ملفات وتقارير

"صانع السلام".. كيف أصبحت السعودية وقطر مفتاح حل الأزمات في المنطقة؟

الأعوام الأولى من قيادة محمد بن سلمان اتسمت بالتوتر والتصادم- جيتي
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة، ومع هذه التحولات برزت السعودية وقطر كفاعلين رئيسيين في جهود الوساطة وإبرام اتفاقيات السلام.

وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تسعى كل من الرياض والدوحة إلى تعزيز نفوذهما الإقليمي والدولي من خلال لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة، لكن دوافع كل دولة وأسلوبها في الوساطة يختلفان بناءً على عوامل سياسية واقتصادية وتاريخية.

السعودية: من المواجهة إلى الوساطة
تستضيف السعودية لقاء بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا، وهو امتداد لدورها المتنامي كوسيط دولي.

ويتمتع ولي العهد محمد بن سلمان بعلاقات قوية مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإدارة الأمريكية، ما يضع المملكة في موقع مؤهل لقيادة هذه الجهود.


في السنوات الأولى لظهور ابن سلمان لم يكن هذا النهج هو السمة الدائمة للدبلوماسية السعودية، إذ إن المملكة اتسمت خلال العقد الماضي بسياسات توصف أحيانًا بالتصادمية.

بداية من انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، التي دخلت خلالها الرياض بشكل مباشر في الحرب اليمنية لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، فقد نشب صراع طويل الأمد ألقى بظلاله على سمعة المملكة الدولية.


وشهدت السنوات اللاحقة سلسلة من الأحداث التي أثارت انتقادات دولية، مثل أزمة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عام 2017، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.


وساعدت في إبرام اتفاقات سلام في أفريقيا، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في تشاد عام 2022، واتفاق سلام دارفور عام 2010.

ووفقًا للمحلل السياسي إتش إيه هيلير، فإن السبب يعود جزئيًا إلى موقع قطر الجغرافي ومواردها الطبيعية، خصوصًا حقل غاز الشمال المشترك مع إيران.

هذا الحقل العملاق جعل قطر بحاجة إلى استقرار علاقاتها مع جيرانها، بما في ذلك إيران، ما دفعها إلى تبني سياسة خارجية مرنة تعتمد على بناء علاقات مع جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات التي تُعتبر "غير تقليدية" في المشهد السياسي الدولي، مثل طالبان وحماس والإخوان المسلمين.


الاختلاف بين الرياض والدوحة
ورغم أن كلا الدولتين الخليجيتين تسعيان لدور الوسيط، فإن هناك اختلافات جوهرية في أسلوب الوساطة بينهما، حيث تركز السعودية على التعامل مع الحكومات والجهات الرسمية، بينما تبني قطر علاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، مثل الجماعات المسلحة أو الحركات الإسلامية.

يقول بول سالم: "السعودية تفضل التعامل مع اللاعبين التقليديين، بينما قطر تتميز بعلاقاتها مع الأطراف غير التقليدية، وهو ما يمنحها قدرة على التفاوض في أزمات معقدة مثل ملف طالبان أو الصراع الفلسطيني".

تسبب هذا الاختلاف في التوتر بين البلدين، خصوصا خلال ما يعرف بـ"أزمة الخليج" عام 2017، حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر متهمة إياها بدعم جماعات متطرفة.

وساطة لتعزيز النفوذ
تبذل كل من السعودية وقطر جهودا كبيرة من خلال تلك الوساطات وذلك لتحقيق طموحاتهما الإقليمية والدولية، حيث تسعى السعودية، إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط من خلال "رؤية 2030"، وتدرك أن تحسين صورتها كقوة دبلوماسية فاعلة سيجذب الاستثمارات ويعزز مكانتها العالمية.

من جانبها تسعى قطر، إلى تعزيز أمنها الإقليمي في ظل الجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة الخليج، فترى في دبلوماسية الوساطة وسيلة لحماية نفسها وضمان استقرارها، إضافة إلى تعزيز نفوذها في الملفات الدولية.