ملفات وتقارير

ماذا تعني قرارات إدارة بايدن المتناقضة تجاه نظام السيسي؟

خلال 3 أيام أصدرت الإدارة الأمريكية قرارين بشأن مصر رآهما مراقبون متناقضين- جيتي

أثارت القرارات المتناقضة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه النظام المصري، تساؤلات واسعة.

وخلال 3 أيام، أصدرت الإدارة الأمريكية قرارين بشأن مصر، رآهما مراقبون متناقضين، أحدهما بالموافقة على صفقتي سلاح بنحو 2.56 مليار دولار للقاهرة، والثاني بوقف جزء من المعونة الأمريكية السنوية لمصر. 

"القرار الأول"

 

الأربعاء الماضي، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقتي أسلحة جديدة لمصر بـ2.56 مليار دولار، تشمل رادارات الدفاع الجوي وطائرات سي-130 سوبر هيركوليس وقطع غيار، وذلك على الرغم من إعلان واشنطن المستمر انتقادها ملف حقوق الإنسان بمصر.

وأكدت الخارجية الأمريكية أن البيع المقترح سيدعم السياسة الخارجية والأمن القومي لواشنطن، "بالمساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي خارج الناتو، لا يزال شريكا استراتيجيا مهما بالشرق الأوسط".

وقالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية إن الصفقة "تحسن قدرة مصر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، من خلال توفير دعم جوي لقواتها عبر نقل الإمدادات والمعدات والأفراد"، و"يمكن أن تستخدم أيضا في مهام أخرى للدوريات البحرية والإنقاذ".

 

اقرأ أيضا: واشنطن تقرر منع ملايين الدولارات عن مصر لهذا السبب

"القرار الثاني"

 

 والجمعة، كشفت مصادر أمريكية مطلعة، في تصريحات لشبكة "CNN"، أن إدارة بايدن قررت منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر؛ بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها الخارجية الأمريكية.

ووصفت الشبكة الإخبارية الأمريكية القرار الأمريكي بأنه "خطوة نادرة ضد حليف مقرب"، و"خطوة هي الأولى من نوعها لإدارة بايدن"، بعدما تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء "الشيكات المفتوحة لديكتاتور ترامب المفضل"، في إشارة إلى السيسي الذي يحكم مصر منذ 2014.

ولفتت إلى أن هذا المبلغ هو الجزء المتبقي من شريحة بقيمة 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر والمقررة منذ اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1978، حيث تم تخصيص 170 مليون دولار، وتسليمها لمصر لمكافحة الإرهاب، ومراقبة الحدود في أيلول/ سبتمبر 2021.

مراقبون أشاروا إلى أن الخطوة الأمريكية تقل قيمتها مع صفقة الأسلحة الجديدة، إذ قال المدير بمنظمة "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" سيث بيندر، لـ"CNN": "للأسف، تأثير وفاعلية القرار تضعف بالمضي قدما بصفقة بيع الأسلحة، إذ تبلغ قيمتها تقريبا أكثر من 20 ضعف المبلغ المحجوب من المعونة".

 

المثير أن الإعلان عن حجب المساعدات الأمريكي لمصر يأتي إثر تلقي وزير الخارجية المصري سامح شكري، مساء الخميس، اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، حول الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والقضايا ذات الاهتمام الإقليمي والثنائي، وملف حقوق الإنسان.

وفي أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، دعا بلينكن مصر عبر محادثات ثنائية إلى إجراء "تحسينات ملموسة" في مجال حقوق الإنسان، وسط انتقادات لاحتجاز القاهرة أكثر من 60 ألف معتقل سياسي ومعارض في ظروف غير إنسانية وفي ظل أحكام مسيسة، بجانب القمع الأمني ومصادرة للحريات.

"لا تضارب"

 
وحول مدى وجود تضارب بين القرارين الأمريكيين من إدارة بايدن، لا يعتقد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير، بهذا الأمر.

وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "القرارين يكملان بعضهما البعض؛ لأن أمريكا هي من خططت ومولت الانقلاب العسكري منتصف 2013، وخاصة الحزب الديمقراطي الحاكم الآن".

وقال إن "بيع الأسلحة بـ(الأمر المباشر) لمصر هو لصالح أمريكا، أما حجب مبلغ 130 مليون دولار من المعونة، فهو رسالة سياسية أكثر منها واقعية"، مؤكدا أن "حقوق الإنسان عند الأمريكيين وسيلة للتجارة".

ويرى الخبير المصري، أن "عمولة مبلغ صفقة الأسلحة الأخيرة من مبلغ 2.5 مليار دولار كبيرة، وقد لا تسلم، أو تسلم دون فاعلية، وهي كذلك أكثر من 130 مليون دولار، مبلغ المعونة المحتجز لدى واشنطن".


