قضايا وآراء

لبنان الاتصالات: رفع الأسعار.. لا تواصل

1300x600
وتمضي الأيام مسرعة كأنها البارحة، والضغوط على اللبنانيين تزداد يوما بعد يوم، وآخرها يصل اليوم الجمعة، الفاتح من تموز/ يوليو، مع رفع سعر فاتورة الاتصالات، حيث القضاء على ما تبقى كتنفيسة للبنانيين مع آخر فاتورة كانت تدفع على تسعيرة دولار 1515 للدولار الواحد.

وعليه، بعد مذبحة البنزين الذي يلامس 70 ألف ليرة لصفيحة الواحدة والديزل الذي يفوق ذلك، وحبة الدواء المفقودة وإن وُجدت أصبحت تدفع على مؤشر السوق السوداء، وصولا لربطة الخبز التي أضحت تباع في السوق السوداء؛ تمهيدا لرفع الدعم عنها في الأيام القادمة، بفعل أزمة الدولار المفقود في خزائن الدولة وجشع التجار وبعض المطاحن والأفران، في أزمة تعدت أن تكون أزمة رغيف إلى أزمة ضمير مات عند الكثيرين. وها نحن اليوم نصل إلى فاتورة التلفون والإنترنت التي تسمى "فشة خلق" اللبنانيين، فوسائل التواصل الاجتماعي غدت حياة الناس كل الناس، وتتعداها لكي تكون مورد رزق البعض منهم، والذين سيتضررون بالأشكال كافة وعلى كل الأصعدة أفرادا وشركات ناشئة صغيرة، وحتى الشركات الكبيرة لن تسلم من الطامة القادمة.

إن ارتفاع الأسعار ليست مقتصرة على الباقات الكبرى المخصصة للشركات التي سيعلو صوتها مع الأيام القادمة، بل تطال أيضا أصحاب المداخيل الصغيرة. ففي لبنان، هناك نوعان من خطوط الاتصال: الأول يعرف باسم خطوط مسبقة الدفع، تباع بما يقارب من 40 ألف ليرة، أي نحو دولارين أو ثلاثة حسب سعر الصيرفة، فيما يرتفع هذا السعر إلى ما بين أربعة وسبعة دولارات، أي ما يوازي 10 في المئة من الحد الأدنى الذي أقرته وزارة المالية سابقا. أما الخطوط الثابتة، فتكلف المواطن خمسة دولارات للاشتراك، وتزداد عليها الباقات التي يتم اختيارها.
ها نحن اليوم نصل إلى فاتورة التلفون والإنترنت التي تسمى "فشة خلق" اللبنانيين، فوسائل التواصل الاجتماعي غدت حياة الناس كل الناس وتتعداها لكي تكون مورد رزق البعض منهم، والذين سيتضررون بالأشكال كافة وعلى كل الأصعدة أفرادا وشركات ناشئة صغيرة، وحتى الشركات الكبيرة لن تسلم من الطامة القادمة

وحسب وزير الاتصالات، فإن هذه الأسعار تعدُّ مقبولة، ويمكن للبناني تحملها، لا بل حتى إنه يرى أن قيمتها انخفضت مقارنة مع ما قبل الأزمة الاقتصادية. قد يكون الوزير محقا بذلك، ولكن هذه المقارنة غير عادلة بالنسبة للبنانيين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. فالعامل الذي يتقاضى مليوني ليرة، هل يمكنه تسديد 10 في المئة من راتبه للإنترنت فقط؟! في دولة لالا لاند كل شيء مسموح!

