قضايا وآراء

لُحمةٌ فلسطينيةٌ واقعيةٌ تشبه "غرفة العمليات المشتركة"

1300x600
يلحظ المتابع للوضع الفلسطيني منذ وقوع الانقسام بين حركتي "حماس" و"فتح" تصدُّر النقاش حول كيفية الوصول إلى الوحدة الوطنية على ما دونه من نقاشاتٍ أخرى، مع كثرة الحديث عن أهمية ترميم اللُّحمة الوطنية في نجاح المشروع الوطني الفلسطيني. ولقد جرت محاولاتٌ عدةٌ لهذا الهدف باءت كلها بالفشل، وكان آخرها "مسار المصالحة" الذي قام على أساس تنظيم انتخاباتٍ تشريعيةٍ فلسطينيةٍ جديدةٍ.

لكننا سنتجاوز في هذه الهُنيْهة الحديثَ عن عبثية فكرة تنظيم انتخاباتٍ تشريعيةٍ في ظلّ وجود الاحتلال، وسنتغاضى عن الأحاديث المبالغ فيها حول آثار الوحدة الوطنية على نجاح مشروع التحرير الفلسطيني التي تَعُد الوحدة أحد شروط التحرير دون قرينةٍ تاريخيةٍ تذكر، كي نتمكن من تسليط الضوء على صيغة وحدةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ مجديةٍ حسب آراء الكثيرين.

لعل أبرز ما حذا بمحاولات إنهاء الانقسام الفلسطيني السابقة إلى الفشل؛ كان مرده إلى تجاهل حقيقة كون الانقسام القائم منشؤه الخلاف على أصل الرؤية تجاه المشروع الوطني الفلسطيني، عبر محاولة تجاوز هذه القضية المركزية للدخول في تفاصيل تقنية ليست على ذات القدر من الأهمية. فإذا ما كانت المصالحة المرجوة ستُبْنى على أساس تقاسم حصصٍ في سلطةٍ فلسطينيةٍ لا سلطةَ لها سوى الشكل، ودون معالجة الخلل القائم في الساحة الفلسطينية حول النظرة لمستقبل النضال الفلسطيني وكيفيته وأهدافه، فلا أهلاً ولا سهلاً بهكذا مصالحةٍ.
إذا ما كانت المصالحة المرجوة ستُبْنى على أساس تقاسم حصصٍ في سلطةٍ فلسطينيةٍ لا سلطةَ لها سوى الشكل، ودون معالجة الخلل القائم في الساحة الفلسطينية حول النظرة لمستقبل النضال الفلسطيني وكيفيته وأهدافه، فلا أهلاً ولا سهلاً بهكذا مصالحةٍ

أما اليوم، وبعد ما حققته معركة سيف القدس من إنجازات أساسية في الصراع من أجل استعادة الحق العربي والإسلامي، والزخم الذي أعادته للقضية الفلسطينية سواء أكان في الداخل الفلسطيني أم في الإقليم والعالم، حيث عاد للتداول بين الفلسطينيين الحديث عن الحل العادل والوحيد الواقعي للقضية الفلسطينية، والمتمثل بتحرير كامل التراب الفلسطيني من رأس الناقورة إلى أم الرشراش، بما يضمن حق عودة اللاجئين وحقوق فلسطيني 1948 في البقاء في أرضهم، لا سيما بعد ما ثبت بالتجربة فشل حل الدولتين كما كان متوقعاً.

يمكن القول بعد هذا الوضع الجديد إن كل المسارات السابقة التي كانت مقترحةً لاستعادة اللُّحمة الوطنية لم تَعد صالحةً، كما يمكننا القول بأن معركة القدس قد أعطت مثالاً حياً وواقعياً على الطريق الأنسب لاستعادة تلك اللُّحمة المنشودة.

تَشكَّلت أثناء معركة سيف القدس "غرفة العمليات المشتركة"، وكانت هذه الغرفة تضم كافة أطياف الفصائل الفلسطينية، من "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي" و"فتح" مع باقي فصائل "م.ت.ف"، حيث تولت هذه الغرفة إدارة كامل تفاصيل المواجهة بشقيها العسكري والسياسي، فكان قرار الذهاب إلى الاشتباك العسكري بالتشاور والتوافق بين كل فصائل "غرفة العمليات المشتركة"، وخلال المعركة كانت كل العمليات العسكرية وتوقيتاتها خاضعة لتلك الغرفة. وهكذا تجلت وحدةٌ وطنيةٌ حقيقيةٌ في الميدان، قائمة على أهداف وطنيةٍ مشتركةٍ من أجل حماية القدس والمسجد الأقصى، ومن أجل دعم انتفاضة باب العمود وردع المحتل عن الإيغال في قمع المنتفضين في القدس والأراضي المحتلة عام 1948.
كان تشكيل "غرفة العمليات المشتركة" حصيلةً لمسارٍ استمر لسنين، فلم يكن عملاً اعتباطياً ولا أمراً لحظياً، وفي هذا مثالٌ واضحٌ على الوسيلة الأمثل لتحقيق وحدةٍ وطنيةٍ مبنيةٍ على أُسسٍ وطنيةٍ واضحةٍ، ويرى الكثيرون أنها يجب أن تكون الأساس الذي يُبنى عليه أيّ نقاش حول إعادة بناء "م.ت.ف" من أجل دخول "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي" فيها

