تحدث كاتب إسرائيلي عن فشل استراتيجية التطبيع مع السودان، بعد مرور عام على توقيعها.
وفي مقال له بصحيفة "هآرتس"، قال الكاتب يوناتان نوفال، إن نجاح اتفاقية التطبيع مع الإمارات، لا يمكن استنساخه في التجربة مع دول أخرى، مثل السعودية أو جيبوتي والعراق.
وحول تدخل الاحتلال في انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في السودان، قال نوفال إن "عجرفة إسرائيل وتواطئها مع الانقلاب قد تعود لتنفجر في وجهها".
وتاليا ترجمة المقال:
بعد عام ويومين اثنين من الاحتفال بالإعلان عن أن السودان وإسرائيل وافقتا على تطبيع العلاقات، تجد تل أبيب نفسها في مواجهة معضلة استراتيجية بعد استيلاء الجيش السوداني على السلطة في الخرطوم.
طفت على السطح شكوك بأن المسؤولين الإسرائيليين كانوا على علم بالخطة، ناهيك عن أن يكونوا متواطئين فيها، مباشرة بعد نشر تقرير يفيد بأن وفداً أمنياً سودانياً قام بزيارة سرية إلى إسرائيل قبل ذلك بأسابيع. ثم ما لبثت هذه الشكوك أن تأكدت تقريباً في ضوء الكشف عن أن وفداً إسرائيلياً، يشمل مندوبين عن وزارة الدفاع وعن الموساد، سافر إلى الخرطوم بعد الانقلاب لإجراء محادثات حول مواضيع لم تحدد عناوينها.
بينما لا يعلم يقيناً من هو الذي ترأس الجانب الإسرائيلي في تلكما المناسبتين، يبدو أن الجانب السوداني كان برئاسة محمد حمدان دقلو، سيء الصيت قائد قوات الدعم السريع والحليف الأساسي للجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس القوات المسلحة السودانية والرجل الذي قاد الانقلاب.
من المؤسف أن إسرائيل أبعد ما تكون عن المتفرج البريء حتى ولو لم يوجد أساس للاعتقاد بأن المسؤولين في الجيش والمخابرات الإسرائيلية كانوا متواطئين في استيلاء العسكر على السلطة في السودان (وهو احتمال تداوله بالتخمين علانية حتى بعض الصحفيين الإسرائيليين).
إسرائيل معنية ولديها مصالح مكتسبة باتت مرتبطة رسمياً بالتحول السياسي في السودان في ضوء القرار الأبله لإدارة ترامب في العام الماضي إجبار الخرطوم على الموافقة على تطبيع العلاقات مع القدس مقابل حزمة من المحفزات المالية الحيوية، بما في ذلك تحقيق رغبة السودان القديمة في أن يرفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
كان ذلك دوراً على سبيل المقايضة توجب على إسرائيل رفض القيام به، وبالضبط بسبب مصالحها الاستراتيجية الحقيقية في إبرام علاقة طويلة المدى مع دولة مستقرة وتعمل بشكل جيد في السودان. وبالفعل، وكما حذر بعض المحللين قبيل الإعلان عن الصفقة، وكنت واحداً منهم، فإن الأسلوب الخشن الذي استعملته واشنطن للضغط على الخرطوم حتى تطبع العلاقات مع القدس كان من المحتم أن يأتي بنتائج عكسية.
في الوقت الذي كان السودان يُحكم فيه من خلال اتفاق معايشة هش بين العسكر وفئات معنية من المدنيين ويمضي في إنجاز عملية تحول ديمقراطية هشة، قلنا إن قراراً مثيراً للخلاف على المستوى الشعبي مثل قرار الاعتراف بإسرائيل يحمل في طياته مجازفة خطيرة بتعزيز نفس العناصر التي شكلت أكبر عقبة في طريق التحول السلس نحو الحكم المدني – بشكل أساسي الجيش، الذي تصدر لإقامة الصلات مع إسرائيل، والإسلاميون، الذين يعارضون مثل هذه الصلات.
