أفكَار

"العدل والإحسان" المغربية.. الرسالة والأهداف والتداعيات

العدل والإحسان المغربية تحيي ذكرى تأسيسها الأربعين بفعاليات فكرية وسياسية وحقوقية

أعلن الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المغربية محمد عبادي يوم الأحد 23 تشرين أول (أكتوبر) 2022 في كلمة بثتها منابر جماعة العدل والإحسان عن انطلاق فعاليات ذكرى مرور أربعين سنة على تأسيس الجماعة. وهي فعاليات ستستمر عدة أشهر في شكل ندوات فكرية وفعاليات سياسية وحقوقية.

 



عمر أمكاسو المنسق العام لفعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان ومسؤول مكتبها الإعلامي، يقدم في القراءة الخاصة بـ "عربي21"، مقاربة هذه الذكرى من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة المرتبطة بهذا الحدث، من قبيل: ما هي الرسالة الأساسية لهذه الذكرى؟ ما الأهداف المتوخاة من هذه الذكرى؟ كيف سيتلقى أبناء جماعة العدل والإحسان والمتعاطفون معها ومحبوها هذه الذكرى؟ ما هي التوقعات المنتظرة من التفاعل مع برنامج إحياء الذكرى الأربعين لتأسيس أكبر جماعة إسلامية معارضة بالمغرب؟ ما المواقف المتوقعة من المتفقين والمختلفين مع الجماعة في خطها التربوي والفكري والحركي إزاء هذا الحدث؟

 

 

رسالة كلية

إن لإحياء الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان رسالة كلية تروم الجماعة تحقيقها، تتمثل في السعي إلى الانبعاث المستمر المتجدد لرسالة الإسلام في الناس، فجماعة العدل والإحسان، إلى جانب باقي العاملين للإسلام، تستفرغ وسعها من أجل بثّ الرحمة في العالمين، أي في المجتمعات البشرية عموما صلة للرحم الآدمية الواجب وصلها، وتبذل قصارى جهدها لتحقيق وسطية الأمة الإسلامية بين الأمم، وهذا رهين بحسن الأداء في الميدان وسط المجتمع المغربي المسلم ذي التاريخ العريق في تشبثه بدينه واعتزازه بانتمائه الإسلامي.

وهذه الغاية جزء هام من مقاصد مؤسس الجماعة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى إذ يبين أن:" مُهمتنا عظيمةٌ لا تنحصر في مُستوى مشاكلنَا الحالية المحلية، مهمتُنا أن نقود الإنسانية إلى سعادتها الدنيوية والأخروية بصفتنا حملَةَ رسالةِ القرآن، ومستودَعَ نور الهداية النبوية الخاتمة.." (من كتاب "إمامة الأمة" للإمام عبد السلام ياسين، ص 209)

وهذا يتطلب عملا دؤوبا، وجهدا مستمرا، وانفتاحا دائما لا ينحبس عند حد أرضي معين، ولا يتوقف في مدى زمني محدد، وتسهم فيه جماعة العدل والإحسان بحظ وافر بما منَّ الله تعالى عليها من تماسك صامد، ورسوخ ثابت رغم كل أشكال التضييق والتهميش والإقصاء، وتلك سنة فيمن يثبتون على الحق،  إنها الذكرى المتكررة الدائمة الرفيقة: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود 120).

 

 

إن الاحتفاء بالطليعة المؤسسة يرنو عامة إلى استمرار المشروع العدلي الإحساني ودوام نفعه في الأمة والإنسانية جميعا، فذاكرة المؤمنين وذكراهم نقش في سجلات التاريخ لا تنسى، بل تكون دواما للأجر والثواب والمدد والإمداد، مع ما يصاحبها من أفراح بكرم الله تعالى، ورغم ما يكتنفها من أتراح بحكمته وعظيم تدبيره سبحانه. ألا له الخلق والأمر.