وعن سر قبول واشنطن صفقة عسكرية لمصر في الوقت الذي تمنع عنها جزء من المعونة، يعتقد أبو الخير، أنه "حتى لا تُتهم واشنطن بمساندة انتهاكات حقوق الإنسان"، فيما يرى أن "إعلان حجب جزء من المعونة أيا كان هو كلام نظري فقط".


ولفت إلى أنه "في كل الأحوال الأموال توضع بالبنوك الأمريكية، وما الإعلان عن ذلك إلا ذرّ للتراب في العيون؛ حتى تغتسل أمريكا من الانتهاكات الحقوقية في مصر أمام العالم".

وبشأن تأثير قرار واشنطن بحجب 130 مليون دولار من المعونة على العلاقة بين أمريكا والمؤسسة العسكرية المصرية التي يصفها الخبراء بأنها استراتيجية، لا يعتقد أبو الخير "بحدوث المنع أصلا حتى تتأثر العلاقة التي هي علاقة تابع بمتبوع".

وختم بالقول إنها "أشبه بعلاقة وزير الدفاع مع أحد الجنود، تقوم على الأمر والتنفيذ والطاعة".

"علاقة استراتيجية"

 

في رؤيته، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل: "بالتأكيد العلاقة مع النظام المصري استراتيجية، وبالتأكيد 2.5 مليار دولار صفقة كبيرة تنعش بدرجة ما شركات السلاح الأمريكية، وتقلل بنسبة ما البطالة هناك".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وبالتأكيد، أيضا، الشعب المصري ليس له قيمة عند المجتمع الدولي عندما ينكل به"، متوقعا أن يكون مبلغ "130 مليون دولار كسابقته يُمنع قليلا، ثم يُمنح بعد قيام النظام المصري بشيء معين ربما لا نعرفه إلى الآن".

وأكد عادل، أن "العلاقات المبنية على التعاون الاستراتيجي مثل علاقة الجيش المصري بأمريكا لا تتأثر بالنزاعات أو الاختلافات على المستوى التكتيكي؛ وهذه الخلافات ممكنة، ولكنها تحل مع الوقت، ورأينا ذلك سابقا، ولكن تبقى العلاقة الاستراتيجية قوية".

 

"الصورة الأمريكية"

 

قال مدير "‏المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية"‏ الدكتور ممدوح المنير، إن "إدارة بايدن لا تختلف عن الإدارات السابقة؛ فالسياسة الأمريكية تديرها مؤسسات الدولة العميقة لديهم، فضلا عن اللوبيات ذات النفوذ الكبير كاللوبي الصهيوني".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لذلك فالطبيعي أن توافق على صفقات الأسلحة، لكنها تدرك أن ذلك سيضر بصورتها التي تريد الحفاظ عليها كراعية لحقوق الإنسان، فحجبت جزءا بشكل مؤقت؛ حتى تضمن تمرير الصفقة الكبيرة بأقل معارضة ممكنة".


وتوقع المنير أنه "ثم بعد فترة ستفرج واشنطن عن الجزء الذي حجبته مقابل استجابة بسيطة وهامشية في ملف حقوق الإنسان".

ويعتقد أن "النظام المصري حريص على ابتزاز واشنطن بعلاقته ببكين وموسكو، وأنه كلما ابتعدت عنه واشنطن اقترب من الصين وروسيا. ولا يمكن للإدارة الأمريكية خسارة حليف مهم يرعى مصالحها أكثر مما يرعى مصالح شعبه من أجل ملف حقوق الإنسان".

"أفلام مكررة"

 

وفي تغريدة له عبر موقع "تويتر"، قال الخبير والباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، إن "العلاقة بين أمريكا والمؤسسة العسكرية المصرية علاقة استراتيجية، وهي علاقة مؤسسات، وليست علاقة أشخاص، تظل العلاقات بين الطرفين بذلك الشكل أياً كان من هو على رأس الإدارة الأمريكية".

وأضاف مقللا من تأثير القرار الأمريكي بقوله: "ولا تنشغلوا بحجب إدارة بايدن المساعدات، والتي ستستأنف كالعادة، كما تم في عهد أوباما وترامب"، معتبرا أنها "أفلام مكررة".

 
في تعليق له بـ"فيسبوك"، قال الناشط والخبير الاقتصادي المصري عبدالنبي عبدالمطلب، إن "أمريكا تحاول ابتزاز مصر، ليس بهدف حثها على انتهاج سياسات أكثر تقدما في مجال حقوق الإنسان كما تدعي، ولكن بهدف دعم التطبيع العربي الإسرائيلي".

وأعرب عن تعجبه من أن "واشنطن تحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، وفي نفس الوقت توافق على صفقتي أسلحة بقيمة 2.56 مليار دولار".