كتاب عربي 21

ليبيا.. حول أزمة الحكومة وبيان نائب رئيسها "حسين عطية"

1300x600

أصدر نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، حسين عطية ـ وآخرون ـ بيانا يتحفظ فيه على ما اعتبره تقصير رئيس الحكومة في دعم الشرق الليبي وإهماله للقطاعات الحيوية هناك وتركها دون موازنة مالية، وقرن انتقاداته بمطالب منها عودة بعض المؤسسات الحيوية إلى الشرق.

هناك ما يثير الريبة في موقف عطية ومن ناصره في بيانه من مسؤولين في الحكومة ممن ينتسبون للشرق، ذلك أن ادبيبة كان إلى فترة قريبة محل تقدير نائبه وظهر ذلك جليا في لقاء ادبيبة الأخير بأعيان ونشطاء من الشرق في طبرق، فقد تحدث عطية عن حرص ادبيبة على الشرق وعلى التواصل الإيجابي مع مكوناته ومسؤوليه وكان حديثه إيجابيا إلى درجة كبيرة، الأمر الذي يثير الاستغراب من موقفه اليوم. حجة عطية ومن شايعه في موقفه ضعيفة لاعتبارات عدة منها أن الموقف الحاد من رئيس الحكومة سيكون مفهوما ومبررا بعد تمكينه من صلاحياته والمساهمة في إزالة العراقيل التي تعيق تحركه، وهو الأمر الذي لم يحصل، فادبيبة واجه تعنتا من قبل البرلمان الذي لم يصادق على مقترح الميزانية وتورط في سحب الثقة من الحكومة التي لم يمض على منحها الثقة سبعة أشهر، ومنع من الدخول إلى عاصمة الشرق بنغازي، وفشل عطية في معالجة أسباب المنع كما وعد، فكيف يبرر موقفه من رئيسه في ظل القيود التي فرضت عليه!!

تستطيع أن تقول في ادبيبة ما تشاء وتجد ما يمكن أن يكون محل انتقاد لسياساته وقراراته لكن لن تسعفك الأدلة والقرائن لاتهامه بالجهوية أو الانحياز السياسي للغرب ضد الشرق. ادبيبة أقرب إلى النظام السابق منه إلى فبراير وهو ما يمنع الاعتقاد أنه يعاقب الشرق لأنه ناصر عملية الكرامة، ولقد انفتح على الشرق وزار مدنه قبل أن يتحرك في الغرب الليبي، ويؤكد قبول أعيان وشباب الشرق له أنه لم يتورط في التجاذبات الجهوية.

 

تمكين ادبيبة من دخول عاصمة الشرق والتحرك بحرية بين مدنه والاحتكاك بسكانه وبمسؤوليه كان يمكن أن يضعه أمام المشكلات ويجعله أكثر قدرة على معالجتها، والعكس نتيجته عكسية، فلماذا يتجاهل عطية الأسباب ويجعل نتائجها رأس حربة في موقفه.

 



لقد أظهر ادبيبة صبرا على مماحكات العديد من أعضاء البرلمان، ولم ينجر إلى سياسة مصادمة لحفتر برغم استفزازاته المتكررة وسلوكه بل وتصريحاته التي يرفض فيها صراحة الانصياع لحكومة الوحدة الوطنية، وحتى عندما حيل دونه ودون الدخول لبنغازي ومنع من عقد اجتماع الحكومة هناك عزى ادبيبة ذلك إلى أسباب لوجستية، ولم يتجه للتصعيد كرد فعل طبيعي على ما واجهه من صلف.

تمكين ادبيبة من دخول عاصمة الشرق والتحرك بحرية بين مدنه والاحتكاك بسكانه وبمسؤوليه كان يمكن أن يضعه أمام المشكلات ويجعله أكثر قدرة على معالجتها، والعكس نتيجته عكسية، فلماذا يتجاهل عطية الأسباب ويجعل نتائجها رأس حربة في موقفه.

ولو أن عطية ومن حذا حذوه من أعضاء الحكومة قاموا بما يمليه عليهم الواجب والضمير ووجهوا انتقادات إلى البرلمان وإلى حفتر وقد ظهر جليا دورهم السلبي وعرقلتهم للحكومة لكان انتقادهم لرئيس الحكومة بعد ذلك مفهوما، أما وإنهم صمتوا صمت القبور على تجاوزات وخروقات حفتر التي انعكست سلبا على الحكومة وعلى رئيسها، فإنهم يفتحون الباب لتكهنات يمكن أن تكون منطقية.

يبدو لي أن موقف عطية والآخرين لم يكن ردة فعل عفوية، بل هي أقرب إلى أن تكون تماهيا مع ضغوط من المحتمل جدا أن يكون حفتر خلفها، بمعنى أنهم لو فكروا في حجم التحديات التي تواجهها الحكومة ونظروا إلى الإمكانيات المتاحة والظروف التي تعمل فيها وتمعنوا في عقلية ادبيبة وطريقته في الإدارة لما تورطوا في هذا الموقف، لذا فإنه من غير المستبعد أن يكونوا قد تأثروا بمناخ ملغوم وضغوط لها غاياتها السياسية.

على صعيد آخر، أستغرب من صمت ادبيبة وعدم تقدمه إلى الرأي العام ووضعه في صورة الأزمة الجديدة بالشكل الذي يخلي مسؤوليته ويفند التهم الموجهة إليه. ولا يكفي القول بأنه ربما يسعى جاهدا لاحتواء الأزمة عبر التواصل مع من فجرها، فقد أكدوا أنه لم يتم التواصل معهم من طرف الحكومة، وقد لا يكفي أن ينقل رئيس الحكومة الملف إلى المجلس الرئاسي، بل عليه أولا توضيح الصورة إلى الرأي العام بشكل متزن بعيدا عن التصعيد، ثم التحرك لاحتواء الأزمة عبر مقاربة متوازنة يكون فيها مبدأ المساءلة أو الانتقاد مرتبطا بالتمكين من الصلاحيات وتذليل العقبات التي تعترض أداء الحكومة في الشرق.