في هذه الأثناء، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك، بنيامين نتنياهو، بتنحية مصالح إسرائيل بعيدة المدى ووضعها جانباً لصالح انتصار قصير المدى في العلاقات العامة تمثل في اتفاق تطبيع آخر يتم إبرامه مع بلد مسلم. ومن خلال ذلك فقد انضم إلى رغبة الرئيس ترامب في تحقيق نصر سريع من خلال مكاسب سياسية مواتية – قبل أسبوعين فقط من إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
لقد حذرنا من خطورة أن تضيف مثل تلك الخطوة توتراً آخر للعملية السياسية الداخلية في السودان – تلك العملية التي يمكن أن يؤدي إفشالها ليس فقط إلى تقويض فرص البلد في الانتقال إلى ديمقراطية على النمط الغربي ولكن أيضاً يلقي به في خضم فوضى سياسية طويلة المدى وربما أيضاً في آتون حرب أهلية، إلا أن هذا التحذير تم تجاهله بابتهاج، باعتبار أن السودان غنيمة، وليس شريكاً.
من المؤكد أن الفوضى في السودان ستكون في المقام الأول بمثابة مأساة للشعب في السودان. ولكن، وكما ينبغي أن يكون قد استوعب نتنياهو، من شأن ذلك أن ينال من الأهداف الاستراتيجية الأوسع لإسرائيل.
في غياب حكومة تعمل بشكل جيد لن يكون السودان في وضع يؤهله لأن يكون شريكاً لإسرائيل ولا أن يتعاون معها في أي من القضايا، بما في ذلك المصالح المرتبطة بالقضايا الاستراتيجية ذات العلاقة، في المرتبة الأولى، بالأنشطة الإيرانية الإقليمية سواء تلك التي تصدر عنها بشكل مباشر أو عبر وكلاء – داخل السودان وفي منطقة البحر الأحمر على حد سواء. هذه المصالح نفسها هي التي وجهت، كما يبدو، تحركات إسرائيل الأخيرة رداً على استيلاء الجيش على السلطة في السودان.
من وجهة نظر أمنية ضيقة، ما من شك بتاتاً في أن إسرائيل محقة في طلب ضمانات من القيادة العسكرية في السودان بأن أي تفاهمات مسبقة حول التعاون الأمني والاستخباراتي تم التوصل إليها قبل الانقلاب سوف يتم الالتزام بها.
اقرأ أيضا: ما دور الاحتلال الإسرائيلي بتطورات أزمة السودان إثر الانقلاب؟
ومما يعتبر بالغ الأهمية لإسرائيل، على سبيل المثال، ألا يلحق أي ضرر بمشروع إنشاء قاعدة استخباراتية على ساحل البحر الأحمر، من المفترض أن تكون بالقرب من المدينة الساحلية الرئيسية في السودان، بور سودان، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار القلاقل الأخيرة التي شهدتها المنطقة والتي تخللها قيام المحتجين القبليين بحصار وإغلاق الميناء لعدة أسابيع.
حتى وإن كان من المبكر معرفة ما الذي سيؤول إليه أمر الانقلاب العسكري في السودان، تشير تصرفات القدس الأخيرة إلى أن إسرائيل لا تتوفر لديها سياسة مدروسة بعناية تجاه الخرطوم. تحتاج العلاقات الإسرائيلية السودانية إلى نظرة أوسع وأكثر تفصيلاً، وخاصة أن القيادة العسكرية الجديدة فشلت في كسب الشرعية من واشنطن وغيرها من القوى الغربية الأساسية.
وبالفعل، ينبغي أن ينجم عن التنديد الشديد الصادر عن إدارة بايدن، والتي جمدت 700 مليون دولار من المساعدات المالية للسودان، حالة من الفتور في مقاربة إسرائيل مع القيادة السودانية بدلاً من السعي إلى تنشيطها كما تبدو القدس عازمة على فعله.
يمكن أن يستنتج من تأكيد مسؤولين إسرائيليين لخبر قيام وفد إسرائيلي بزيارة إلى الخرطوم في الأسبوع الماضي – وهو الخبر الذي نشر أصلاً في إحدى الصحف السودانية وكان بإمكان المسؤولين الإسرائيليين بسهولة نفيه، ورفض التعليق عليه، وحتى حظر نشره في إسرائيل – أنه يوجد في القدس من يرى فائدة ترتجى من إظهار تحدي إسرائيل لما تحقق من إجماع بين حلفائها حول كيف ينبغي أن يكون الرد على انقلاب السودان، ربما كوسيلة لمكافأة قادة الجيش السوداني على استعدادهم للاستمرار في التعاون مع إسرائيل حول احتياجاتها الأمنية الحيوية.