 



ليس سرا أن نلمس أن الجيل المؤسس، والجيل الطليعة، والجيل الحاضن لهذه الدعوة قد قضى، ولايزال، ما يزيد على أربعين سنة من البذل والعطاء رغم التضييق والحصار، حاملا المشعل ممسكا له متمسكا به، حتى يسلِّمه في أمان إلى أجيال الأمة اللاحقة التي يكون شعارها الدائم ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ الحشر الآية: (10)

شرط ذلك اللازم، ومحركه الأساس، وضرورته الملحة إحياءَ معاني اليقظةِ الدائمةِ في صف الجماعة أعضاءً ومؤسساتٍ، بما هي جزء من أمة رسول الله صلى عليه وسلم ترجو أن تكون إماما للمتقين، فلا تبرح في تربيتها وتنظيمها وتصوراتها وحركاتها تغرس معاني الصبر واليقين، لأنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا بما صبرو وكانوا يوقنون) (السجدة 24).

ورسالتنا من هذه الذكرى لا تروم استعلاء ولا استعراضا، ولا تبغي استعطافا ولا استجداء، إنها تريد على الحق تناصحا وتواضحا، وعلى البر والتقوى تآزرا وتعاونا، ومع الناس رفقا وتواضعا.

إنه ليس من السهل أن يقضي جيل، رجالا ونساء، أربعة عقود من الحرص على النية الصادقة، والتوجه المخلص لله رب العالمين، والعمل الجاد المسؤول، وسط أمواج الفتن المتلاطمة، ومد جسور التواصل والتعاون مع الشباب، أمل الأمة وملاذها، فتنتشلهم من الانحراف والضلال والتشدد والتكفير، وترسم لهم طريق المستقبل المشرق الذي يعطي للحياة معنى إيجابيا ممتدا في الزمان إلى يوم القيامة، ولا ينتظر ثمارا دنيوية لسعيه، إن جاءت فذاك أطيب المنى، وأخرى تبغونها، وإن لم يتحقق ذلك، فالبناء إلى رشاد كما يرشد الرجل في الأربعين من عمره، وكما تقتضي العبودية الكاملة الشكر علة على نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد، مصداقا لقوله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُتقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16".
                                    
ليس من السهل أن يعبِّد هذا الجيل الطريق أمام الشباب وارث الخيرية بين الأمم رجاء كبيرا من المولى الكريم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله) خيرية بشهادة المولى الكريم في كتابه، تتطلب الحكمة في الفهم والتصرف والسلوك، ووسطية واعتدال بشهادة رسول الله (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) البقرة 145.

ليس من السهل أن تمرر المشعل بأمان لأجيال للمستقبل، وخاصة في وسط شباب هذه الأمة ذلك أنه "في الشباب خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب سبحانه أن يقيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقى الربانية من أهل الربانية، وتتلقى العلم من أهل العلم، والحكمة من أهل الحكمة، والهمة الجهادية من أهل الهمة، حتى تكون رَسولَ الأجيال النيرة من سلفنا الصالح إلى أجيال القومة والوحدة والخلافة على منهاج النبوة." (من كتاب " سنة الله" للإمام عبد السلام ياسين ص 260).

أهداف الذكرى

أما عن الأهداف المتوخاة من هذه الذكرى، فيمكننا إجمالها في سبعة أهداف كما يأتي:

1 ـ الوفاء للجيل المؤسس: الإمام والرعيل الأول. 
2 ـ شكر الله تعالى على مد الجماعة بالقبول في الناس.
3 ـ إبراز ما بذله جيل التأسيس من جهود وتضحيات، وما اقتحم من عقبات، رغم التضييق والحصار. 
4 ـ إبراز مظاهر استواء أمر الجماعة ونضجها وثباتها من غير اعتداد بالنفس أو إقصاء للآخر.
5 ـ استثمار هذه الفرصة لتأريخ عمل مؤسسات الجماعة كل على حدة (التوثيق لأهم محطات تاريخ الجماعة).
6 ـ التعريف بتصورات الجماعة ومواقفها في مختلف المجالات التربوية والدعوية والسياسية والمجتمعية.
7 ـ فتح فرصة جديدة للتواصل والدعوة والانفتاح على النخب وعموم الفئات المجتمعية وعموم الناس.
 
