بدستور 2014.
ودخل شهر تموز/ يوليو وتسارعت معه التطورات السياسية بالبلاد، وسط دعوات واسعة لمقاطعة التصويت على الدستور، بسبب أخطاء تسربت إلى النسخة المنشورة وفق الرئيس وتم تصويبها لاحقا، ودخل فصل جديد من الأحداث برز في إحالة رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي إلى التحقيق وتجميد أمواله ومنعه من السفر في قضايا مختلفة.
دستور جديد
وفي الخامس والعشرين من الشهر نفسه أُجرى استفتاء على الدستور الجديد، وكشفت النتائج قبول نسبة تجاوزت 90 بالمائة، حيث أقر رسميا دستورا جديدا للبلاد رغم كل حملات التشكيك والرفض.
وفي آب/ أغسطس يعود ملف القضاء للواجهة حيث قضت محكمة تونسية في العاشر منه بإيقاف تنفيذ قرار عزل 47 قاض من مجموع 57 قابله رفض من وزارة العدل.
وفي السادس من الشهر نفسه، أعلنت هيئة الانتخابات بدء العمل بدستور 25 تموز/ يوليو، حيث صادق الرئيس بعدها بيوم عليه، وأمر بالعمل به.
خريف تونس كان ساخنا فمع بداية شهر أيلول/ سبتمبر تعمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وبرزت بتسجيل نفاذ كبير للمواد الأساسية وظهور طوابير طويلة وعلى مدى أيام في محاولة للتزود بالمواد الغذائية، وازداد الوضع سوءا وتعطلت لغة الحوار بين الطرف النقابي والحكومة.
وفي الشهر نفسه، قضت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان ببطلان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد وتطالبه بالعودة للديمقراطية، في حين غلبت على شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، التحركات الاجتماعية التي كان أبرزها امتناع آلاف المعلمين عن العودة إلى التدريس، واحتجاجات شعبية ضد الغلاء، وفقدان مواد من السوق أبرزها المحروقات، وإضراب عام في النقل. ترافقت مع تواصل جلسات التحقيق مع قيادات حزبية وأمنية من قبل السلطات.
انتخابات برلمانية
وشهد شهر كانون الأول/ ديسمبر الذي يتزامن مع ذكرى اندلاع ثورة تونس سنة 2010، حدثا على غاية من الأهمية خلال العام، تمثل في إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، ولأول مرة يتم فيها الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، وبمقاطعة حزبية واسعة.
وجرت الانتخابات وسط مقاطعة غير مسبوقة تجاوزت التسعين بالمائة حيث لم تتعدّ نسبة التصويت الـ9 بالمائة، في حين يتوقع أن تكون نتائجها عاملا قويا في تحريك المشهد بتونس مع بداية السنة الجديدة 2023.