قضايا وآراء

ما بعد الاستفتاء.. تونس تدخل منطقة الزوابع

1300x600

1- الدستور أو "العقيدة المدنية"

الدستور بما هو عقد مكتوب بين السلطة والشعب، يتحدد فيه نظام الحكم ومصدر السلطة وآليات تشكيل الحكومات والمؤسسات الدستورية، وهو عبارة عن أبواب كبرى تُضبط فيها الحقوق والواجبات وفلسفة بناء الدولة.

ولما كان الدستور منظما لحياة الناس ومصالحهم ومختلف مناشطهم السياسية والثقافية والاقتصادية والدينية، فإنه لا يمكن أن يكون صادرا عن شخص أو مجموعة مهما كانوا على درجة عالية من المعرفة والاستقامة، فما يتعلق بحياة الناس ومستقبل الأجيال وسيادة الأوطان يجب أن يكون بمعرفة الناس ومشاركتهم، حتى يكون ذا مقبولية واسعة وحتى يتحول إلى ما يشبه "العقيدة المدنية" لا يحتاج معها الناس إلى قهر الدولة كي يلتزموا به، وإنما هو وعيهم واختيارهم الحر يجعلانهم يكيفون نشاطهم السياسي والاجتماعي على مقتضى قوانين دستور شاركوا فيه وتواضعوا عليه مع غالبية شركائهم في الوطن.

2- دستور قيس سعيد

نشر قيس سعيد يوم 1 حزيران/ يونيو 2022 بالرائد الرسمي التونسي مشروع دستوره الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي ليوم 25 تموز/ يوليو الجاري.

دستور لا يعبر عن إرادة التونسيين ولم تشارك فيه أحزاب ولا نواب شعب ولا منظمات، بل حتى رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية المكلف من قيس سعيد بإعداد الدستور أعلن براءته مما جاء فيه، وعبر عن مخاوفه من كونه يمهد لنظام فردي

وهو دستور لا يعبر عن إرادة التونسيين ولم تشارك فيه أحزاب ولا نواب شعب ولا منظمات، بل حتى رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية المكلف من قيس سعيد بإعداد الدستور أعلن براءته مما جاء فيه، وعبر عن مخاوفه من كونه يمهد لنظام فردي. وكذلك قال صديقه أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ.

هناك إجماع وطني على أن الدستور المعروض على الاستفتاء هو من صياغة قيس سعيد، لم يشاركه فيه أحد ولم يستمع فيه إلى وجهة نظر أو نصيحة أو مقترحات إضافة أو تعديل، فهو دستور فُصّل وخِيط على مقاس حاكم فرد لا شريك له ولا معقب لحكمه. ولعل أسوأ ما فيه هو جعل رئيس الدولة فوق المحاسبة على ما يفعل، رغم أنه منح نفسه في دستوره صلاحيات مطلقة وجعل دور البرلمان ثانويا ولا سلطة للحكومة إلا في تنفيذ سياساته، وهو من يختار رئيس الحكومة ويصادق على أعضائها ويعفي منهم من يشاء.

والسؤال هو: هل أعِدّ الدستور فعلا على مقاس قيس سعيد؟ أم هل استُعمل قيس سعيد رافعة أخلاقية (لكونه شخصا نظيفا) لتمرير دستور تحكم به شخصية هي الآن بصدد الإعداد في الخفاء؟ وقد صرحت عبير موسي -وهي سياسية مزودة بالمعلومة- بأن العصفور النادر سيخرج بعد الاستفتاء.
هل أعِدّ الدستور فعلا على مقاس قيس سعيد؟ أم هل استُعمل قيس سعيد رافعة أخلاقية (لكونه شخصا نظيفا) لتمرير دستور تحكم به شخصية هي الآن بصدد الإعداد في الخفاء؟

3- ما بعد الاستفتاء

تماما كما "نجحت" الاستشارة الالكترونية رغم مقاطعة عموم الشعب لها، فـ"سينجح" الاستفتاء رغم دعوات المقاطعة الواسعة الصادرة عن الأحزاب السياسية والشخصيات الاعتبارية، ورغم أن المزاج الشعبي العام منصرف عن السياسة وتحيدا عن شعبوية قيس سعيد و"مشاريعه" الطوباوية وخطاباته العنيفة المتعجرفة.

ثمة من يناصرون قيس سعيد، وهم أقلية، لا اقتناعا بما يقدمه من "أفكار" ولا ثقة بقدرته على إخراج البلاد من أزمتها الاجتماعية، وإنما -وتحديدا- نكاية في حركة النهضة وحلفائها. لم يقدروا عليها بصناديق الانتخابات فيريدون إخراجها بقوة أجهزة الدولة.

بعد منتصف ليلة 25 تموز/ يوليو بساعة واحدة ستقام أفراح وتطلق شماريخ ويخرج من الناس كثير أو قليل مبتهجين بنجاح الاستفتاء، وسيخطب قيس سعيد يعلن حصوله على "تفويض شعبي" لتطهير البلاد من الخونة والعملاء والمنافقين واللصوص، وستكون لكلمته تلك مفاعيل سحرية على أنصاره فيتصرفون بما يخالف السلم الأهلي، ولن يتحمل قيس سعيد تبعات ما يترتب عن خطابه التحريضي فالدستور ينص على عدم محاسبة الرئيس.

ما الذي يمكن أن تفعله المعارضة قبل الاستفتاء بعد تحركاتها السلمية في الشوارع؟ ما الذي يمكن أن تفعله بعد الاستفتاء الذي سيكون بنظر سعيد "ناجحا" رغم المقاطعة الواسعة؟

هل سينتهي الساسة التونسيون إلى نفس ما انتهوا إليه مع ابن علي، وهو مطالبته بالتزام بنود بيان السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الذي تأسس عليه انقلابه في 1987؟

 

 

twitter.com/bahriarfaoui1