أما عن كيف سيتلقى أبناء جماعة العدل والإحسان أو المتعاطفين معهم ومحبيهم هذه الذكرى، وما هي ردود فعلهم المتوقعة، وما التوقعات المنتظرة من التفاعل مع برنامج إحياء الذكرى الأربعين لتأسيس أكبر جماعة إسلامية معارضة بالمغرب؟، فكما هو مسطر في البرنامج العام للذكرى، نرجو من خلال هذه الذكرى أن تتجدد معاني الوفاء في القلوب للجيل المؤسس، وعلى رأسه الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، والرعيل الأول من الرجال والنساء الذين أفنوا أعمارهم في رص هذا البناء الشامخ وتحقيق تماسكه، ويتوقع من خلال فعاليات الذكرى التي ستمتد على مدى ستة أشهر بحول المولى القدير أن يتجدد التواصل الإيجابي بين أجيال الجماعة والمتعاطفين معها من خلال مجالس الذكر والإيمان، ومحاضن التربية بما يفتل في مزيد من التحاب في الله والتواصل في الله والتباذل في الله، والتناصح في الله.
 
وقد تلقى الصف الداخلي انطلاق هذه الفعاليات بكل استعداد وتحفز، وساهموا بمقترحاتهم الإبداعية في إعداد برنامج إحياء هذه الذكرى، وكلهم متحفزون للانخراط في الفعاليات بحيوية ونشاط، تعبيرا عن شكر الله تعالى على نعمة الإيجاد بالتضرع والدعاء أن ينصر الله تعالى دينه وأولياءه والصالحين من عباده في هذه الأمة المرحومة بالرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وعلى ونعمة مد الجماعة بالقبول في الناس.

مع التذكير أن إبراز مظاهر استواء أمر الجماعة ونضجها وثباتها، لا يعنى البتة الاعتداد بالنفس والتفاخر بالإنجاز، فكما أكد ذلك فضيلة الأمين العام للجماعة في الكلمة الافتتاحية للذكرى، لا نبغي إقصاء أحد من فضل وخير يعم، ونفرح حين يهدي الله على أيدينا أفواجا من ضلال، وأنفسا من هلاك.

ومن المؤكد أن جل، إن لم نقل كل مؤسسات الجماعة ستعمل على استثمار هذه الذكرى لتأريخ عملها، كل على حدة، مما سيساعدنا على توثيق أهم محطات تاريخ الجماعة، كما ستفتح الذكرى من خلال فعالياتها الإشعاعية المتنوعة (ندوات، ولقاءات تواصلية، وأوراش...) فرصا جديدة للتواصل والدعوة والانفتاح على النخب وعموم الفئات المجتمعية. وصحبة الشعب وعموم الناس ومواساتهم في الظروف الحالية، فإنه لا يهدأ لنا بال، كما أورد فضيلة الأمين العام في كلمته الافتتاحية لهذه الذكرى، حتى يتحقق لكل مواطنينا العدل والكرامة والحرية.
   
وفيما يخص السؤال عن ردود فعل ومواقف المتفقين والمختلفين مع الجماعة في خطها التربوي والفكري والحركي إزاء هذه الذكرى، فما أن وصل الإعلان إلى كثير منهم حتى بدأت تتوافد على قيادة الجماعة رسائل التهنئة والتبريك، مشفوعة بشهادات مشجعة، وأخرى معجبة بحسن إنجازات الجماعة، وثالثة تقر بحكمة اختيارات قيادة الجماعة وتوفيق الله تعالى لها في حسن التخطيط والتزيل والتأثير والإشعاع، وتدبيرها للمتاح من الفرص، والمتوفَر من الإمكانات، مذكرين بفضل الله تعالى على المؤسس الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، مع تسجيل تقويمهم لهذه التجربة واقتراحاتهم لتجويد عملها.

 

 

 

إبراز مظاهر استواء أمر الجماعة ونضجها وثباتها، لا يعنى البتة الاعتداد بالنفس والتفاخر بالإنجاز، فكما أكد ذلك فضيلة الأمين العام للجماعة في الكلمة الافتتاحية للذكرى، لا نبغي إقصاء أحد من فضل وخير يعم، ونفرح حين يهدي الله على أيدينا أفواجا من ضلال، وأنفسا من هلاك.

