قضايا وآراء

حرب أمريكا في أفغانستان.. نصفها لها ونصفها للآخرين

1300x600
ربما شكلت مناسبة أيار/ مايو من عام 2011 مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، التي تصادف هذه الأيام ذكراها العاشرة، فرصة ذهبية لخروج أمريكي مشرف من أفغانستان كان يستطيع الأمريكي من خلالها أن يعلن انتصاره وتحقيق كل ما قدم من أجله، ما دام مبرر الحرب على أفغانستان هي أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ولكن لم يحصل هذا وواصلت واشنطن حربها في أفغانستان على الرغم من تسلل حلفائها لواذا، وعلى رأسهم البريطانيون حين انسحبوا قبل هذا من هلمند غربي أفغانستان.

وبعد مناسبة مقتل أسامة بن لادن، أتت مناسبة أخرى كان على الأمريكي أن يستغلها لخروجه، وهي الإعلان عن وفاة زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا محمد عمر، لتشكل فرصة أخرى للخروج من المستنقع الأفغاني، لكن لم تستغل واشنطن الظرف وواصلت الغرز أكثر فأكثر في الوحل الأفغاني.

يبدو أن واشنطن على مدى تاريخها لم تُحسن توقيت انسحابات قواتها حين تخوض صراعات دولية، فمع كل عقد من الزمن يحصل انسحاب ولكن تحت ضغط الضربات العسكرية، كما حصل في حرب فيتنام وانسحابها عام 1973 تحت ضغط المقاومة العسكرية هناك، ليتكرر ذلك بعد عقد حين انسحبت من لبنان عام 1983 إثر الهجمات التي تعرضت لها قوات الكوماندوز، وبعدها بدزينة من السنوات وتحديدا عام 1995 انسحبت قواتها من الصومال، بعد إسقاط طائرتيها البلاك هوك وسحل طياريها في شوارع مقديشو، ليتكرر لاحقا المشهد في العراق بانسحاب ربما يختلف شيئا ما عن سابقاته عام 2011، ولكن لم يصمد هذا النهج الجديد، ليعود اليوم إلى انسحاب أمريكي تحت شدة الضربات العسكرية لمقاتلي حركة طالبان.

بالمقابل، كانت الحرب الأمريكية في أفغانستان حروبا للآخرين ولمصالح الأمريكيين، وليس لمصالح واشنطن فحسب، فقد دفعت واشنطن ثمنها أرواح جنودها، وأموال دافعي ضرائبها، وتبديدا لسمعتها ومصداقيتها على مدى تلك السنوات. ويقف على رأس المستفيدين من وراء تلك الحرب الحلف الثلاثي المعادي لأمريكا: روسيا والصين وإيران، كون دول هذا الحلف مجاورة لأفغانستان ومتضررة ربما أكثر من أمريكا من وصول طالبان إلى السلطة، مما جعلها تهلل للغرز الأمريكي أكثر فأكثر في أفغانستان.

فالصين لا تخفي قلقها من تنامي ظهور طالبان التي تستضيف مقاتلي الإيغور التركمان الصينيين، الذين يشكلون صداعا مزمنا للحكومة الصينية على مدى تاريخها، فوجدت من يتولى مهمتها بقتال حلفائهم في أفغانستان، كي لا يتفرغوا لها، وعليه، ستكون من أكثر المتضررين من جرّاء هذا الانسحاب.

أما روسيا، فتنظر إلى جمهوريات وسط آسيا المجاورة لأفغانستان كحديقة خلفية لها ولأمنها واستقرارها؛ إذ إن ما يجري في أفغانستان سينتقل إلى الحديقة الخلفية ومنها إلى الدار الروسية. يُضاعف ذلك الرغبة الروسية للثأر من الموقف الأمريكي الذي دعم المجاهدين الأفغان في ثمانينيات القرن الماضي؛ يوم غزت موسكو أفغانستان.

أما إيران، فتأتي على رأس المتضررين من وراء هذا الانسحاب في هذا الوقت بالذات المشغولة فيه على أكثر من جبهة، بينما ستكون الجبهة الأفغانية الأهم لها، لخشيتها من فراغ يخلفه الانسحاب الأمريكي، ما سيملؤه قفز طالباني وهو عدو سني تقليدي لها، مما يعني تبديد كل مكتسباتها في كابول التي حصلت عليها خلال تحالفها الصامت والهادئ مع الأمريكيين؛ فمكنت لحلفائها الأفغان من السلطة، تماما كما حصل مع الوصفة العراقية.

تبقى مصداقية واشنطن الآن على المحك، وتحديدا فيىما يتعلق بعلاقاتها مع حلفائها الذين سيتضررون من وراء هذا الانسحاب، ومن ثم سينعكس ذلك على حلفاء آخرين لواشنطن في العالم؛ بأنها قد تتخلى عنهم في أية لحظة وتفضل مصالحها، ولو كان على حساب حياتهم وسلطتهم.