ولقد كان تشكيل "غرفة العمليات المشتركة" حصيلةً لمسارٍ استمر لسنين، فلم يكن عملاً اعتباطياً ولا أمراً لحظياً، وفي هذا مثالٌ واضحٌ على الوسيلة الأمثل لتحقيق وحدةٍ وطنيةٍ مبنيةٍ على أُسسٍ وطنيةٍ واضحةٍ، ويرى الكثيرون أنها يجب أن تكون الأساس الذي يُبنى عليه أيّ نقاش حول إعادة بناء "م.ت.ف" من أجل دخول "حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي" فيها. فعدم دخول هاتين الحركتين في "م.ت.ف" كان بسبب تفريط هذه الأخيرة ببعض الثوابت الوطنية الفلسطينية، لهذا يكون المرجوّ من انضمام هاتين الحركتين لصفوف "م.ت.ف" هو تعديل مسارها، واستعادتها لمشروعها الوطني الأصلي قبل تعديل "الميثاق الوطني الفلسطيني" الذي ساهم في إيصال "السلطة الفلسطينية" للحال الذي وصلت إليه اليوم، حيث باتت بشكلٍ واقعيٍ تمثل أحد أذرع أجهزة الاحتلال الصهيوني. فأي "سلطةٍ وطنيةٍ" تلك التي يكون التنسيق الأمني مع الاحتلال ضد مناضلي شعبها مقدساً ضمن عقيدتها، بينما لا يدخل في عقيدتها الحفاظ على أبناء شعبها وحمايتهم من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه؟

وهنا يبرز تساؤلٌ يرِدُ على لسان كثيرين: ماذا لو لم تستجب "السلطة الفلسطينية" بشخص رئيسها محمود عباس لهذا الطرح المتمثل بإعادة بناء "م.ت.ف" على أسسٍ وطنيةٍ جديدةٍ قديمةٍ؟
عدم الوقوف كثيراً عند عِنادِ محمود عباس وفريقه، فإذا ما أصر على نكران الواقع الجديد للوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي، وأمعن في تجاهل حقيقة فشل "حل الدولتين"، يصير من الأجدى العمل مع مَن لم يَعُد مقتنعاً بنهج محمود عباس مِن بين أبناء حركة "فتح" وهُمْ كثرٌ، لا سيما بعد ما أنجزته معركة سيف القدس

لعل الإجابة على هذا التساؤل تكمن في طرح سؤالٍ مقابلٍ: وهل يصح رهن مصير القضية الفلسطينية بما تختزلُه من أبعادٍ فلسطينيةٍ وعربيةٍ وإسلاميةٍ بتعنُّتِ محمود عباس وفريقه، برغم ثبوتِ فشَلِ استراتيجيتهم التي لم تجنِ منها القضية الفلسطينية سوى تضاعف الاستيطان وخسران المزيد من أراضي 1967؟ ناهيكم عن تهديد القدس والمقدَّسات الإسلامية والمسيحية، والخطر القادم الذي يتهدد وجود فلسطيني الأراضي المحتلة عام 1948 في ديارهم بسبب "قوانين يهودية الدولة" التي أقرها الكيان الصهيوني مؤخراً؟

يُعتقَد أن الإجابة المنطقية على السؤال المقابل المطروح تكون قطعاً بالنفي، لذلك يصبح أجدر بكلٍّ من حركتي "حماس" بالدرجة الأولى بصفتها الفصيل الأكبر بين فصائل المقاومة الفلسطينية، و"حركة الجهاد الإسلامي"؛ عدم الوقوف كثيراً عند عِنادِ محمود عباس وفريقه، فإذا ما أصر على نكران الواقع الجديد للوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي، وأمعن في تجاهل حقيقة فشل "حل الدولتين"، يصير من الأجدى العمل مع مَن لم يَعُد مقتنعاً بنهج محمود عباس مِن بين أبناء حركة "فتح" وهُمْ كثرٌ، لا سيما بعد ما أنجزته معركة سيف القدس، وكذلك العمل مع سائر الفصائل الفلسطينية المقتنعة بعبثية مسار "أوسلو"، والمستعدة للقيام بما تقتضيه هذه القناعة بشكل عملي، من أجل تجاوز محمود عباس وحقبته البائسة، واستعادة "م.ت.ف" من هيمنة محمود عباس وفريقه عليها، وإلا فلا طائلَ يرجى من بقاء "م.ت.ف" في صيغتها الحالية.