سياسة عربية

ما مستقبل اتحاد المغرب العربي بعد أزمة تونس والرباط؟

تأسس اتحاد المغرب العربي عام 1989 ويضم كلا من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا- جيتي

أثار استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، لحضور قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا (تيكاد 8) أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين تونس والمغرب، أثرت لاحقا حتى على مجال الرياضة.


والجمعة الماضي، قرر المغرب استدعاء سفيره لدى تونس للتشاور بعد استقبال الأخيرة زعيم "جبهة البوليساريو" إبراهيم غالي، لحضور قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا "تيكاد" التي انطلقت أعمالها السبت.


واعتبرت وزارة الخارجية المغربية في بيان، أن "ترحيب رئيس الدولة التونسية (قيس سعيد) بزعيم المليشيا الانفصالية عمل خطير وغير مسبوق، يجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية".


وأردفت بأنه "في مواجهة هذا الموقف العدائي والضار تجاه العلاقات الأخوية التي حافظ عليها البلدان على الدوام، قررت المملكة المغربية عدم المشاركة في قمة التيكاد الثامنة المنعقدة في تونس".


وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

 

رد وتعقيب


وفي ردها، أعربت الخارجية التونسية في بيان، عن "استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية، ومغالطات بشأن مشاركة (البوليساريو) في القمة"، مقررة استدعاء سفيرها في الرباط للتشاور.


وأكدت أن تونس "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء.. التزامًا بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاّ سلميًا يرتضيه الجميع"، مشددة على "التزامها بقرارات الأمم المتحدة وقرارات الاتحاد الأفريقي الذي تعدّ تونس أحد مؤسسيه".


وفي تعقيب، قالت وزارة الخارجية المغربية، السبت، إن بيان نظيرتها التونسية بشأن استقبال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي "ينطوي على العديد من المغالطات".


وذكرت وزارة الخارجية في بيان أن بيان نظيرتها التونسية "لم يُزل الغموض الذي يكتنف الموقف التونسي، بل زاد في تعميقه".


وقال المغرب إن قرار تونس دعوة غالي لحضور ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا التي تستضيفها تونس "يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي".


وتلقي الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين تونس والمغرب بظلالها على مستقبل العلاقات بين البلدين، وعلى مستقبل العلاقات داخل اتحاد المغرب العربي أيضا.

اتحاد المغرب العربي


وتأسس اتحاد إقليمي بتاريخ 17 شباط/ فبراير 1989 بمدينة مراكش بالمغرب، ويتألف من خمس دول تمثل في مجملها الجزء الغربي من العالم العربي وهي: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس وليبيا. 

وجاء ذلك من خلال التوقيع على ما سُمّي بمعاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي، حيث حمل بيان التأسيس إمضاءات كل من: ملك المغرب الحسن الثاني، والرئيس التونسي زين العابدين بن علي رئيس تونس، ورئيس الجزائر الشاذلي بن جديد، ورئيس ليبيا معمر القذافي، ورئيس موريتانيا معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.


وتبلغ مساحة دول هذا الاتحاد مجتمعة 6,041,261 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تفوق مساحة الاتحاد الأوروبي، فيما يبلغ عدد سكان اتحاد المغرب العربي حوالي 100 مليون نسمة 80 بالمئة منهم يعيش في المغرب والجزائر، كما أن البلدان يملكان أقوى اقتصادين في هذا الاتحاد، حيث إن مجموع اقتصاد البلدين يساوي 75 بالمئة من الاقتصاد الإجمالي لدول الاتحاد. 


واتخذ الاتحاد من مدينة الرباط المغربية عاصمة له، فيما تُعتبر تونس الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمس التي قامت بدسترة الاتحاد في دستورها من خلال الفصل الخامس من دستور 2014 والذي يشدد على أن "الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي، تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها"، فيما يشير الفصل السابق من دستور 2022 إلى أن "الجمهوريّة التونسية جزء من المغرب العربي الكبير تعمل على تحقيق وحدته في نطاق المصلحة المشتركة".


"أزمة حقيقية"

وفي تعليق على الأزمة الدبلوماسية وتأثيرها على مستقبل المنطقة المغاربية، قال الباحث التونسي في العلاقات الدولية بشير الجويني، إن هناك أزمة حقيقية بين تونس والمغرب، مشيرا إلى أن تحديد من يتحمل المسؤولية لن يفيد في حل الأزمة، وتعميقها لا يخدم لا المصالح التونسية ولا المغربية.


وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أنه "كان بوسع السلطات التونسية أن تتجنب هذا الجدل، وكان حري أيضا بالسلطات في المغرب أن لا تكون بهذه الحدة في التصريحات"، مؤكدا أن "التجييش الإعلامي الحاصل في البلدين مسيء لعلاقاتهما".


وشدد الجويني على أن "مشاركة ممثل الصحراء الغربية لم تكن أول مرة، بل إن استقباله من رئيس الدولة هي المرة الأولى، وهذا ما يمثل جزءا كبيرا من المشكل".


ورأى الباحث في العلاقات الدولية أنه "كان بإمكان الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يجنب نفسه والبلد مشاكل نحن في غنى عنها"، قائلا: "السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل ما قام به سعيّد هو خطأ دبلوماسي بروتوكولي أم إن هناك حسابات أخرى، خصوصا أن بلاغ وزارة الخارجية التونسية كان فيه اضطراب؟".


