ملفات وتقارير

هل دخل الأردن والاحتلال الإسرائيلي مرحلة "السلام الدافئ"؟

كان الأردن قد وقع "اتفاقية سلام" مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1994 في ما عرف باتفاقية "وادي عربة"

توالى توقيع الاتفاقات الاقتصادية بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي رغم الانتهاكات التي ترتكبها الأخيرة في المقدسات التي تخضع لوصاية أردنية هاشمية، ومواصلة الزحف الاستيطاني في الضفة الغربية، وتصريحات قادة الاحتلال الرافضة لإقامة دولة فلسطينية، والتي تنقض فكرة "حل الدولتين" التي تروّج لها عمّان على الصعيد العالمي.

فخلال الأشهر الأربعة الأخيرة؛ وقع الأردن اتفاق تطبيع زراعي مع الاحتلال، يقضي بتوريد منتجات زراعية أردنية إلى الكيان الإسرائيلي، تبعه اتفاق مائي بشراء عمّان 50 مليون متر مكعب من "تل أبيب"، ثم اتفاق من شأنه زيادة حصة الصادرات الأردنية إلى السلطة الفلسطينية، وسبق ذلك حديث عن مشاركة أردنية بمناورات عسكرية في "إسرائيل" نهاية تشرين الأول/ أكتوبر.

وبينما يرى مراقبون أن الأردن يتعرض لضغوط أمريكية تطلب مزيداً من الانفتاح على حكومة بينيت الإسرائيلية، لقطع الطريق أمام أي عودة لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى المشهد السياسي؛ يؤكد آخرون أن ما يجري مجرد تقاطع مصالح بين عمّان وواشنطن، ناهيك عن سعي الأردن للتخفيف من أزماته الاقتصادية ونقص المياه والغاز من خلال الذهاب إلى حالة من "السلام الدافئ" مع الكيان الإسرائيلي.

وكانت العلاقات بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي قد شهدت جفاء واضحا في عهد نتنياهو (2009-2021) لدرجة دفعت الملك الأردني عبدالله الثاني، إلى وصفها خلال جلسة حوارية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها "في أسوأ حالاتها".

ليست "دافئة" ولكنها "أفضل"

ورأى زير الإعلام الأسبق، المحلل السياسي سميح المعايطة، أنه "لا يمكن وصف العلاقة الأردنية الإسرائيلية الحالية بالدافئة".

واستدرك بالقول لـ"عربي21": "لكن هذه العلاقة أفضل مما كانت عليه في مرحلة رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو؛ الذي كان يحرص على استفزاز الأردن بشكل متعمد في مساري العلاقات الثنائية والمفاوضات مع الفلسطينيين، وملف القدس والمقدسات".

ولفت المعايطة إلى أن "حكومة الاحتلال اليوم تريد علاقة ليست متوترة مع الأردن ثنائياً، وتحاول أن تعبّر عن ذلك بإجراءات، مثل ملف المياه وقضايا اقتصادية أخرى".

وحول الحديث عن عدم ارتقاء الموقف الأردني إلى المأمول إزاء ممارسات الاحتلال وتصريحاته حول المقدسات والزحف الاستيطاني؛ قال الوزير الأسبق إن "التعامل السياسي الأردني مع السياسات الإسرائيلية ما زال موجودا، لكننا في مرحلة لم تعد فيها صفقة القرن، ولا مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس".

وأضاف: "دائما هناك موقف سياسي رافض لما تفعله إسرائيل، وهناك سعي أردني لإعادة عملية التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية، ورغم المواقف السلبية من الطرف الإسرائيلي؛ إلا أن الأردن يحاول استثمار غياب إدارتي ترامب ونتنياهو، لعل عملية التفاوض تعود من جديد".

وتعقيبا على القول بأن ثمة أسباباً اقتصادية تدعو الأردن للتهدئة مع الاحتلال؛ أوضح المعايطة أنه "ليس هناك علاقات اقتصادية مهمة مع إسرائيل، وموضوع زيادة الصادرات الأردنية إلى مناطق السلطة مهم للطرفين الفلسطيني والأردني، وحتى شراء المياه فقد كانت بدايته في عهد نتنياهو".

وتابع: "كل ما في الأمر أن المرحلة السياسية اختلفت، والتعامل معها يتم بشكل مختلف، مع المحافظة على جوهر الموقف الأردني، إضافة إلى سعي حكومة الاحتلال للمحافظة على علاقات جيدة مع الأردن، وهي توصية جهات مهمة في كيان الاحتلال".

