سياسة عربية

هل تؤثر مقاطعة الاستفتاء بتونس على مسار قيس سعيّد؟

تنادي أبرز أحزاب المعارضة التونسية بمقاطعة استفتاء 25 تموز/ يوليو - جيتي

تعيش تونس على وقع الاستعداد للاستفتاء الشعبي على مشروع دستور جديد من المنتظر أن يتم في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الجاري. 


وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أعلن في يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021، خارطة طريق تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بعد مسار ينطلق باستشارة إلكترونية ويختتم بالمصادقة على دستور جديد للبلاد.


ونشر قيس سعيد يوم 9 تموز/ يوليو الجاري نسخة معدلة من دستوره الجديد بعد أن نشر نسخة أولى في 30 حزيران/ يونيو الماضي.  


ويعرف المسار الذي أعلنه سعيّد رفضا من قبل فئة واسعة من التونسيين بلغت حد إعلان عدد من الأحزاب السياسية مقاطعة الاستفتاء المعلن.


فهل تؤثر المقاطعة في مسار سعيد؟

دستور على مقاس الرئيس 


ورغم الحوار الذي سبق نشر الدستور الجديد، فإن أطرافا عديدة في تونس بما في ذلك رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية الصادق بلعيد، تعتبر أن مشروع المنشور في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) لا يمثل سوى قيس سعيّد. 

وكان سعيّد قد كلف هيئة ضمت عددا من ممثلي المنظمات بإدارة حوار يخلص إلى صياغة مشروع دستور، إلا أن مشروع الدستور الذي أعلنه جاء مخالفا للمشروع الذي صاغته الهيئة.

وتضمن مشروع الدستور الجديد جملة من البنود التي تقول المعارضة إن سعيد يريد من خلالها التأسيس لحكم الفرد وإعادة نظام الاستبداد، حيث جاء في بيان لجبهة الخلاص الوطني أن مشروع دستور سعيد "مثل رِدّةً تهدد بالعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي المطلق".


وأوضح البيان بأن هذا المشروع فضلا عن إسنادهِ كامل السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية (تعيين الحكومة وإقالة أعضائها، السلطة الترتيبية العامة، الخ) فهو يمنحهُ صلاحيات واسعة في الميدان التشريعي (المبادرة التشريعية، المراسيم، حق الرد، العرض على الاستفتاء الخ ...) ويجرد عمليا المجلس النيابي من كل سلطة رقابية على الحكومة وعلى أعمال السلطة التنفيذية برمتها.

وفي نفس السياق، صدر بيان عن التيار الديمقراطي ندد فيه بتجاهل السلطة القائمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي المتأزم في البلاد وانكباب كل مؤسساتها على تمرير المشروع الشخصي للرئيس، كما ندد بسطو الرئيس من خلال مشروع الدستور الجديد على كل السلط بما فيها السلطة القضائية وإلغاء مبدأ الفصل بينها. 

ونبه حزب التيار الديمقراطي من أن يؤدي مشروع الدستور المنشور إلى تأسيس دولة الرئيس المتسلط مع حصانة مطلقة من المساءلة والعزل والمحاسبة أثناء وبعد حكمه وأشار بأنه يمكن الرئيس من تمديد حكمه إلى ما لا نهاية، حسب البيان نفسه. 

المعارضة تختار مقاطعة الاستفتاء 


واختارت جملة من أحزاب المعارضة في تونس مقاطعة الاستفتاء، حيث تشكلت منذ الثاني من حزيران/ يونيو 2022، جبهة وطنية لإسقاط الاستفتاء، ضمت أحزاب الجمهوري والتيار الديمقراطي والعمال والقطب الحداثي بالإضافة إلى التكتل من أجل العمل والحريات، وصدر عنها بيان قالت فيه إن "مقاطعة الاستفتاء مهمة وطنية"، معتبرة أن رئيس الجمهورية قيس سعيد وبعد إلغاء دستور 2014 والاستيلاء على كافة السلطات والحكم عبر المراسيم غير القابلة للطعن وكذلك تغيير تركيبة هيئة الانتخابات يريد إضفاء شرعية زائفة على خيارات جاهزة. 


ولنفس الأسباب تقريبا اختار كل من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بالإضافة إلى الحزب الدستوري الحر مقاطعة الاستفتاء أيضا.


وفي هذا الصدد، يقول المسؤول عن الانتخابات في حركة النهضة نزار الحبوبي لـ"عربي21" إنه "في الإجراءات التي اتبعها قيس سعيد لا توجد أي ضمانات لإجراء الاستفتاء في كنف الشفافية بل هناك مخاوف من التزوير عبرت عنها المعارضة". 


