قضايا وآراء

الخيارات المصرية أمام الملء الثاني لسد النهضة

1300x600
يتصاعد الصراع السياسي في ملف سد النهضة، خاصة في ظل إصرار إثيوبيا على االملء الثاني بحلول شهر حزيران/ يونيو المقبل، دون استشارة دول المصب (مصر والسودان).

ويتوازى ذلك مع فشل المسار التفاوضي بين البلدان الثلاثة؛ مصر والسودان وإثيوبيا بعد جولة كينشاسا الأخيرة، بسبب استراتيجية إثيوبيا التفاوضية لكسب الوقت حتى انتهاء المراحل المقررة من بناء السد بما فيها الملء الثاني.

وفي سياق الصراع بين دولتي المصب وإثيوبيا تتصاعد حرب التصريحات بين الطرفين، فضلا عن لجوء مصر لتغيير التكتيكات المتبعة في ما يخص الموقف من سد النهضة باتخاذ عدد من الخطوات التي تأخرت كثيرا، وكان الأفضل استخدامها منذ ظهور النوايا الإثيوبية في استهلاك الوقت وترسيخ الأمر الواقع.

وتسعى الاستراتيجية المصرية إلى رفض الملء الثاني للسد دون التنسيق مع دول المصب، وعقد اتفاقية قانونية مع إثيوبيا تضع التزامات قانونية خاصة بسنوات الملء سواء في الفيضان أو فترة الجفاف، وتنظيم نوع من الإدارة المشتركة لإدارة السد بما فيها التأكد من أمان السد.

وسعت لدعم موقفها باتخاذ عدد من الخطوات:

- تقوية علاقتها بدول حوض النيل سواء مع الكونغو التي تولت رئاسة الاتحاد الأفريقي، أو عقد اتفاقيات عسكرية مع كل من بوروندي وأوغندا.

- اتجهت مصر إلى عدد من التحركات الدولية وأبرزها مع روسيا لجلب تأييد دولي للموقف المصري والسوداني.

- حشد دعم عربي سواء من الجامعة العربية أو من الدول العربية الأخرى مثل تونس بعد زيارة الرئيس التونسي للقاهرة، فضلا عن تصريحات مشابهة من جانب بلدان أخرى مثل الأردن.

- إجراء مناورات عسكرية مع السودان، كما توازى ذلك مع تصريحات اعتبار مياه النيل خطا أحمر، التي وردت على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن الموقف الإثيوبي سيؤدي إلى نوع من عدم الاستقرار في المنطقة، إلا أنه من جانب آخر أيد المسعى التفاوضي، واعتبر أن معركة مصر هي التفاوض!!

وفهم البعض من هذه التصريحات تلويحا بالعمل العسكري، وهو ما نفاه الرئيس السيسي في بداية حديثه كما نفاه أيضا وزير الخارجية. ويبدو أن مصر تتبع استراتيجية خاصة لها أكثر من محور:

الأول: ممارسة الضغوط الدولية على إثيوبيا عبر تقوية العلاقات مع الدول الكبرى في المنطقة وتفعيل الدعم العربي للموقف المصري، إلا أن التوجه الإماراتي- السعودي يبدو غامضا تجاه دعم الموقف المصري- السوداني.

الثاني: اتباع سياسة حافة الهاوية على مستوى التصريحات السياسية بالإشارة إلى أن الانتقاص من حصة مصر يمثل خطا أحمر، وتسعى هذه التصريحات لإظهار الموقف الإثيوبي كمهدد للاستقرار في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي.

ثالثا: التلويح باتخاذ خطوات وبدائل أخرى تجاه التعنت الإثيوبي في ما يخص الملء الثاني، أو التشاور مع دولتي المصب، دون الإشارة إلى مضمون هذه الخطوات.

وهناك عدد من الملاحظات على هذه الاستراتيجية أهمها:

- أن هناك تغييبا متعمدا للموقف الشعبي من بناء السد من جانب الإدارة المصرية، رغم أنه قد يمثل دعما إضافيا للموقف الرسمي.

