شكلت الأحداث الأخيرة في القدس المحتلة، وما رافقها من انتهاكات متواصلة لحرمة المسجد الأقصى من جهة، والاعتداءات المتواصلة على الأحياء الفلسطينية في شرقي القدس، لاسيما الشيخ جراح من جهة أخرى، مناسبة مهمة لاستعراض أبرز المخططات الإسرائيلية باتجاه المدينة المقدسة.
مع العلم أن هذه الاعتداءات
الإسرائيلية تعود في أساسها إلى مخططات تتعلق بإجراء تغيرات طالبت جهات استيطانية نافذة
بإجرائها على القدس، وتستند على التغير الديموغرافي، والواقع الجيو-سياسي للمدينة،
على اعتبار أن هذين المجالين لهما كل التأثير على واقع القدس الحالي، ومستقبلها السياسي،
وطبيعة الترتيبات السياسية التي ستطرأ عليها في إطار المفاوضات النهائية مع الفلسطينيين.
يتزامن ذلك مع الصعوبات التي
تواجهها إسرائيل في منع الهجرة الفلسطينية إلى داخل حدود المدينة المقدسة، لاسيما مع
حرف مسار الجدار الفاصل باتجاه الغرب والجنوب والشمال، باتجاه الأحياء السكنية اليهودية،
ومن ثم فإن إمكانية معاودة هذه الهجرات من جديد أمر قابل للحدوث؛ لذات الأسباب التي
حدت بحدوث الهجرات السابقة، على الأقل وفق التقدير الإسرائيلي.
في هذه الحالة، يستحضر الإسرائيليون
تصريحات "دافيد بن غوريون" أول رئيس حكومة إسرائيلية حين قال: "يجب
جلب اليهود للإقامة في مدينة القدس بأي ثمن، ويجب توفير أغلبية يهودية عددية في المدينة
خلال زمن قصير، على اليهود الموافقة على السكن في القدس في أي منازل مؤقتة، وعدم انتظار
الشقق الجاهزة".
ووفقا للإحصائيات المنشورة، فإنه حتى عام 1967، وقفت النسبة بين اليهود عند 74% مقابل 26% للفلسطينيين، حيث رفعت
توصيات عديدة لصناع القرار برفع نسبة السكان اليهود منذ 1968، وأوصت رئيسة الحكومة
في حينه "غولدا مائير" برفع نسبتهم 3% حتى 1982، وعند 1973 وصلت نسبة اليهود
73.5% مقابل 25.5% للفلسطينيين، وهكذا تركزت جهود الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،
واللجان الحكومية المشكلة لمعالجة أوضاع القدس لهذا الغرض بالتحديد.
اقرأ أيضا: كاتب إسرائيلي: الجيش يمنح غطاء للمستوطنين لمهاجمة الفلسطينيين
ويمكن الحديث أن معدلات الهجرة
اليهودية من مدينة القدس إلى داخل فلسطين المحتلة ووسطها، آخذة في التزايد والارتفاع
منذ العقود الثلاثة الأخيرة، مقابل تزايد معدلات الهجرة الفلسطينية والسكن في قلب المدينة
المقدسة.
دفعت هذه الحقيقة بالمؤسسات
الإسرائيلية العاملة في المجال الديموغرافي، للتحذير مما تعتبره وضعا خطيرا ستصل إليه
المدينة المقدسة، ممثلا بأنه لن تكون نسبة اليهود فيها بعد 2020 كما أقرت الحكومات الإسرائيلية
في سنوات السبعينيات والثمانينيات 70%، مقابل 30% من الفلسطينيين، وإنما ستصل نسبة اليهود
60% فقط، مقابل 40% من الفلسطينيين.
اليوم مثلا، تقف النسبة الديموغرافية
بين الجانبين عند 65% لليهود، مقابل 35% للفلسطينيين في المدينة المقدسة، والتوقع أن
يصل عام 2020 واليهود يمثلون 60% فقط من سكان القدس، ومع حلول عام 2030 قد تقترب النسبة
السكانية من المساواة بين الجانبين في المدينة.
يستحضر الإسرائيليون أسبابا عدة تقف وراء التراجع اليهودي في النسبة السكانية للمدينة المقدسة، ومنها معدلات الولادة
عند الفلسطينيين أكبر من نظيرتها عند اليهود، حيث تشير الإحصائيات الرسمية لوجود
30 حالة ولادة عند كل ألف فلسطيني، مقابل 25 ولادة عند اليهود، بجانب التزايد الطبيعي
لدى الفلسطيني أكثر من سواه عند اليهود، والأعمار العادية للسكان، حيث يبدأ الشاب اليهودي
بالزواج والإنجاب مع سن الـ25، فيما يبدأ الفلسطيني عند سن الـ19، وتبلغ نسبة الأزواج
الراغبة بالإنجاب على الفور عند اليهود 31%، فيما ترتفع النسبة عند الفلسطينيين بـ42%.
بنتيجة إجمالية، يبدو أن معدل
التزايد السكاني في القدس عند الفلسطينيين يفوق بثلاثة أضعاف ما لدى اليهود، حيث تشير
الأرقام أن العقود الأربعة الأخيرة شهدت ارتفاعا بنسبة 146% في عدد اليهود، فيما جاءت
النسبة عند الفلسطينيين في ذات الفترة الزمنية 280%، وفي أواخر 2008 وصل عدد سكان القدس
764 ألف نسمة، 495 ألف يهودي، و270 ألف فلسطيني.
في المقابل، يمكن الإشارة إلى
عمل الجهات الاستيطانية اليهودية على قدم وساق لمحاولة الحصول على أكبر مساحة ممكنة
من الأراضي لبسط سيطرتها عليها، ومنحها لليهود في وقت لاحق، رغم وجود جملة عقبات تقف
أمامها للحيلولة دون تنفيذ هدفها، وتتمثل في أسباب سياسية، وخشية إسرائيل من ردة الفعل
الدولية على خطوات، قد تعتبر سياسية على أراض تعتبر "محتلة" خلف الخط الأخضر،
لاسيما الخلاف الذي قد ينشب مع الكنائس المسيحية التي تسيطر على تلك الأراضي.
الأرقام الواردة في المقال مقتبسة من كتاب:
التخطيط والأوضاع الديموغرافية والجيو-سياسية في القدس
لمؤلفه الكاتب الإسرائيلي نداف
شرغاي، الصادر عن معهد القدس للشؤون العامة والدولة
سدود الأردن تجف تحت وطأة شح الأمطار.. ناقوس خطر يدق
بعد 104 أعوام.. كيف استغل الاحتلال وعد بلفور لتنفيذ جرائمه؟
مخاطر تجريف الاحتلال "اليوسفية".. ما قصة القبور الوهمية؟