إن الاتصالات خدمة عامة وإحدى وظائف الدولة الرئيسة، ويجب ألا تتعاطى معها الدولة من باب الربح، بل من منطلق تأمين الخدمة المطابقة للمواصفات للمواطن والزائر السائح، كدلالة لجلب الاستثمار وتحريك عجلته النائمة، خصوصا أن شركات الاتصالات (من الخلوي إلى أوجيرو- هاتف لبنان) أصبحت مملوكة من الدولة. ثم ماذا عن المشكلة المترتبة نتيجة غلاء أسعار المازوت من أجل تشغيل المحطات إضافة إلى الصيانة؟ إن أبسط المعادلات تقول بأن المنطق الاقتصادي يدفع إلى التفكير كأي تاجر، لكن هذا المبدأ لا يكون صائبا بالنسبة للقطاعات المملوكة من الدولة، ومن ثم طالما الدولة هي المسؤولة عن القطاع، يجب أن تبقى الخدمة متوفرة بالجودة وبالسعر المقبول، الذي يتلاءم مع دخول الناس الذين لا زالت رواتبهم تبكي على حال أصحابها، وتسأل معهم كيف يعيش اللبنانيون مع هكذا أسعار تآكل المعاشات والرواتب؟!

وهنا المأساة، فكيف الحل؟ حيث تشير الأرقام إلى أن قطاع الخلوي يحتاج إلى مصاريف وتكاليف بغض النظر عن كيفية إدارتها، التي تقدر بـ254 مليون دولار سنويا، في المقابل لا تتجاوز مداخيل الشركتين 70 مليون دولار سنويا خلال عامي الأزمة التي شهدها لبنان، وحتى الآن. ولو لم يتم اللجوء إلى هذه الخطوة لكان مصير القطاع الانهيار والانحدار، كذلك فإن أوجيرو (هاتف لبنان)، تحتاج يوميا إلى ما يفوق 70 طنا من المازوت لتشغيل المولدات الخاصة بشبكة الاتصالات، وإيصالها إلى 303 سنترالات تملكها الهيئة على كامل الأراضي اللبنانية، في وقت يتراوح سعر طن المازوت المباع للدولة قرابة 700 دولار، وهو رقم مرشح للارتفاع مع ارتفاع أسعار النفط عالميا وسعر الدولار محليا، كذلك تحتاج هيئة أوجيرو إلى مبلغ يتراوح بين 1.2 مليار ليرة و1.5 مليار ليرة لتشغيل المولدات.

وعليه، إن أوجيرو تدفع مبلغ ستة ملايين دولار سنويا لاستجرار الإنترنت من أوروبا وأمريكا، كتكاليف لخدمة 800 ألف مشترك بالهاتف الثابت و450 ألف مشترك بخدمة الإنترنت، فبات رفع سعر التعرفة بحكم المؤكد والناس إلى مزيد من الفقر!!
هل الإصلاحات ورفع التعريفات في كل القطاعات الحيوية تمر فقط من جيوب الفقراء؟ وإلى متى سيبقى صمت اللبنانيين قائما في بلاد يُنهش لحم أبنائه أمام أعينهم؟! ومتى تأتي صرخة الناس في الشوارع؟

إن قرار رفع تعرفة اشتراك الإنترنت والاتصالات بات أمرا واقعا في ظل حكومة تصريف أعمال لا تملك حولا ولا قوة. لا يبدو الخوف من التداعيات التي قد تحصل آنيا على الأرض؛ من تظاهرات واحتجاجات كما حصل في بداية حراك 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، حيث الشرارة الأولى لخروج الناس إلى الشارع كانت آنذاك اقتراح ضريبة على اتصالات تطبيق الواتساب تصل إلى ستة دولارات شهريا!! واليوم أين هم من ثاروا من جوع الناس وعوزهم، حيث الحاجة إلى حركة ديمقراطية أكبر وأكثر فاعلية، مما يجري الآن باتت ملحّة في البرلمان وخارجه؟

وكخاتمة، هل الإصلاحات ورفع التعريفات في كل القطاعات الحيوية تمر فقط من جيوب الفقراء؟ وإلى متى سيبقى صمت اللبنانيين قائما في بلاد يُنهش لحم أبنائه أمام أعينهم؟! ومتى تأتي صرخة الناس في الشوارع؟

على ما يبدو، إذا استمر منوال النهش القائم بفعل انخفاض جودة الخدمات وعدم توفر الدولارات، سيكون موعد الناس مع الشارع قريبا، وربما يصل قبل "خريف الغضب"، بحسب عنوان كتاب الأستاذ هيكل رحمه الله.

mmoussa@mees.com