ويضيف الحبوبي: "أيضا عدم تكافؤ الفرص بين أنصار الدستور الجديد ومعارضيه يعزز دعوات المقاطعة خاصة في ظل ما يحصل من توظيف إمكانيات الدولة من أجل التحشيد للتصويت بنعم".

 وفي السياق نفسه، يقول الناشط السياسي عصام الدين الراجحي لـ"عربي21": "هذا المسار اللاديمقراطي الذي يسلكه الرئيس قيس سعيد وأنصاره هدفه التأسيس لديكتاتورية على النمط القديم، لذلك لا بد من الطعن في المسار برمته لا الاستفتاء فقط، مع العمل على مقاطعته والتنديد بتورط الهيئة المعيّنة للانتخابات في تزكية مشروع الرئيس وعرقلة خصومه".

هل تؤثر المقاطعة في مسار قيس سعيد؟


ونتج عن موضوع المقاطعة جدل داخل معارضي قيس سعيد، وبينهم وبين الموالين له، فقد اختار كل من حزب أفاق تونس وحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري المعارضين لمسار 25 تموز/ يوليو المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا، وذلك لقطع الطريق أمام فرص نجاح سعيد في الحصول على مصادقة التونسيين على مشروع الدستور الجديد، حسب تصريحات لهم.


من جهته، اعتبر عضو الهيئة التأسيسية لحركة الجمهورية الجديدة الداعمة لمسار 25 تموز/ يوليو أحمد الذوادي في تصريح لـ"عربي21" أن "التصويت بنعم أو لا أو المقاطعة كلها مظاهر تعكس حيوية المشهد الديمقراطي في تونس، وقد شهدت انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 حملة مقاطعة قادتها قوى يسارية وشبابية، ورغم ذلك لم يتوقف المسار آنذاك".


ويضيف الذوادي بأن "المقاطعة تسجيل موقف، أما الدستور الجديد فهو تحت تأثير نعم ولا وإن صوت أغلب التونسيين عليه فسيمر إلى التطبيق".


في المقابل ترى الأحزاب الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء أن المشاركة ستضفي على مسار سعيد منذ الانقلاب شرعية زائفة، وأن المقاطعة يمكن أن تبين فقدان السلطة القائمة لأي شرعية وتبرز عزلتها الداخلية وهو ما أكده عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة المكلف بالانتخابات نزار الحبوبي لـ"عربي21"، قائلا إن "مقاطعة الاستفتاء من شأنها تأكيد عدم شرعية ما يقوم به سعيد منذ الانقلاب في 25 يوليو ويزيد من عزلته داخليا وخارجيا". 


ويضيف الحبوبي بأن مقاطعة الاستفتاء زادت من وحدة معارضي سعيد ويمكن أن تكون محطة نضالية سابقة لمزيد تنسيق جهود المعارضة في محطات أخرى جماهيرية تساهم في إسقاط الانقلاب.

أما الخبير في مركز كارنيجي للشرق الأوسط حمزة المدب فيرى في تصريحه لـ"عربي21" أن "قرار المقاطعة تأثيره محدود، حيث يضعف من جهة نسب المشاركة وبالتالي شرعية الاستفتاء والدستور إذا تم اعتماده".

ويضيف حمزة المدب: "سيولد الدستور الجديد بنسبة مشاركة ضعيفة وبالتالي لن يخرج البلاد من دوامة الأزمة التي تعرفها بل سيزيد من عمقها ويدخل البلاد في فصل جديد من الصراع السياسي بعد 25 تموز/ يوليو". 

 

اقرأ أيضا: داخلية تونس تؤمّن استفتاء 25 تموز.. وتسجيل خروقات بالجملة

ويرجح الخبير في مركز كارنيجي أن قيس سعيد لن يولي نسبة المشاركة اهتماما كما حدث سابقا مع الاستشارة الالكترونية التي اعتبرها ناجحة رغم ضعف الإقبال عليها.


وفي نفس الاتجاه، يعتبر حمزة المدب أن قرار المقاطعة يطرح إشكاليات أخرى، باعتبار أن المعارضة التي اختارت المقاطعة مشتتة وتخترقها خلافات، كما لا يوجد تنسيق بين مكوناتها لتنظيم تحركات في الشارع أو لتنسيق المواقف في الحد الأدنى. 

أخيرا وإن تعتبر خيارات المعارضة محدودة في التعاطي مع الاستفتاء على دستور قيس سعيد الجديد، في ظل عدم استجابته لنداءات الحوار، فإن المرجح أن يمضي قيس سعيد في خياراته دون أدنى اهتمام بالمقاطعة وتأثيراتها المحتملة، خاصة وأنها تأتي في سياق عزوف متواصل للناخب التونسي عن المشاركة السياسية بما يعسر التمييز بين الكتلة المقاطعة وعموم الناخبين الرافضين للمشاركة السياسية بصفة عامة.