أجبر ارتفاع أسعار النفط بسبب الغزو الروسي على أوكرانيا، الرئيس الأمريكي جو بايدن على التقرب من السعودية بعد تعهده بجعلها "منبوذة" بسبب جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بحسب "بلومبيرغ".
وأثناء حملته الانتخابية، تعهد بايدن بتحويل السعودية إلى "منبوذة" بسبب جريمة مقتل خاشقجي، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، وقام مؤقتًا بتجميد مبيعات الأسلحة للمملكة بسبب حربها في اليمن.
كما رسم خطة تعتمد فيها الولايات المتحدة على مصادر الطاقة المتجددة عوضا عن اعتمادها على سوق النفط الذي تملك فيه المملكة نفوذا واسعا.
ولكن نظرا لأن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل أكبر اضطراب لإمدادات الطاقة منذ عقود، يتعين على بايدن اتخاذ مسار مختلف، وإعادة بناء تحالف أصبح مهما بشكل متزايد للاقتصاد العالمي.
مع اضطراب سوق النفط، أصبحت السعودية قادرة على تقديم شروطها. فهي تجني مليار دولار يوميا من النفط، ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد السعودية، جنبا إلى جنب مع الهند بأسرع صورة من أي دولة في مجموعة العشرين.
ظهرت مؤشرات المصالحة في الثاني من حزيران/ يونيو عندما وافقت "أوبك +" على تسريع زيادات الإنتاج وهي خطوة أولى مهمة في حملة عالمية لاستهداف الصادرات الروسية بفرض عقوبات.
اقرأ أيضا: البيت الأبيض: السعودية شريك استراتيجي للولايات المتحدة
ويفكر بايدن في زيارة المملكة في الأسابيع المقبلة كجزء من جولة أوسع إلى الشرق الأوسط.
ويقول بوب مكنالي، مدير "مجموعة رابيدان للطاقة"، التي تتخذ من واشنطن مقرا، إن "الطرفين يرغبان في تثبيت العلاقات"، مضيفا: "الرئيس أعاد اكتشاف أهمية ثبات أسعار النفط والغاز، وبالأخص الدور الحيوي الذي تلعبه السعودية".
لكن بايدن يعتقد أن قيادة السعودية تريد تأكيد أجندتها الخاصة. ويريد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اعترافا علنيا منه كحاكم فعلي بعد أن نبذه بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، كما يسعى إلى الاستثمارات الأمريكية وقدرة الوصول إلى المعدات العسكرية الأمريكية.
كما يعد الضمان الأمريكي في حماية السعودية أمرا مهما، في ظل هجمات إيران ووكلائها على المملكة، وذلك ضمن اتفاق "النفط السعودي مقابل الحماية الأمريكية"، الذي عقد في عام 1945.
ويريد السعوديون إلى جانب الإمارات، اتفاقات خطية، وفقًا لشخصين مطلعين على المناقشات في الرياض وأبو ظبي. وإن ضمان الحماية الأمريكية السابق لم يكن على الورق، ولا يعتبر موثوقا كما كان عليه الحال في العقود الماضية.
ويرى السعوديون أيضا أنهم يجدون صعوبة في طرح قضيتهم أمام الديمقراطيين في الكونغرس مقارنة بالماضي كما يذكر ثلاثة أشخاص مطلعين على المناقشات، أن زيارة بايدن قد تساعد في طي هذه الصفحة.
وتقول مديرة مركز الإمارات للسياسات، إبتسام الكتبي، لـ "بلومبيرغ": "إن كان هناك التزام من الجانب الأمني فإن ذلك سيساهم في قطع شوط طويل".
ويحتاج بايدن إلى حليف يمكنه المساعدة في إعادة النظام إلى سوق النفط بعد ارتفاع سعر برميل النفط الخام بأكثر من 50 بالمئة هذا العام إلى حوالي 120 دولارا وقد يرتفع إلى 200 مع ضغط عقوبات الاتحاد الأوروبي على الصادرات الروسية، وأصبح التضخم المتفشي مصدر خطر سياسي لرئيس يواجه انتخابات التجديد النصفي مع انخفاض في شعبيته.
