القرآن الكريم معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة، وقد أنزله الله تعالى عليه هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وتكرر الامتنان بتنزيله في كثير من الآيات، ووصف بأحسن الأوصاف، فهو الحكيم العظيم غير ذي العوج. وعلى المسلم أن يحاسب نفسه ويكشف عن واقع حاله في العلاقة مع القرآن الكريم، فنحن في هذا العصر بحاجة لمنهج علمي وعملي لإعادة المسلمين للعيش بالقرآن ومع القرآن.
فمنهجنا يتطرق لمعايير تعيد ارتباط النفس البشرية بالقرآن الكريم، وعدم اختزال مفهوم العلاقة مع القرآن بمفاهيم ضيقة ومحدودة بمجرد الحفظ والتلاوة، وتعهد القرآن بشكل عملي ملموس على أرض الواقع.
المعايير الستة والعلاقة الكاملة مع القرآن الكريم:
أولا: التلاوة الصحيحة: "ورتل القرآن ترتيلا"
وتكون التلاوة الصحيحة بحضور القلب والتروّي، وإعطاء كل حرف وكلمة حقها ليصل المعنى للعقل والقلب، والاطمئنان في التلاوة وتجنب السرعة بهدف إنهاء الكم.
ثمار التلاوة الصحيحة:
- الشعور بمعاني الآيات وزيادة الإيمان.
- التصور الذي يزيد استحضار عظمة الله والتواصل بين القلب والروح.
مثال: لو وصلتك رسالة من أبيك ينصحك فيها بأمر وقرأتها سريعا للانتهاء منها لن تشعر بمعنى كلماته ونصيحته لك.
ثانيا: التدبر وفهم معاني الآيات: "ليدّبّروا آياته وليتذكر أولو الألباب"
والتدبر هو معرفة تفسير الآيات وتأمل معانيها بالتركيز وتشغيل العقل، باستخدام أدوات التدبر وقراءة التفاسير القديمة لإنتاج مفاهيم متجددة وإسقاطها على أرض الواقع تتماشى مع العصر الحالي.
ثمار التدبر وفهم الآيات:
- معرفة مراد الله من الآيات وذلك يدفعنا للعمل بها.
- مفاهيم ومعان جديدة تصقل المواهب وتنمي القدرات العقلية.
- فهم الحقائق وما خلف الأحداث، وزيادة الحكمة والقدرة على تدبير الأمور الحياتية من خلال تطبيقات عملية معاصرة.
مثال توضيحي: إذا قلت لأحد أصدقائي الذين لا يتكلمون اللغة العربية أحبك في الله، لن يصله مرادي وقصدي من الكلمات بسبب عدم فهمه للغة.
ثالثا: إنتاج مفاهيم معاصرة "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا"
وذلك من خلال تشغيل العقل واستخدام الأدوات العصرية لحل المشكلات، وإيجاد حلول تتناسب وتتماشى مع حركة العصر.
ثمار إنتاج مفاهيم معاصرة:
- عدم جمود حركة الحياة واختفاء ظاهرة استعباد الإنسان.
- تحضر المجتمع وتطوره ونشأة الاستقلالية الفكرية.
مثال: إنشاء مراكز تأهيل للزواج في ماليزيا للشباب والبنات لحل مشكلة الطلاق.
رابعاً: التدرب والممارسة العملية على المفاهيم القرآنية: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم"
تتعدد الوسائل التي تمكن المسلم من اكتساب خلق أو قيمة قرآنية، ومن أهم الوسائل تكرار السلوك والتدرب عليه بشكل تدريجي ومستمر ومخالطة أشخاص متحلين بتلك السمة، ومراقبة العائد النفسي الإيجابي على المدى البعيد من اكتساب تلك الخصلة أو القيمة الجديدة.
ثمار التدرب والممارسة العملية:
- اكتساب القيم يُحدث نقلة نوعية وتغييرا في نمط الحياة.
- توسع الآفاق واكتساب مهارات فكرية وحياتية مستمرة.
- الإحساس العملي بنعمة القرآن ونمو الحب والإيمان والعلاقة مع القرآن الكريم.
مثال 1: التدرب على الخشوع في الصلاة والاستعانة بالوسائل المعينة، كالبعد عن المشتتات والاستعداد للصلاة بتهيئة النفس من وقت الأذان.
مثال 2: "لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"، وذلك بتدريب النفس على الصدق بخطوات تدريجية.
خامساً: التخلق بمفاهيم وقيم القرآن:
ويعني أن يتشرب القلب والعقل هذه المعاني وتكون ظاهرة في أفعاله وأقواله.
ثمار التخلق بقيم القرآن:
- ضبط السلوك الإنساني والبعد عن الهمجية والتخلف.
- القبول والثقة اللذان يسمحان بالقدرة على التأثير على المجتمع، وبذلك يصبح الإنسان القرآني بمكانه القدوة ومصدرا لمحاكاة المجتمع له.
سادسا: حفظ الآيات والسور التي تم تعلمها: "تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها"
ثمار الحفظ:
- حضور الآيات في المشاهد والأحداث اليومية.
- مصاحبة القرآن كل ساعة ودقيقة.
- تنوع التلاوة في الصلاة للوصول للخشوع.
- القدرة على الرد والاستدلال في الحوارات والنقاشات، والرد على السائلين في موضع يتوجب فيه حضور الذهن.
آثار اختزال العلاقة مع القرآن الكريم في الحفظ والتلاوة:
- الفوضى وغياب الأخلاقيات، وإنكار الفطرة ومحاربة السنن الكونية.
- زيادة الجرائم والمشاكل البينية وانعدام الأمن، وانتشار الفتن وكثرة الشبهات.
- التبعية والتقليد الأعمى والافتتان بأي شعارات وهتافات بسبب وجود فراغ وهشاشة نفسية لغياب الهوية الإسلامية.
- تقديم العادات والتقاليد وتعظيمها على أحكام الدين، وانتشار مفاهيم بمعان مغلوطة مستمدة من الآخر.
مفاهيم وإشكاليات شائعة في فهم علاقتنا بالقرآن
اعتلال الشخصية والهوية المصرية.. والواجب فعله