ملفات وتقارير

حرب أوكرانيا.. هل تعوض الجزائر حاجيات أوروبا من الغاز؟

أكد الباحث الجزائري أن الموقف الحيادي هو أكثر المواقف أمانا بالنسبة للجزائر - الرئاسة الجزائرية عبر فيسبوك

يمثل البحث عن جهة تعوض الإمدادات الروسية من الغاز أهم الهواجس بالنسبة لدول أوروبا بمناسبة الحرب في أوكرانيا، حيث تعد الجزائر من الدول التي تعول عليها أوروبا.

ويأتي لقاء وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو مع رئيس الجزائر عبد المجيد تبون أمس الإثنين 28 شباط/ فبراير في هذا الاتجاه.

ورغم أن بيان الرئاسة الجزائرية لم يفصح عن فحوى اللقاء فإن حضور وزير الطاقة الجزائري والمدير التنفيذي لشركة سوناطراك فيه يؤكد ارتباطه بمساعي إيطاليا نحو تغطية حاجياتها الإضافية من الغاز عن طريق الجزائر.

 

 



وتوفر روسيا 40 بالمائة من الغاز الذي تحتاجه أوروبا أي ما يقارب 200 مليار متر مكعب من حجم استهلاك أوروبي يقدر بـ 550 مليار متر مكعب.

بينما تسعى الدول الأوروبية منذ اندلاع الأزمة مع روسيا إلى البحث عن أسواق جديدة توفر حاجياتها من الغاز، فهل يمكن للجزائر أن تلعب هذا الدور؟

إنتاج الغاز في الجزائر

تحتل الجزائر المركز الـ 11 عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والمقدرة بحوالي 159 تريليون قدم مكعب، كما تحتل المرتبة السابعة عالميا في تصدير الغاز الطبيعي بما قدره 43 مليار متر مكعب سنة 2021.

كما تبلغ صادرات الجزائر من الغاز نحو أوروبا في حدها الأقصى المسجل سنة 2021 ما يقارب 55 مليار متر مكعب أي ما يقارب 11 بالمائة من الحاجيات الأوروبية.


ويعتمد البلد المغاربي، على أنبوبين للتصدير بعد إيقاف التصدير عن طريق الأنبوب الذي يربط إسبانيا بالجزائر عن طريق المغرب إثر قطع العلاقات الدبلوماسية معها في شهر آب/ أغسطس 2021.


ويربط الخط الأول الجزائر بإيطاليا مرورا بتونس، فيما تبلغ طاقته السنوية 30 مليار متر مكعب.


بينما يربط الخط الثاني الذي يسمى "ميدغاز"، الجزائر بإسبانيا مرورا بالبحر المتوسط، بطاقة سنوية تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب.

حاجة الجزائر إلى تصدير الغاز

تعرف الجزائر أزمة اقتصادية في السنوات الأخيرة، هددت القدرة الشرائية للجزائريين، حيث بلغ معدل التضخم 6,6 بالمائة سنة 2021 ويتوقع أن يبلغ 7,7 بالمائة سنة 2022 وفق صندوق النقد الدولي.


فيما تقدر نسبة البطالة في البلاد بـ 11.4 بالمائة بينما تبلغ نسبة الفقر في الجزائر 38% كما يعرف الدينار الجزائري تراجعا أمام الدولار ليبلغ حدود 140.5.


وتعول الجزائر في مداخيلها المالية على المحروقات بالأساس حيث تمثل 90% من قيمة صادراتها و50 % من جملة العائدات المالية للدولة.


وقال الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، عمار سيغة إن "الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الجزائر، إضافة لارتفاع سعر الغاز ليبلغ أرقاما قياسية، بفعل الحرب وما تسببت فيه من تراجع إنتاج روسيا من هذه المادة وإيقاف إمداداتها لأوروبا، يمكن أن يجعل التفكير في انتهاز هذه الفرصة من أجل كسب مالي إضافي للدولة الجزائرية أمرا ممكنا".

 

اقرأ أيضا:  لماذا يتجنب الغرب فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؟


حاجز الإشكاليات الفنية

ويعترض التعويل على الجزائر في توفير حاجيات أوروبا إشكاليات فنية متعلقة بالقدرة الإنتاجية وكلفة النقل.


وأكد الباحث في الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، عمار سيغة لـ "عربي21" أن "الحديث على تعويض كل حاجيات أوروبا من الغاز غير موضوعي وغير ممكن.. يكفي أن نقارن حجم صادرات روسيا لأوروبا المقدر بـ 200 مليار متر مكعب وقدرات الجزائر القصوى في ذلك والمقدرة بـ 55 مليار متر مكعب للتأكد من ذلك".


وأضاف سيغة: "من الإشكاليات الأخرى الموجودة هو عدم قدرة الأنابيب التي تصل الجزائر على استيعاب الكميات المطلوبة بالإضافة إلى الكلفة المالية الضخمة لنقلها عبر السفن."


يذكر أن صحيفة ليبيرتي اللجزائرية الناطقة بالفرنسية قد نشرت مقابلة مع المدير التنفيذي لشركة سونطراك، قال فيها: "إن سوناطراك مموّن غاز موثوق بالنسبة للسوق الأوروبية، وهي مستعدة لدعم شركائها على المدى البعيد في حال تأزم الوضع.. وأن الغاز الجزائري يمكن أن يصل إلى دول ليست مرتبطة بأنبوب الغاز، من خلال الغاز المسال".

 

ونشرت شركة سونطراك توضيحا حول هذا التصريح قالت فيه إن العنوان الذي وضع هو من وحي الجريدة ولا يتناسب مع محتوى الحوار وأنها "لا تتحمل مسؤولية التأويلات التي قامت بها الجريدة".

 

 



الحرج مع روسيا مشكل آخر

تربط الجزائر علاقات تاريخية واستراتيجية كبيرة مع روسيا حيث تمثل عملية تعويض الغاز الروسي للقارة الأوروبية حرجا لها.


في هذا الصدد، قال أستاذ القانون الدولي، عمر روابحي لـ "عربي21": "تربط الجزائر بالمعسكر الشرقي علاقات تاريخية فالاتحاد السوفيتي أول الدول التي اعترفت باستقلال الجزائر".


وأضاف أن: "الدبلوماسية الجزائرية تقوم على الوفاء أكثر من البراغماتية لذلك تجد الجزائر حرجا في التعاطي مع الأزمة في أوكرانيا".

ومن المسائل الأخرى الواجب أخذها بعين الاعتبار هو العلاقات العسكرية الجزائرية الروسية.


وفي هذا السياق قال أستاذ القانون الدولي في الجامعة الجزائرية عمر الروابحي: "تعتبر الجزائر ثالث مورد للسلاح الروسي بعد ألمانيا والصين ويستحوذ السلاح المصنع في روسيا على نسبة 69% من حجم السلاح الجزائري".

وفي الصدد ذاته، قال الكاتب عمار سيغة إن "المعطى الدبلوماسي مهم جدا بالنسبة للجزائر، والموقف الحيادي تجاه الأزمة يفترض منها مراعاة شراكتها مع أوروبا وانعكاسات ذلك اقتصاديا، أيضا عليها مراعاة علاقاتها مع روسيا والانعكاسات الأمنية لكل خطوة تأخذها في هذا الاتجاه أو الآخر".

 

كما أكد الباحث الجزائري أن الموقف الحيادي هو أكثر المواقف أمانا بالنسبة للجزائر، مضيفا أن "الوضع الأمني المتوتر في المحيط الإقليمي للجزائر يجعل حفظ أمن الجزائر واستقرارها مقدما على بقية الأولويات".