على عكس قادة السعودية، لا يملك بايدن سيطرة مباشرة على كمية النفط المتدفقة من الآبار الأمريكية، بل يعود القرار لشركات استخراج الصخر الزيتي غربي تكساس، الذين عانوا أصلا من تبعات مرحلة النمو الإجباري قبل الجائحة.
اقرأ أيضا: NYT: بايدن لديه "خيارات سيئة فقط" لخفض أسعار النفط
وتقول كارين يونغ، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، الذي يتخذ من واشنطن مقرا، إن "السعوديين يأتون لإعادة ضبط (العلاقات) من موقع القوة.. إنهم يشعرون بأن موقفهم من النفط مبرَّر".
وأمام البيت الأبيض الكثير ليفعله قبل أن توافق السعودية والإمارات على تشغيل الصنابير بما يكفي للمساعدة في خفض الأسعار في المضخة، وفقا لأشخاص مطلعين على المناقشات.
وتقول "بلومبيرغ" إن اتفاق "أوبك+" الأخير "لم يتحرك إلا بمقدار إبرة"، حتى لو كان ذلك يعني ابتعاد المملكة تدريجيا عن روسيا، التي شاركتها إدارة أسواق النفط الخام خلال السنوات الخمس الماضية.
يتوقع المحللون في "جي بي مورغان" أن ربع الكمية الإضافية البالغة 648 ألف برميل يوميا المقرر إجراؤها في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس ستصل إلى السوق، لأن العديد من أعضاء أوبك ليسوا في وضع يسمح لهم بالوصول إلى تلك المستويات. كما أن ذلك لا يعالج مشكلة أكبر، وهي النقص في قدرة المصافي لتحويل النفط إلى وقود.
للتأكيد على الضرورة الملحة، أرسل بايدن مبعوثه إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وكبير مستشاريه لأمن الطاقة، عاموس هوكستين، إلى السعودية والإمارات مرات عدة منذ أواخر العام الماضي. وبحثوا مؤخرًا ضمان استقرار إمدادات النفط العالمية بدلا من مجرد طلب النفط.
ويرى مكنالي المسؤول السابق في البيت الأبيض، أن العلاقات مع الرياض وصلت حدا متدنيا تحت إدارة بايدن الذي أبقى العلاقات على مستوى الملك السعودي، ورفض التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان.
بدأ المزاج يتغير مع صعود أسعار النفط الصيف الماضي بالتزامن مع انتعاش في الطلب على الوقود.
وبعد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا في شباط/ فبراير ومقاطعة الشحنات الروسية ودفع أسعار النفط الخام إلى ما يقرب من 140 دولارا للبرميل، كثفت واشنطن جهودها في التقارب مع الرياض.
ورغم تعاون السعوديين لمساعدة دول الغرب في عزل روسيا، فإن ذلك لا يعني أن الرياض ستتخلى كليا عن شراكتها مع موسكو في إدارة إنتاج النفط وأسعاره على المدى القريب كما يرى محللون.
ويقول مكنالي: "يُنظر إلى روسيا على أنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار في سوق النفط، وبالنسبة لمنتج للنفط فإنه لا يوجد ما هو أهم من النجاة فعليا" مستبعدا تخلي السعودية عن روسيا.
ومع ذلك، فإن رمزية العودة إلى الجانب الأمريكي - خاصة مع المنافسة الكبيرة بين الولايات المتحدة والصين - قد تعطي أسواق النفط في حد ذاتها بعض الطمأنينة.
وإذا استمر الصراع في أوكرانيا، فقد يحتاج البيت الأبيض إلى مطالبة السعوديين بمعدلات أكبر لاستبدال الخام الروسي، مما يزيد من نفوذهم.
وقال بيل فارين-برايس، مدير مركز "إنفيرست للأبحاث": "الجليد يذوب عن الدبلوماسية السعودية الأمريكية، لكن الأمر سيستغرق المزيد من التقدم قبل التطبيع الكامل".