لم يُثر نجاحُ قطر في تنظيم كأس العالم 2022 وما حققته من إنجازات على صعيد تطوير بنيتها التحتية، حفيظةَ الغرب فقط، وهو الذي يعتقد أنّ احتكار التفوّق والتميّز هو حقّ حصريٌّ له، بل أثار أيضا الإعلام الصهيوني الذي شنّ عليها حملة ضارية وصلت إلى حدّ وصف كأس العالم الجارية حاليا بأراضيها بـ”مونديال العار”، على حدّ تعبير الكاتب بـ”يديعوت أحرونوت” بن درور يميني الذي برّر هذا الوصف بالقول إن “قطر دولةٌ عدوّ، ليس لوجود قناة الجزيرة المحرِّضة فقط، وإنما لأنها تدعم الإسلام المتطرّف”!
ويحصر الكاتبُ هذا “التطرّف” في دعم قطر لحماس والإخوان المسلمين، وتمويل بناء المساجد في فرنسا وغيرها، والتي تحوّلت إلى “بؤرٍ للإرهاب” على حدّ زعمه، واستنتج أن قطر “تحوّلت إلى أكبر مموّلٍ لنشر الإسلام، ولكن بروح جماعة الإخوان المسلمين”.
ولا يُخفى عن أيّ لبيب هنا أنّ الحملة التي شرعت فيها قطر للتعريف بالإسلام وسماحته ووسطيته، وتقديمه لأنصار شتى المنتخبات بكل لغات العالم الحيّة، قد فجّرت الحقد الصهيوني لأنها تُفسد على الصهيونية العالمية مساعيها الحثيثة لشيْطَنة الإسلام وتجريمِه وتثبيت الصورة النمطية السلبية الراسخة عنه في أذهان الغربيين كدينٍ يدعو إلى العنف وسفك الدماء والصدام مع الآخرين.
هذه الحملة الصهيونية هي مجرّد تكملة لنظيرتها التي شرعت فيها دولٌ غربية عديدة في الأسابيع الأخيرة ضدّ مونديال قطر، على خلفية رفض هذا البلد المسلم المحافِظ السماح بتناول الخمور في مدرّجات الملاعب، وخروج الشواذّ إلى العلن، وعزمه على فرض احترام الآداب العامّة وقيم المجتمع القطري المحافِظ، ما أثار حفيظة دعاة “حقوق الإنسان” المزعومة و”الحريات الفردية” التي تعني عندهم كلّ مظاهر الفجور والشذوذ والفساد الأخلاقي، فشنّوا عليها حملة جائرة كشفت ما في دواخلهم من حقدٍ دفين على الإسلام والمسلمين، ومن عدم الرغبة في رؤية أيّ جانبٍ مشرق أو مظهر من مظاهر التقدّم لدى أيّ دولةٍ عربية أو إسلامية، فهي تُعدّ عندهم جميعا رموزا للتخلّف والفقر والانحطاط ويجب أن تبقى كذلك.
وكم كان رئيسُ الاتحاد الدولي لكرة القدم إيفانتينو منصفا عادلا حينما كشف نفاق الغرب وازدواجية معاييره وذكّر بأنّ هناك دولا أوربية عديدة ومنها فرنسا والبرتغال تمنع الخمر داخل ملاعبها، لكنّها تستنكر ذلك على قطر لأنها فقط دولة مسلمة، ودعاها إلى الخجل من تاريخها والكفّ عن توجيه المواعظ الأخلاقية للآخرين.
الغريب أنّ بعض الحاقدين على قطر لم يجدوا ما يعيّرونها به سوى أنها أنفقت أزيد من 220 مليار دولار خلال التحضيرات لكأس العالم، ما يمثّل عشرة أضعاف ما أنفقته روسيا خلال كأس العالم 2018، واعتبروا ذلك مظهرا لتبذير ثروات الشعوب وتبديدها. أما الحقيقة، فهي أنّ هذه المبالغ الضخمة لم تُنفَق على تشييد 8 ملاعب عالمية فقط، فذلك أمرٌ مبالغ فيه، بل أنفِقت على البنية التحتية، وفي مقدِّمتها الفنادق وشبكة الطرق الحديثة والميترو والمطارات ومنشآت أخرى، وكل هذه المنشآت العصرية لن تُفكّك كبعض مدرّجات الملاعب، بل تبقى ليستفيد منها القطريون والوافدون العرب الأجانب وحتى السياح عقودا طويلة.
إنها صورة للتضليل السافر الذي يكشف الكثيرَ من عُقد الاستعلاء والعجرفة والعنصرية واحتقار كل ما لا يمتُّ إلى الغرب بِصلة، وكأنّه هو الذي ينبغي أن يحتكر وحده التفوّق في مجالات الحياة جميعا، حتى تنظيم منافسةٍ رياضية ناجحة!
(الشروق الجزائرية)