إمكانية أن تكون الأفعال الإسرائيلية، في أقل تقدير، منسقة مع واشنطن، تؤكد على ما في هذا التحدي من نفعية ظاهرة – تتمثل في أن إسرائيل عاقدة العزم على انتهاج سبيل خاص بها وأنها على استعداد لإثبات أنها مفيدة لحلفائها فيما لو رغبوا هم في ذلك.
أياً كان الأمر، يكشف سلوك إسرائيل عن تفكير دبلوماسي واستراتيجي خاطئ.
إنه خاطئ من حيث أنه يغذي الأوهام السودانية حول تأثير القدس على واشنطن (وهي أوهام كثيراً ما تكون مصبوغة بمعاداة السامية، المتفشية ليس فقط في العالمين العربي والإسلامي بل وأيضاً في العديد من العواصم الأوروبية). وهو خاطئ أيضاً من حيث أنه يخفق في قراءة الخريطة الإقليمية والدولية.
بالمقارنة مع الإذعان العالمي لانقلاب مصر المناهض للثورة، والذي أطاح بحكومة محمد مرسي، من غير المحتمل أن تقبل القوى الغربية بالانقلاب ضد الثورة في الخرطوم. فإسقاط قيادة إسلامية شيء، حتى لو كانت منتخبة ديمقراطياً، وشيء آخر تماماً تقويض عملية سياسية تعد بديمقراطية ذات توجه غربي.
ولهذا، وبدلاً من السماح لمصالح أمنية ضيقة ممزوجة بشيء من العجرفة الدبلوماسية بتوجيه السياسة نحو الخرطوم، يوجد لدى إسرائيل وحكومتها الجديدة نسبياً فرصة لإعادة التفكير في المقاربة تجاه السودان. مثل هذه المقاربة، والتي يمكن أن تسمى التطبيع التفاضلي، قد تساعد في توعية وتجديد نظرتها تجاه الفرص الدبلوماسية مثل إقامة العلاقات، بشكل أوسع، مع خصوم سابقين إضافيين.
بالنسبة للسودان، ينبغي على إسرائيل ضبط غرائزها والمضي بحذر، وتحدد علاقاتها مع القيادة العسكرية فقط فيما يخص أكثر الاحتياجات الأمنية والاستخبارية أهمية.
على إسرائيل أن تتذكر أن ما حفز القادة العسكريين السودانيين – وفي مقدمتهم الجنرال البرهان، أكثر الداعمين لاتفاق التطبيع مع إسرائيل داخل القيادة السودانية – هو الحزمة المالية السخية التي قدمت لهم مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. أما وقد غدت العناصر الأساسية في تلك الحزمة في مهب الريح الآن، فلسوف نرى ما إذا كان الجنرالات سيستمرون في احتضان إسرائيل، وإلى متى.
ومع أن البرهان مستمر في التمتع بدعم كبير، بما في ذلك مالياً أيضاً، من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإن أموالهم لا قبل لها إطلاقاً بتعويض المساعدة التي سيحتاج إليها السودان من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغير ذلك من المؤسسات الدولية.
وما ينطبق على السودان من حاجة إسرائيل لتبني مقاربة أكثر حذراً وتبصراً، فإنه ينطبق على غيره من اللاعبين الإقليميين. إن الحماس الذي أبدته إسرائيل تجاه أول الموقعين على ما يسمى اتفاقيات أبراهام في العام الماضي، الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ومبادلتها، على الأقل في حالة الإمارات، بنفس الحماسة، حدد معياراً سيكون صعباً، بل وربما مستحيلاً، على الآخرين الوصول إليه.
وبالفعل، لم يكن عجباً أنه على الرغم من التوقعات من أن عدد البلدان التي يتوقع أن تسير على خطا الإمارات والبحرين وتطبع علاقاتها مع إسرائيل قد يصل إلى تسع، فإن بلداً واحداً فقط بالإضافة إلى السودان – أي المغرب، هو الذي أقدم على تلك الخطوة مقابل الفوز باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
على الرغم من أن تردد الآخرين في الانضمام، وخاصة سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، قد يعزى لمجموعة كبيرة من الاعتبارات، بما في ذلك التوقع بأن تغييراً كان سيطرأ على الإدارة الأمريكية، إلا أن مقاربة إسرائيل الشديدة لعبت دوراً في ذلك.