 

 


أما المختلفين مع الجماعة، فنتوقع أن هذه الذكرى ستكون بالنسبة لهم فرصة أخرى لتجديد انتقاداتهم القديمة للجماعة، وذاك حقهم في التفكير والتعبير، وقد يكون منهم من سيعدل اقتناعاته ويرى أشياء جديدة في تصوراته حول الجماعة، ومنهم من سينتظر أوامر الجهات المعلومة للإيعاز بشكل التفاعل مع هذه الذكرى وحجمه ومجاله.

ونحن بحمد الله مطمئنون لما وهبنا الله تعالى من مصداقية في التربية والتصور والموقف، متوكلون على الله تعالى فيما نروم ونريد والله تعالى يتولانا بفضله وكرمه، وفي نفس الوقت، نحن منفتحون على كل الانتقادات الجادة، ومستعدون للتفاعل الإيجابي مع الجميع.

معالم الجماعة

ولا أنسى في هذه المناسبة أن أذكر بعدد من المعالم نرجو أن تصطبغ بها الذكرى، ونحن  نسعى لتحقيق ذلك على الوجه الذي يرضي الله ورسوله والمؤمنين.

المعلم الأول: أصالة الانتماء وشموخ الانتساب: فلا شيء يعلو على الانتساب إلى رسول الله محبة واتباعا، مؤسس أمة الإسلام وقائدها وشفيعها، انتساب إليه عليه الصلاة والسلام وهو يتلقى الوحي من الله عز وجل ويربي به مَن حوله من الصحب الكرام، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وبذلك يزكيهم ويرتقي بهم في  درجات الإيمان ومدارج الإحسان، منة من الله الرحيم ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ سورة : آل عمران الاية . (164)

هذا الانتساب الأصيل الشمولي هو الذي به تتجدد حياة الأمة، وإليه نستند في إحيائنا لهذه الذكرى، فبالاستناد إلى الموكب النوراني عن طريق الصحبة والمحبة والشوق، نستمد معاني إحياء هذه الذكرى العظيمة، وننطلق في الآفاق الرحبة: " فمن هنا تكون حياة الصحابة بداية السلوك إذ تدفعك لصحبة المؤمنين طلبا لتحقيق النموذج التاريخي الخالد، والصحبة لا تتبعض لكنها ولاية المؤمنين كافة مركزة على شخص رسول الله" (من كتاب "الإسلام غدا" للإمام عبد السلام ياسين، ص 181)

المعلم الثاني: الوضوح ورسوخ اليقين: الحصن الحصين، والقلعة المنيعة لقلوب المؤمنين مجتمعين وفرادى، هو مقدار ما عندهم من يقين وما معهم من رسوخ، وما تربوا عليه، وربوا عليه مَنْ معهم من عزة وثبات، لننسج من مجموع الفهم الواضح واليقين الراسخ قوة جماعية اقتحامية، بها يفتح الله تعالى على الأمة من أفضاله وعطاياه، يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى مخاطبا المؤمنات والمؤمنين:" افتحي مصحفك يا أخت الإسلام واقرئي من أول سورة البقرة. وانظري كيف تَسامت صفات المتقين أعمالا قلبية اعتقادية جوارحية ليتوجها ويطبعها بطابع الكمال اليقين بالآخرة. اليقين لا مجرد اعتقاد مضبب. الموقنات بالآخرة والموقنون جادون لا يعبثون. فهن وهم يحتاطون أن لا تَحبَطَ أعمالهم، فيتقون الله لتُودَع لهم في سجلات القَبول. ثم إنهن وإنهم يتوخون أفضل الأعمال، فيجدون أنها الأعمال المرتبطة بالفروض الجهادية.... لو أصبح المسلمون فردا فردا على أتقى قلب واحد منهم، ولو اجتهدوا في الأعمال الصالحة الفردية ما اجتهدوا، ثم لم يؤلفوا قوة اقتحامية جماعية تكون المرأة فيها فعالة لفاتهم فردا فردا درجة الجهاد، ثم لفات الأمة ما فاتهم، ولترَدَّت الأمة بترديهم عن الدرجة العالية، ولتبدد حاضرها وضاع مستقبلها بتبدد إرادتهم وتشتتها. (تنوير المومنات الجزء 1/ ص 20)، 

فاليقين باعث قوي على الجد في الأمر كله، ومنه إحياء الذكرى الأربعينية لتأسيس الجماعة، إحياء موسوم باليقين الثابت والعزم الماضي من أجل الانغراس في الناس رفقا وهداية ورحمة .

