تحت عنوان "
انتفاضة المحامين"، نظم آلاف المحامين وقفة احتجاجية نادرة، في مقر النقابة الرئيسية بوسط العاصمة
المصرية القاهرة، وفروعها في محافظات الدلتا والصعيد، ضد تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، مطالبين وزارة المالية بإلغائها.
كانت مصلحة الضرائب ألزمت، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، المنشآت الفردية، سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية (مثل الأطباء، والمحامين، والفنانين، والمحاسبين القانونيين، والمهندسين والاستشاريين) وجميع أصحاب المهن الحرة، بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، في موعد أقصاه 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
وفي مشهد غاب عن النقابات المصرية منذ سنوات، نظمت النقابات الفرعية وقفات احتجاجية أمام مقراتهم وبعض عدد من المحاكم في العديد من المحافظات على مستوى الجمهورية، ورددوا هتافات تطالب بإلغاء النظام الجديد؛ بدعوى أنه يمثل جباية جديدة ويخالف القانون، فيما امتنع عدد من المحامين عن التعامل مع خزائن المحاكم والنيابات.
ويرفض قطاع واسع من في مهنة المحاماة من سياسة الدولة في التعامل مع المحامين، لعدة أسباب، وقال المحامي المصري خالد علي: "يخضع المحامون لضرائب الدخل والقيمة المضافة والدمغات والرسوم التي يتم تحصيلها على الدعاوى والإعلانات والطلبات، حتى الاطلاع على القرارات أو تقديم حوافظ مستندات، أضحى عليه رسوم، منها ما يدخل لخزينة الدولة، ومنها ما يذهب لصناديق متعددة في جهات متعددة، في الوقت الذي يلتزم فيه المحامي ونقابته بالتطوير المهني وتكلفته دون دعم أو سند من أي جهة".
وأضاف على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "في الوقت الذي تصرف فيه الدولة 3 آلاف جنيه شهرياً لكل صحفي بدل تكنولوجيا، تمتنع عن صرف البدل ذاته للمحامين، رغم أن التكنولوجيا تدخل الآن في عصب المهنة، سواء من حيث البحث القانوني أو مسارات التقاضي الإلكتروني، وفي الوقت الذي تحصّل فيه كل هذه المبالغ من المحامين بسبب ممارسة المهنة، نجد النقابة والمحامين هم الملزمون بمظلة التأمين الصحي والاجتماعي دون أي دعم من أي جهة".
وحذر علي من نهج الحكومة في الإصرار على انضمام المحامين إلى الفاتورة الإلكترونية، قائلا: "الجباية منهج يتجاهل تأثيرات فرض كل هذه المبالغ على مستقبل المهنة وعلى أعضائها".
وقال محامون إن استجابة زملاء المهنة للدعوة فاقت التوقعات، سواء في القاهرة أو الجيزة أو باقي محافظات الجمهورية، رغم التواجد الأمني، حيث ضجت المقرات بأعداد غفيرة من المحامين الذين حرصوا على الحضور والتظاهر، حتى امتدت بهم الوقفة إلى خارج مبنى النقابة العامة وبعض النقابات الفرعية.
وصف أحد المحامين الذين شاركوا في الوقفة الاحتجاجية أمام مقر نقابتهم الأمر "بالجباية" ومخالفة للقانون، وقال عضو مجلس نقابة المحامين، مصطفى أبو الحسن، إن "الحكومة تتعامل مع المحامين كأنهم تجار، وهذا غير صحيح، والقرار الجديد يضفي أعباء مالية إضافية على مهنة المحاماة دون وجه حق؛ لأنها تستقطع من أتعابه إلى جانب ما يدفعه من ضرائب ورسوم ودمغات.. إلخ".
وأضاف لـ"عربي21": "إلى جانب ذلك، فإن تقديرات مصلحة الضرائب لأرباح المالية والتجارية جزافية، كما نعاني من ارتفاع أسعار الرسوم القضائية، حتى بات البعض يقول إن دخول المحامين للمحاكم يقتصر على القادرين فقط"، مشيرا إلى أن "المغالاة في الرسوم القضائية والضرائب على الأعتاب تثقل كاهل المحاماة، التي لا توفر لها الدولة أي دعم مادي ولا معنوي".
ورأى أن "الأوضاع الاقتصادية المتردية للدولة دفعت بالحكومة للتحول إلى دولة جباية لتوفير المال، لكن ذلك سوف ينعكس بالسلب على التقاضي بين الناس، ويضر بمسار العدالة، في ظل معاناة جميع الأطراف من تكاليف الرسوم المجحفة، ولذلك نؤكد على حقنا في رفضها وإلغائها، واعتبارها كأن لم تكن".
رسالة قوية ..وقرار لن يمر؟
من جهته، قال المحامي بالنقض السيد أبو الخير، إن "محاولة ضم المحامين إلى الفاتورة الإلكترونية باطل قانونا، ولا يمكن أن يمر في ظل رفض غالبية المحامين القرار والطعن عليه في جميع المحاكم؛ لأنه يتعامل مع المهنة على أنها تجارة، وهذا خطأ فادح، وعلى الدولة تدارك ذلك، ويدل على جهل بالمهنة، وهذا لا يصح".
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "المحاماة مثلها مثل الجميع، تدفع ضرائب وأكثر منها تحت مسمى رسوم ودمغات. في كل خطوة يقوم بها المحامي يدفع في خزينة المحكمة عشرات ومئات الجنيهات في كل قضية، ومحاولة فرض الفاتورة الإلكترونية ليس لها سند قانوني ولا محل من الإعراب".
في حال عدم استجابة وزارة المالية لمطالب المحامين، أشار أبو الخير إلى أن "هناك خيارات تصعيدية سوف تصدرها النقابة العامة والنقابات الفرعية، وسوف يلتزم بها المحامون، إلى جانب المسار القضائي الطويل للطعن على القرار أمام المحكمة الدستورية وغيرها من المحاكم المعنية بنظر القضية، ولعل الوقفة الكبيرة والاتحاد بين المحامين اليوم كان رسالة واضحة وقوية للحكومة يجعلها تفكر جيدا في إلغاء القرار".
طلب إحاطة بالبرلمان
وتقدم عدد من النواب بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب المصري بشأن عدم مشروعية إخضاع رسالة المحاماة للفاتورة الإلكترونية عملاً بحكم المادة (134) من الدستور، والمادة (212) من اللائحة الداخلية للمجلس.
وقال النائب المعارض في المجلس، ضياء الدين داوود، إن "افتعال الأزمات مع فئات المجتمع المختلفة أصبح صناعة حكومية بامتياز، وكان آخرها محاولة إخضاع رسالة المحاماة لنظام الفاتورة الإلكترونية على غير سند من دستور أو قانون، سوى الهوى والغرض فقط".
وأضاف في طلب إحاطته: "وطالما كانت المحاماة رسالة عملا بحكم المادة 198 من الدستور، ومهنة حرة مستقلة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، ومن ثم فإن المحاماة ليست عملا تجاريا ولا سلعة تباع وتشترى، وإنما هو جهد عقلي استلزمه الدستور والقانون في محراب تطبيق القانون لتحقيق العدالة، فلا عدالة بلا محاماة، ولا محاماة بلا استقلال".