وأكد أن "الحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات يتم أساسا بشكل سياسي من خلال تنفيذ إسرائيل لمعاهدة السلام؛ لأن الوصاية جزء من المعاهدة، وبالتالي فإن الأردن حريص على وجود حكومة إسرائيلية ملتزمة بها".

واستدرك: "لكن في حال عدم التزام أي حكومة إسرائيلية بما تقرره هذه المعاهدة؛ فإن الأردن يلجأ إلى كل الوسائل السياسية للضغط على الاحتلال".

ونفى المعايطة أن تكون هناك ضغوط أمريكية على الأردن باتجاه مزيد من الانفتاح على الاحتلال، قائلا إن "الأمر ليس ضغوطاً، لكنها قناعات وظروف، والأردن معني بعدم عودة نتنياهو الذي يتعامل بعداء مع الأردن، إضافة لمواقفه من القضية الفلسطينية".

 

اقرأ أيضا: ملك الأردن: لا نسمح لأحد بالتدخل في الوصاية على المقدسات

ضغوط أمريكية

وفي المقابل؛ يرى المحلل السياسي الفلسطيني، سليمان بشارات، أن الإدارة الأمريكية تمارس دوما ضغوطا على الأردن بشكل مباشر أو غير مباشر، باتجاه تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، لافتا إلى أن "الأردن من الدول التي تسير ضمن السياق الأمريكي في المنطقة، ولا تخرج عنه" وفق تعبيره.

وقال إن "عدم اعتراض الأردن على كثير من الخطوات الإسرائيلية المستفزة؛ يشير إلى أن عمّان معنية باستمرار حكومة بينيت، تماما كما تريد واشنطن التي تتناغم مواقفها مع سياسات إسرائيل، وتريد منح حكومتها الأريحية التامة لاستمرار عملها وفق الترتيبات الحالية".

وأضاف بشارات في حديثه لـ"عربي21" أن الأردن يخشى في حال ذهب إلى حالة من التصعيد مع الاحتلال "أن يخسر المساعدات الأمريكية التي تقدم له".

وأشار إلى أن العلاقة الأردنية الإسرائيلية "منذ توقيع اتفاقية وادي عربة وحتى الآن؛ هي علاقة قوية ومتينة، بغض النظر عن حصول بعض الفتور في لحظات معينة".

وأوضح أن بقاء هذه العلاقة قوية يشكل مصلحة للأردن؛ الذي يرى أنها تعزز دوره الإقليمي وحضوره السياسي في منطقة الشرق الأوسط، لافتا إلى أن الدور الأردني في القضية الفلسطينية "محوري، كونه يمثل البوابة للقضية الفلسطينية، كما هو الحال بالنسبة لمصر".

ومن العوامل التي تدفع الأردن إلى عدم التصعيد من الاحتلال تردي حالته الاقتصادية، خصوصا في ظل جائحة كورونا وتبعاتها، وحاجة الأردن إلى المياه والغاز من الاحتلال، وفق بشارات الذي أكد أن حرص عمّان على توفير هذه الموارد الهامة والرئيسية يبقي نوعاً من "التعامل الدافئ" بينها وبين "تل أبيب".

وقال المحلل السياسي إن "الأردن يريد أن يحافظ على حالة من الاتزان لنفسه في ظل شرق أوسط متحرك وسريع الحركة، ولا يريد أن يفقد الأصدقاء ولا الحلفاء، ولا أن يدخل ضمن صراعات إقليمية هنا أو هناك، فالواقع الأردني لا يحتمل الدخول بمثل هذه الصراعات".

وتابع بشارات: "لهذا السبب؛ لم يتخذ الأردن مواقف حاسمة تجاه كثير من القضايا، فهو مثلاً لا يصعد إعلامياً على الأقل؛ في ما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرض لها المقدسيون، وتكتفي بالتأكيد على الحق الفلسطيني، وتسلم وثائق ملكية حي الشيخ جراح للسلطة الفلسطينية لتنأى بنفسها عن أي احتكاك مع الاحتلال".

وكان الأردن قد وقع "اتفاقية سلام" مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1994، فيما عرف باتفاقية "وادي عربة" (صحراء أردنية محاذية لفلسطين)، نصت على إنهاء حالة العداء بين البلدين، وتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات بين الدول.

وتشرف الأردن على المسجد الأقصى حاليا من خلال دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، وذلك بموجب القانون الدولي، حيث يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على مقدسات المدينة قبل الاحتلال الإسرائيلي.