المعلم الثالث: الرحمة في الناس وحسن الانغراس في المجتمع:  نذَكِّر هنا، ونحن نحيي هذه الذكرى الهامة، بأهمية الانغراس في المجتمع المسلم، بل الإنساني، الذي تقصفه الفتن من كل حدب وصوب، تبغي تشويه فطرة الإنسان واعتباره كائنا مجتثا من فوق الأرض ما له من قرار، كائنا مستهلكا متَحَكما فيه من قبل الأغيار، فبكامل الهدوء وجميل التواضع، تسري أنوار الهداية والحق فيمن نتواصل معهم ونمد معهم جسور التعاون على البر والتقوى وعلى بث الرحمة الإحيائية في القلوب وفي النسيج المجتمعي العام، "فمكان المؤمن مجالس الناس ونواديهم وتجمعاتهم مهما كانت. وكلمته لكل من لقي عفوا في تنقلاته، في الحافلة وفي مدرسته، ومكتبه، ومعمله، وجواره، وشارعه، الدعوة إلى الله. ولا يترك الفرص تأتي عفوا بل يهيئها، يقصد الناس، يهجم لا يمل بالوجه الباسم، والكلمة الطيبة، والخلق الجميل. باب الدعوة الصحبة، فكن كلمة الحق التي لا تخجل، ووجه الخير الذي لا يعبس إن جاءه الناس، بل يسعى هو إلى الناس. ساعي الخير كن، وكن حيث يحب الله أن تكون، بالوصف الذي يحب: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ سورة فصلت الآية (33) (من كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا" للإمام عبد السلام ياسين، ص 141)

وختاما، فإن الاحتفاء بالطليعة المؤسسة يرنو عامة إلى استمرار المشروع العدلي الإحساني ودوام نفعه في الأمة والإنسانية جميعا، فذاكرة المؤمنين وذكراهم نقش في سجلات التاريخ لا تنسى، بل تكون دواما للأجر والثواب والمدد والإمداد، مع ما يصاحبها من أفراح بكرم الله تعالى، ورغم ما يكتنفها من أتراح بحكمته وعظيم تدبيره سبحانه. ألا له الخلق والأمر.

كما أن من معاني إحياء ذكرى التأسيس إعمال أدوات النقد والتقييم والتقويم لمسار حافل، بما له وما عليه، في ظروف سريعة التطور والتغيُّر، وكلنا آذان صاغية للرأي الموافق والمخالف.
 
نرجو من الله الكريم الوهاب أن ييسر من يهدي لنا عيوبنا لتكون الهدية نبراسا للتحسين والتجويد والإحسان وما التوفيق إلا من عند الله العلي الحكيم.

وإننا، إذ نحيي الذكرى الأربعين فينا وفي الناس، إنما نحيي فضل الله تعالى على مرشدنا الإمام عبد السلام ياسين وعلينا به ومعه، لتبقى الذكرى تخليصا لهذه الصحبة المتجددة، ووفاء لها، وحافزا دائما في قلوبنا، ودافعا للعمل الدؤوب الممتد عبر الأجيال والأزمان.

فلقد قام رحمه الله تعالى، ومعه ثلةٌ من المؤمنين، قومة صدق، سرى نورها في قلوب جماعة من المؤمنين والمؤمنات، تأسس من خلاله بناء شامخٌ يروم إسعاد الإنسانية برحمة الله تعالى، ويتحرك في الواقع برشد وسداد، ولقد قال رحمه الله تعالى في هذا المعنى:" فإذا أراد الله بجماعة المؤمنين رشدا قيَّض لها من أوليائه من يشد أواصرها بالصحبة المستمدة قوتها من القلوب، الواقفة على باب الله تطرق، تسترحم، تستفتح، تتضرع، تبكي شوقا ولهفة. كل ذلك والجوارح آخذة في تعبئة الجهود، والعقول منكبة على العلم النافع وإعداد ما أمرنا به من قوة الخبرة والتخطيط." (من كتاب المنهاج النبوي ص134)


*المنسق العام لفعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان ومسؤول مكتبها الإعلامي