جرت رياح تغيير الحكومة الإسرائيلية، كما كل مرة، بما لا تشتهي سفن التمنيات العربية والفلسطينية، ونالت حكومة تحالف نفتالي بينيت ويائير لبيد ثقة الكنيست الإسرائيلي لتصبح الحكومة الـ36 في تاريخ الكيان الصهيوني. وكما تبدى في مداولات الكنيست وخطاب بنيامين نتنياهو المهزوم أمام تحالف حزبي يمينا ويش عتيد، وخطاب بينيت وتصريحات وزير الدفاع غانتس، فإن الثوابت الباقية في جوهر حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ قيام "إسرائيل" لم ولن تتغير مع ذهاب رؤساء الحكومات وتغيير الوجوه في "اللعبة الديمقراطية".
التجربة طويلة ومريرة للجانب العربي والفلسطيني المراهن في كل دورة انتخابية أمام عدوانية تتسابق فيها الحكومات المستندة لعقيدة صهيونية قائمة على العدوان وتكريسها على الأرض.
ومن يحقق أفضل الإنجازات في لي عنق الفلسطينيين والعرب في برنامجه الانتخابي، ومن يحقق المصلحة العليا لـ"إسرائيل" الاستعمارية التوسعية في الاستيطان، وإلغاء وشطب حق أصحاب الأرض، وجر الطرف العربي والفلسطيني لما يسمى "السلام مقابل السلام"؛ هو الفائز في كل دورة عدوان.
صراحة وشفافية المزايدات الانتخابية تعبر بشكل جلي عن نفسها وتنمو عاماً بعد عام، وتتسع لتشمل بالعدوان كل ما يتصل بالحق الفلسطيني والعربي.
تركز الجهد الخطابي للحكومة الجديدة في "إسرائيل" على برامج سياسية "مألوفة" السمع والسلوك في الحكومات السابقة، منذ تناوب أحزاب العمل والليكود ثم ما تفرع عنهما من تسميات وتحالفات تنهل من نبع واحد، بينما تتناثر الجهود العربية والفلسطينية هنا وهناك رغم كثرة القراءة السياسية والتاريخية لأفكار ومبادئ الصهيونية التي قدمتها النخب العربية والفلسطينية في هذا المضمار، لضم الجهود لقراءة أعمق وتقديم أفضل السبل للتعاطي معها بعيداً عن الأوهام التي ساهمت في ضياع جزء أصيل من الحق الفلسطيني.
فمن اتساع الجبهة العريضة التي تطرح عشرات الأسئلة السياسية والفكرية نفسها عن كل حكومة في إسرائيل، ويطرحها أيضاً الجانب الفلسطيني والعربي، تتعدد الاجتهادات للإجابة عن الأسئلة المطروحة عما يميز التناوب القيادي على مؤسسة العدوان الصهيوني. وتبرز الاختلافات في وجهات النظر وفي السلوك حول طبيعة التعاطي معها.
بنيامين نتنياهو المنصرف قدم جردة حساب سريعة أمام الكنيست بأنه الأفضل "في بناء القوة الإسرائيلية"، وبرفض إقامة الدولة الفلسطينية، وتوسيع الاستيطان، ونجاحه في التطبيع مع أنظمة عربية تقبل التطبيع مع "إسرائيل" والتحالف معها على حساب الحقوق الفلسطينية، بينما أكد خلفه نفتالي بينيت أن حكومته ستعزز الاستيطان في كل نواحي "أرض إسرائيل"، والحفاظ على ما أسماها بالمصالح القومية في مناطق "ج" من الضفة الغربية، لمراقبة ومنع البناء الفلسطيني "غير القانوني"، وبأنه يحظى بدعم ومباركة الإدارة الأمريكية بزعامة بايدن، بحسب زعمه.
من بين عشرات القضايا والأسئلة المرتبطة بالتحالف الحكومي الجديد في "إسرائيل"، نتوجه لمسألتين منها فقط، تتعلقا بالمبادئ والأفكار وبالنشاط اليومي للعدوان على الحقوق الفلسطينية، والتعاطي الفلسطيني معها. فلا شك أن الاجتهاد التجريبي الكارثي الذي حكم معظم التصرفات الفلسطينية في حقبة ما بعد أوسلو، وآفاق العدوان التي انفتحت بفضلها أمام الحكومات الإسرائيلية ولتحقق ما حققته على الأرض؛ هي المقنعة للناخب الإسرائيلي أياً تكن ميوله الحزبية وتوجهاته.
والمسألة الثانية التي تطرح نفسها بشدة؛ مسألة المناورة "بالمبادئ" التي اعتمدتها العقلية الرسمية الفلسطينية المؤمنة أبداً في أوسلو، وغيرت من برامجها واستبدلتها بأخرى غامضة الأهداف وواضحة في النقيض الوطني، لكنها لا تزال عاجزة عن لملمة وجمع الأفكار والأهداف التي تقود لمصلحة فلسطينية تكون نقيضاً جوهرياً وكفاحيا ضد المشروع الصهيوني.
بمعنى آخر، لو أن المصلحة واحدة والدافع واحد، والظرف واحد لكل القوى الفلسطينية، لكان مستقبل الصراع والقضية غير متوقف على تحليل وتشريح الحكومات الإسرائيلية وفهم العقلية الصهيونية فقط.. فهناك غياب الانصهار والاندماج مع الأهداف، وبقاء الشرذمة والانقسام والتفتت، وفقدان القدرة القيادية، والتمييع والذيلية لقوى أخرى ولأوهام عربية إسرائيلية المضمون والهدف؛ تنطلق من يأس متأصل يتم فرضه على الشعب الفلسطيني وعلى الشعب العربي.
الدروس والعبر كثيرة، بما يخص فهم العقلية الصهيونية، والعبر أكثر في فهم عقلية المواجهة الفلسطينية للسياسة الإسرائيلية، لكن ما الفائدة من كسب المعرفة، وفي المؤكد أننا نخسر الكثير من بديهيات الإجابة بالسلوك والممارسة التي أدت لتمزيق الجهود وتشتيت النضال، واجترار شعار "الحكومات الإسرائيلية في مأزق"، ونحن غارقون في كوارث أكبر من تسمية حكومات الاحتلال التي "تكون خير خلف لخير سلف بالعدوان"؟
twitter.com/nizar_sahli