وعن مستقبل العلاقات بين البلدين، قال بشير الجويني إنه لا يتمنى أن تتجه الأمور إلى ما هو أخطر، "باعتبار العلاقات الممتدة والقديمة بين تونس والمغرب".


وأضاف الباحث الجويني: "الفضاء المغاربي لا يحتاج إلى مزيد من التعقيدات ومن المشاكل"، معتبرا أن "خطيئة المغرب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني لا يجب أن تجابه بخطيئة أخرى، مثل ما يسوق لها أنصار سعيّد، من شأنها أن تهدم ما تبقى من أمل في هذا الكيان المغاربي".


واختتم بالقول إن "المحافظة على الاتحاد المغاربي أولوية قصوى، وما قامت به تونس أو المغرب لا يخدم مصالح الاتحاد، بل على العكس، على أمل تجاوز هذه الأزمة في أقرب الأوقات".

"ضغط جزائري"


في المقابل، اعتبر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، محمد تاج الدين الحسيني، أن "تونس أخطأت في حق المغرب باستضافة زعيم جبهة البوليساريو نظرا كون الصحراء جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي".


وقال في تصريح لـ"عربي21" إن "هذا الموقف اتخذه الرئيس قيس سعيّد وليس الشعب التونسي وليست المؤسسات التونسية، وهو قرار فريد من نوعه شكل مفاجأة للجميع، حتى بالنسبة للتونسيين أنفسهم".


وأضاف محمد تاج الدين الحسيني: "منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، كان هناك استقرار في العلاقات المغربية التونسية والمغاربية بشكل عام".


وتابع: "منذ ذلك الوقت اتخذت تونس موقف الحياد الإيجابي، أي إمكانية التوسط بين الأطراف المغاربية للحفاظ على لُحمة المغرب الكبير التي رُسخت في اتفاقية مراكش عام 1989".


وعن قيام سعيّد باستقبال زعيم البوليساريو، اعتبر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية أن ما فعله الرئيس التونسي هو مساس بهذا الإرث التاريخي القديم بين البلدين والأخوة والتضامن الدائمين"، قائلا: "لا ننسى أن العاهل المغربي محمد السادس زار تونس وبقي فيها مدة طويلة تشجيعا للاستقرار الذي عرفته تونس بعد ثورة الياسمين ودعما للسياحة".

وأضاف: "لا أقول إن هذا أول تغيير طرأ على موقف السيد قيس سعيّد، بل على مواقف سعيّد داخل تونس التي تعيش أزمة حقيقية بين الرئيس ومختلف المؤسسات سواء المؤسسة التشريعية أو القضاء أو الأحزاب السياسية، ورغم أنه ليس للمغرب الحق في التدخل في الشأن الداخلي لتونس، إلا أنه عندما تكون القرارات عابرة للحدود المغربية، فمن حقنا أن نتدخل".

واعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن "قيس سعيّد خضع لتأثير قوي من طرف النظام العسكري في الجزائر، وهو ما كان واضحا عندما امتنعت تونس عن التصويت في مجلس الأمن صحبة روسيا على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية لمدة عام آخر".


وقال إن هذا التصرف من شأنه أن "يمس من بمستقبل العلاقات المغاربية وليس فقط مستقبل العلاقات بين تونس والمغرب، وهو ما يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة".

وأشار محمد تاج الدين الحسيني إلى بيان الأمین العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، الذي قال إن الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت، مؤخرا، بين المغرب وتونس شكلت "مفاجأة".


وقال أستاذ القانون الدولي إنه كان يُفترض أن تلعب تونس دور الوساطة في يوم ما بين المغرب والجزائر من أجل إعادة حركة وعجلة المغرب الكبير للدوران من جديد، وخاصة وأنها تُعتبر مستقبل الشعوب المغاربية.

 

اقرأ أيضا: البكوش: ندعو لـ"خلوة مغاربية" وأزمة تونس والمغرب فاجأتنا

ورغم ذلك، أعرب الحسيني عن تفاؤله بمستقبل العلاقات في اتحاد المغرب العربي "باعتبار أن القرار التونسي ليس قرار الشعب التونسي ولا قرار المؤسسات التي تعاني مع الرئيس الحالي قيس سعيّد بسبب قراراته".


وقال إن "الانفراد بالقرار وتشخيص السلطة وعودة الدكتاتورية بعد ثورة الياسمين التي فرضت الديمقراطية تشكّل مفارقة عجيبة في التاريخ المعاصر لتونس، وهي أشياء غير مرشحة للبقاء وهي سحابة صيف في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تونس"، مشددا على أن "الشعب التونسي أقوى من أن تؤثر عليه قرارات انفرادية لتغيّر مواقفه التي يحفظها له التاريخ".


"مقاطعة رياضية"


وألقت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين على العلاقات الرياضية بينهما، حيث أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة اليد، في بيان رسمي الاثنين الماضي، الانسحاب وعدم مشاركة أنديتها في البطولتين العربية والإفريقية، المقرر أن تستضيفهما تونس خلال الشهرين المقبلين.

وأكد بيان الاتحاد المغربي أن نادي "وداد السمارة" لن يشارك في البطولة العربية لكرة اليد للأندية البطلة، وكذلك نفس القرار حول نادي "رجاء أغادير"، الذي سيقاطع البطولة الإفريقية في تونس.


ولم تكن تلك المنافسات الرياضية الوحيدة التي قاطعها المغرب بسبب إقامتها بتونس، إذ ألغى النادي الرياضي المكناسي، يوم الأحد، مشاركته في البطولة العربية لأندية أبطال كرة السلة للسيدات.