يبدو أنّ الضمير العالمي قد وُوري الثرى دون جنازة، ودون شاهد قبر. رحل بهدوءٍ تام، كما يرحل اللصّ حين يسرق من جيب
الإنسانية آخر فلسٍ من الرحمة. في
غزة، الدم يسيل كأنّ الأرض تعرّقت ألماً، والسماء تنزف قنابل بدل المطر، والبحر – ذاك البحر القديم – صار مقبرةً زرقاءَ تطفو عليها ألعاب الأطفال الذين لم يكبروا بعد.
أما
السودان، فقصيدةٌ طويلة من الرماد، تتنازعها البنادق كما تتنازع الغربانُ جثثَ الحقول. هناك، الجوعُ يبتلع الأطفال قبل أن يلفظ أسماءهم، والعالم يشاهد المشهد ذاته مراراً كأنه يشاهد فيلماً مكرراً على قناةٍ بلا ضمير.
الضمير الذي كان يوماً نبضَ الأرض صار الآن رمادَ ورقٍ في مكاتب الأمم، يُترجم إلى بيانات باردة لا دفءَ فيها. حتى الإنسانية نفسها بدت كهَرِمةٍ تعكّز على عكاز النفاق، وتبتسم بأسنانٍ من كذبٍ أبيض.
في زمنٍ كهذا، لم تَعُد القنابل تقتل الأجساد فقط، بل تقتل المعنى. لم تَعُد النكبات تُقاس بالدموع، بل بعدد التصريحات التي لا تعني شيئاً. العالم اليوم يسير بخُطى ثابتة نحو الهاوية، يحمل في يده شمعة الأخلاق المنطفئة، ويهمس: «نحن بخير».
يا صاحبي، لو كان للضمير قبرٌ، لزرعنا عليه شجرة زيتون، علّها تذكّر الأحياءَ أنّ الإنسانية لا تموت، بل تُغتال في وضح النهار.
الدستور الأردنية