حيران: أنا لا أدري ما هي الجدوى من اللقاءات السياسية مع ممثلي أحزاب يسارية
إسرائيلية.. هل يراود أصحابها أمل في عودة
اليسار الإسرائيلي إلى الحكم أو دائرة التأثير في صنع القرار؟ هل هناك بواقي قدرة لهؤلاء على التأثير في الرأي العام الإسرائيلي، أو أنهم يشكلون ثقلا حقيقيا في مقابل حالة التطرف التي تجنح بقوة بالمجتمع الإسرائيلي منذ أكثر من عقدين من الزمان؟
فهمان: تساؤلاتك في محلّها سيد حيران، فأيام عزّ اليسار الإسرائيلي لم نستفد منها نحن
الفلسطينيين لا من قريب ولا من بعيد، فما بالنا أيام التطرف وهذا الجنون اليميني المتغطرس والذي يكتسح المجتمع الإسرائيلي جمهورا وأحزابا؟ لن تجدي هذه اللقاءات نفعا، وكل من يعرف تركيبة الأحزاب التي تشكّلت منها الحكومة وكذلك كلّ من يعرف توجّهات الناخب الإسرائيلي؛ سيرى بأمّ عينيه أنه لا يقيم وزنا لمثل هذه الاجتماعات، وما يشارك فيها من أحزاب يسارية فما هي إلا ضرب من التعلّق بالهواء ومثل أمل إبليس في الجنة.
حيران: هل من مثال على ذلك سيدي؟
فهمان: حزب العمل مثلا قبل أن يصل إلى هذه النهاية الهزيلة كان قويّا واستلم حكومة
الاحتلال عدة عقود، وهو صاحب المشروع النووي الإسرائيلي والاستيطان، والتوسّع الاحتلالي الذي قام على التطهير العرقي للفلسطينيين، وهو الذي التفّ على منظمة التحرير الفلسطينية بدهاء زعيمه شمعون بيرس وحوّلها من عدوّ إلى شريك من خلال اتفاقية أوسلو؛ هذا الاتفاق الذي يشكّل شبه إجماع فلسطيني الآن بأنه كان مدمّرا للقضية الفلسطينية. وهذا عزيزي غيض من فيض لو فتحنا ملفّ اليسار الإسرائيلي.
حيران: أنت بذلك لا تفرّق بين اليمين واليسار؟!
فهمان: لا، بل أدرك تماما أنه يختلف عن هذا اليمين الذي يرفض حلّ الدولتين أو حتى المفاوضات (على رأي إسحاق شامير) من أجل المفاوضات، هناك فروق لا تخفى على أهل الاختصاص، ولكنهم كلهم تحت سقف المشروع الصهيوني.
حيران: لكن ما الدافع عند جماعتنا في الإصرار على مثل هذه اللقاءات؟ أنا غير قادر على تفسير هذه.
فهمان: هنا يوجد مساحة للتحليل، لقد اعتدنا على السياسة العربية عندما تراهن على خيار سياسي فإنها تبقى متمسّكة به مهما كانت التغيّرات، لأنها تبدو لها أنها سياسة عبقرية لا يمكن أن تزلّ أو تخطئ، فلا بدّ إذا من الاستمرار في المحاولات مهما كان الأفق مسدودا، وتصبح العملية السياسية مهما كانت جدواها مهمّة لتبرير وجود الأنظمة على سدّة الحكم؛ لأنها جعلتها الخيار الوحيد والمحور الأساس الذي يدور حوله عملها السياسي، ولأنهم كذلك كسروا مجاديف الخيارات الأخرى وهاجموها بكلّ ما يملكون من قواميس اللغة السياسية والإعلامية فيصعب عليهم التراجع.
حيران: اسمح لي سيدي أن أضيف، وقد يكون لأن الخيار البديل مُكلف ويحتاج إلى تضحية وتنازل عن رواتب ومراتب وبطاقات vib.. الخ.
فهمان: هذا مفهوم، ولكن الأهم أن لكل خيار استعدادات وبنى تحتية من التجهيزات والخبرات التراكمية، فإذا هدمتها بيدك وتخلّيت عنها ربع قرن فهل من السّهل العودة الفجائية لها؟ هنا يبرز سؤال مهم: حتى لو أردت ذلك فهل تستطيع، بناء على الواقع الجديد الذي أفرزه مشروع التسوية الذي فشل فشلا ذريعا مع احتلال يريد لنفسه كل شيء، ولا يوجد عنده الاستعداد للتنازل عن أيّ شيء؟
حيران: وهنا أثر في داخلي موضوع ثقافة المجتمع، لقد اشتُغل علينا كثيرا لاستبدال ثقافة المقاومة بثقافة البزنس والسيارات والقروض والعقارات والرواتب والرتب، والدوران حول الأشياء بدل الدوران حول القضية.
فهمان: لذلك ما زلنا نرى من يراهن على الرأي العام الإسرائيلي ويساره، بينما من هم في سدّة الحكم لديهم يصرّحون علنا بأن لا حلّ ولا مفاوضات ولا عملية سياسية مع الفلسطينيين، ويكرّسون عمليا واقع الاحتلال والتعايش معه والتطبيع على أوسع نطاق إقليمي. هذه لا تغدو سوى ذرّ للرماد في العيون وحوار طرشان، وكلّ في الواقع يغنّي على ليلاه.