قضايا وآراء

بالذكرى 69 لاغتيال فرحات حشاد: أمين عام اتحاد الشغل يحذر قيس سعيد

1300x600
احتفل النقابيون يوم الجمعة (4 كانون الأول/ ديسمبر الجاري) - وككل سنة - بذكرى استشهاد الزعيم النقابي فرحات حشاد الذي اغتالته عصابات الاستعمار الفرنسي في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر من عام 1952، وكانت للأمين العام الحالي لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي كلمة مطولة موجهة للنقابيين وللرأي العام الداخلي والخارجي.

الخطاب لم يكن مرتجلا وإنما كان مكتوبا، بما يفيد أنه ليس موقفا شخصيا للطبوبي، بل هو موقف رسمي من صياغة المكتب التنفيذي للمنظمة وهي كبرى المنظمات الوطنية.

الطبوبي ذكّر بالدور الوطني لمنظمة فرحات حشاد أيام المعركة الوطنية ضد الاستعمار، وذكر أيضا بأن اتحاد الشغل ليس فقط منظمة نقابية تهتم بتحسين أجور العمال، وإنما هو قوة نضالية ضد الاستعمار كما ضد الفساد والاستبداد، وذكر أيضا بدوره في إنقاذ البلاد من الفوضى في سنة 2013 حين قاد مع منظمات أخرى حوارا وطنيا نال بعد ذلك جائزة نوبل للسلام.
اتحاد الشغل ليس فقط منظمة نقابية تهتم بتحسين أجور العمال، وإنما هو قوة نضالية ضد الاستعمار كما ضد الفساد والاستبداد

اتحاد الشغل الذي عرض أكثر من مرة على رئيس الجمهورية قيس سعيد مبادرة للحوار الوطني؛ لم يجد استجابة من الرئيس، بل قُوبلت مبادرته بالسخرية حين وصف قيس سعيد الحوار السابق بأنه "لم يكن حوارا ولا كان وطنيا"، وهو ما أغضب الأمين العام السابق للاتحاد حسين العباسي، فرد عليه بقوة مما اضطر الرئيس إلى تقديم توضيح شبيه بالاعتذار، ولكن دون تراجع عن رفض الحوار مع الجميع، بل وحتى مع الذين ساندوه وأشاروا عليه بتفعيل الفصل 80 من الدستور.

أمين عام اتحاد الشغل وجه في كلمته نقدا لأداء الرئيس وحكومته وتعييناته الأخيرة للولاة، متهما إياه باعتماد الولاءات بدل الكفاءات، ومما جاء في كلمته:

"حكومة تحتاج إلى رؤية معلَنَةً تَقودها، وإلى برنامج يُوَجِّه خُطاها، حتّى لا تقع كسابقاتها في الارتجال والتذبذب وحتّى لا يكون بين أعضائها التضارب والتناقض كما كان بين وزراء حكومات سابقة".

- "تعيينات تحتاج إلى التروّي لتغليب الكفاءة والخبرة والوطنية على الولاء".

"إصرار على تأبيد المنوال التنموي الحالي رغم الإقرار بفشله وتسبّبه في تفكيك نسيجنا الصناعي واختلال موازناتنا المالية وارتهانه للنموّ الاقتصادي وللاستحقاقات الاجتماعية والبيئية".

أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل لا يخفي مساندته النقدية لإجراءات 25  يوليو الاستثنائية، لقد ذكر مرات أن الاتحاد لا يقدم صكا على بياض لقيس سعيد، وهو إذ يدعمه في وضع حد لفوضى البرلمان وتعثر حكومات متعاقبة، فإنه أيضا يرفض غموض الرئيس وعدم إعلانه عن موعد واضح للعودة بالحياة السياسية إلى مسارها الطبيعي وسياقها الديمقراطي. بل إن نور الدين الطبوبي قد تكلم مرة بسخرية عن "البناء القاعدي" وديمقراطية "اللجان الشعبية" التي يبشر بها قيس سعيد في تصوره للنظام السياسي الجديد.

وقد جاء في كلمة الطبوبي في ذكرى استشهاد حشاد:

- "لقد كنّا على يقين من أنّ تدابير 25 جويلية (تموز) كان يمكن، ولا يزال بإمكانها، أن تكون خطوة حاسمة على درب تصحيح المسار الديمقراطي وإعادة الاعتبار لأهداف ثورة 17 ديسمبر (كانون الأول)- 14 جانفي (كانون الثاني)، وما زلنا نعتقد فيها مسلكا يُخرج البلاد من النفق، ولكنّنا مصرّون على أن تُرفق بخارطة طريق تضبط المهام والأولويّات وبإجراءات عملية تنهي حالة التردّد والغموض، وتفتح الآفاق لرسم ملامح تونس الجديدة على أساس ثوابت الجمهورية المدنية الديمقراطية والاجتماعية".

لقد أدرك قادة اتحاد الشغل أن "الخناق" يضيق حول قيس سعيد، وأن دائرة الرفض للانقلاب تتسع داخليا وخارجيا في ظل أزمة اجتماعية ومالية منذرة بتفجر اجتماعي، خاصة وقد أمسكت الدوائر المقرضة والمانحة عن تقديم أي دعم مالي لسلطة الانقلاب ما لم تُعجل بالعودة إلى المسار الديمقراطي، والكف عن ملاحقة المعارضين وحبس الإعلاميين والمدونين. وفي خطاب الطبوبي المكتوب خمس فقرات يستهلها بمفردة "حذار"، في إشارة واضحة إلى كون الأزمة لم يعد ممكنا استمرارها، وإلى كون الاتحاد مسؤولا أمام أعضائه، يدافع عن مصالحهم وعن حقهم في مستوى من العيش يحقق كرامتهم ومواطنيتهم.

ولعل أهم تحذير مباشر موجه لقيس سعيد هو ما ورد في الفقرة التالية:
يشترك اتحاد الشغل مع أغلب الأحزاب السياسية في الشعور بالقلق من غموض قيس سعيد ومن عنف مفردات خطابه وما يشيعه من تخوين وتحريض

"حذار من التنكّر للاتفاقيات المبرمة ومن التذرّع بجائحة كورونا للالتفاف على حقوق العمّال. حذار من غضب الشارع وخطر توظيفه لإحلال الفوضى لتحقيق مآرب حزبية أو فئوية أو شخصية غير معلومة، أو لتغذية النعرات البدائية كالجهوية والعشائرية لبث الفتنة والتفرقة. حذار من خطاب الكراهية ومن الشحن والتجييش وبثّ الإشاعات وزرع بذور الفتنة ونشر ثقافة العنف والتخوين".

يشترك اتحاد الشغل مع أغلب الأحزاب السياسية في الشعور بالقلق من غموض قيس سعيد ومن عنف مفردات خطابه وما يشيعه من تخوين وتحريض. لقد عبر الاتحاد بوضوح عن كون الرئيس بخطابه ذاك يبث الكراهية ويزرع بذور الفتنة، وينشر ثقافة العنف والتخوين.

هل استشعر اتحاد الشغل - أخيرا - خطر خطاب قيس سعيد، أم إنه استشعر كما آخرين قرب مرحلة ما بعد قيس سعيد؟

twitter.com/bahriarfaoui1