- غياب اتخاذ المواقف من جانب الإدارة المصرية في العلاقة الدبلوماسية مع إثيوبيا، رغم المنهج العدائي في التعامل مع الموقف المصري والسوداني.

ويمكن أن تضع القاهرة هذه الخطوات في الاعتبار، سواء من خلال سحب السفير المصري من أديس أبابا، أو تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية، أو حتى قطع العلاقات، الذي سيعطي للطرف الآخر تأكيدا بجدية الطرف المصري تجاه ما يمس الأمن القومي المصري في ما يتعلق بأي انتقاص من مياه النيل.

والسؤال: ما هي الخيارات المصرية الأخرى تجاه التعنت الإثيوبي تجاه الاستمرار في بناء سد النهضة؟

تستهدف السياسة المصرية عقد اتفاق قانوني مكمل لإعلان المبادئ الذي وقع في عام 2015، والذي يعتبر خطيئة سياسية، والذي يبدو أنه تم دون استشارات مع خبراء مصريين في القانون الدولي أو في ملف المياه، ودون مناقشة الأمر مع الهيئات ذات الصلة مثل وزارة الري.

وهو الموقف الذي تناقض مع الاستراتيجية المصرية برفض أية اتفاقيات منفردة لدول حوض النيل، حيث رفضت اتفاقية عنتيبي في نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك، الذي كان يستهدف وضع اتفاقيات جديدة لتوزيع مياه النيل، تتناقض مع الحقوق القانونية والتاريخية لمصر والسودان في مياه النيل.

وللأسف، جاء إعلان المبادئ ليعطي غطاء قانونيا لإثيوبيا استكملت من خلاله إنشاءات السد، خاصة أن هذا الإعلان لا يضيف أية التزامات من ناحيتها، سواء في الالتزام برأي دولتي المصب، أو بمحاولة تغيير الطبيعة القانونية لنهر النيل، أو بتجاهل الاتفاقات السابقة بين مصر وإثيوبيا، سواء 1902 أو 1993، وحتى اتفاقية 1959 بين مصر والسودان بخصوص الحصص الخاصة بمياه النيل.

كما أن الإعلان يرهن اللجوء إلى أية وساطة دولية بموافقة الدول الثلاث أي بالإجماع، وبالطبع سيكون متعذرا بسبب الرفض الإثيوبي.

حاولت القاهرة إدخال الطرف الأمريكي طرفا في نهاية عهد الرئيس ترامب، ووضعت مسودة اتفاق تحفظ عليها كل من الجانبين الإثيوبي والسوداني (قبل تطور الموقف السوداني)، ورفض كل منهما التوقيع عليها.

- إدخال الأطراف الدولية في الإشراف على الملف من خلال سيناريو الرباعية الدولية (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة). لم يحقق هذا السيناريو نجاحا حتى الآن بسبب الرفض الإثيوبي.

وهناك خيارات أخرى يمكن اللجوء إليها؟

- العمل على اللجوء لمجلس الأمن مرة أخرى سواء وفقا للفصل السادس والسابع من الميثاق، وهو ما سيحتاج كسب الدعم الدولي للموقف المصري، من خلال الأطراف الأساسية وهي: الإدارة الأمريكية الجديدة، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا.

- اللجوء إلى محكمة العدل الدولية من خلال إحدى المنظمات الدولية المتخصصة لتقديم طلب فتوى استشارية في ما يتعلق ببناء السد، بغرض تأكيد الموقف المصري من الاتفاقيات الدولية السابقة، وتأكيد طبيعة نهر النيل باعتباره نهرا دوليا.

- حسم الموقف من إعلان المبادئ (الإعلان الخطيئة) بإعلان التحلل منه، كون إثيوبيا لم تحترم الالتزامات الدولية ذات الصلة والاتفاقيات، التي تؤكد حق مصر في مياه النيل وعدم بناء أي سدود دون استشارة الطرف المصري. 

- تأكيد الموقف المصري بأن الاتفاقيات الدولية السابقة هي المرجعية للموقف المصري والسوداني.

- عدم إغفال اللجوء للخيارات غير السياسية تجاه السد، الذي سيمثل ضغطا مستمرا على صانع القرار الإثيوبي.