ولا أدل على ذلك من الطريقة التي أفسدت بها إسرائيل المحادثات المباشرة وجهاً لوجه في لقاء جرى بين رئيس الوزراء آنذاك، نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نيوم في شهر نوفمبر الماضي. فتسريب أخبار اللقاء والتفاخر بإجرائه على الرغم من أن المفترض فيه أن يبقى طي الكتمان ولد رد فعل عكسي هائل لدى معارضي التطبيع مع إسرائيل من داخل العائلة السعودية الحاكمة وقضى على ما كان موجوداً من اختراق دبلوماسي في الأسابيع الأخيرة لإدارة ترامب.
حالما أقامت نموذجاً واحداً لما ينبغي أن يكون عليه شكل وملمس التطبيع، ها هي إسرائيل تضيع الفرص لتحقيق اختراقات دبلوماسية مع بلدان قد تكون نفرت بسبب مظاهر التعبير عن النشوة بالنصر والإشادة بالذات بعيد توقيع الاتفاقيات مع كل من البحرين والإمارات. في واقع الأمر لا يوجد بلد مثل آخر، ولا يمكن لعلاقة، ولا ينبغي لها، أن تكون كغيرها من العلاقات. ما يناسب الإمارات العربية المتحدة وكذلك البحرين، مع بعض التعديلات، قد لا يناسب، ولا ينبغي له أن يناسب، المملكة العربية السعودية أو العراق أو جيبوتي.
ولكن لم تبدأ باتفاقيات أبراهم تلك المقاربة الإسرائيلية التي تعتمد على فكرة أن قياساً واحداً يناسب كافة الأحجام. بل لقد شكلت سلوكها تجاه حلفائها وخصومها على حد سواء على الأقل منذ توقيع معاهدة السلام مع مصر في عام 1979. وبالفعل، هذا ما يفسر لماذا تشعر إسرائيل بامتعاض شديد إزاء السلام البارد مع مصر ولماذا لم تعد تحتمل السلوك المتحفظ للأردن تجاهها.
في خيال إسرائيل الدبلوماسي الأبيض والأسود، ينبغي أن يترجم السلام إلى علاقة دافئة ومزدهرة، وينبغي أن تكون التجارة والسياحة في القلب منها. وكل ما هو أقل من ذلك يشعرها بأنها تعامل بنوع من الصد والرفض.
وهذا السلوك هو نفسه الذي أعاق جهود التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا، وخاصة أثناء الأيام الأخيرة من حياة حافظ الأسد في عام 2000 عندما ردعت مطالبات إسرائيل بإقامة سلام مكتمل الأركان الزعيم السقيم عن المضي قدماً خشية ألا يكون خليفته في الحكم، بشار، قادراً على التغلب على المعارضة المحلية التي كان متوقعاً أن تتولد بمجرد أن يبدأ تدفق البضائع الإسرائيلية والسياح الإسرائيليين. من المؤسف أن تفضيله للمرحلية والتدرج اعتبرت من قبل رئيس الوزراء حينذاك، إيهود باراك، مؤشراً على أن الأسد لم يكن جاداً بما فيه الكفاية.
وأخيراً، لربما ساعدت سياسة التطبيع التفاضلي إسرائيل على التغلب على بعض ما لديها من مقاومة راسخة لأي تقدم ذي معنى مع الفلسطينيين.
ما فتئت إسرائيل تشترط على الفلسطينيين ما لا يحصى عدده من المطالب على مستوى موقفهم من إسرائيل – ما إذا كانوا يعترفون بإسرائيل كدولة يهودية أو لديهم الاستعداد للتخلي عن أسطورة حق العودة. وتلك هي العقبة الكؤود في طريق التوصل إلى اتفاق سلام، وخاصة إذا كان اتفاقاً يستلزم تقديم تنازلا يفترض فيها أنها مؤلمة. وهذا ما يفسر إخفاق إسرائيل في بذل ما في وسعها حتى تتوصل إلى اتفاق على الوضع النهائي مع منظمة التحرير أو التوصل إلى هدنة طويلة المدى مع حماس.
من شأن سياسة التطبيع التفاضلي ليس فقط فتح مجال فسيح من الإمكانيات أمام إسرائيل، بل يمكنها من خلالها أن تستثمر فيما كسبته حتى الآن من سلام لتحقيق مزيد من السلام.
ما دور الاحتلال الإسرائيلي بتطورات أزمة السودان إثر الانقلاب؟
كاتب إسرائيلي: هذه أسباب صدور دعوات التطبيع من العراق
رئيس المؤتمر اليهودي العالمي يتحدث عن "حرب الإعلام"