والتعبير مستوحى من بيان
لحركة الجهاد الإسلامي، صدر في أعقاب انتهاء اجتماعات الحوار الفلسطيني في القاهرة
مؤخرا، وشرحت من خلاله الحركة خلفيات قرارها بمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي
المقررة في 22 أيار القادم.
الموقف ذاته، فسرت به الجبهة
الشعبية أسباب تحفظها على البيان المذكور، بيد أنها لم تحسم قرارها بعد، المشاركة
في الانتخابات المذكورة أو مقاطعتها، وأغلب الترجيحات تشير إلى رغبة الجبهة في
التأني لمعرفة جدوى المشاركة وحصيلتها المتوقعة، وأي ائتلافات يمكن أن تخوض من
خلالها تجربة الاستحقاق الانتخابي.
الجهاد الإسلامي، قوة عسكرية وازنة، منضبطة
ومنظمة، لكن لم تتوفر لنا بعد فرصة التعرف على "وزنها التمثيلي"
و"كتلتها التصويتية"، إذ بخلاف "الشعبية" التي شاركت في
انتخابات 2006 وحصلت على ثلاثة مقاعد فقط، من أصل 132 مقعدا، هي مجموع مقاعد
"التشريعي"، لم يسبق لـ"الجهاد" أن شاركت في أي انتخابات
فلسطينية عامة.
والأرجح أن هذه الفرصة لن
تتاح لنا في المدى المنظور، علما بأن نفوذ "الجهاد" يكاد يتركز في قطاع
غزة، ولديها بعض النفوذ في بعض مناطق الضفة الغربية، وليس معروفا عنها أنها ذات
امتداد جماهيري في المهاجر والشتات.
ليس التعرف على أحجام وأوزان الفصيلين هو هدف
هذه المقالة، بل التعرف على الخلفية السياسية والفكرية لقراري
"المقاطعة" و"التحفظ"، والتي تتلخص في كون الانتخابات
المقبلة لن تتم بعيدا عن "مرجعية أوسلو" أو بالضد منها.
المفارقة أن الفصيلين لا
يمانعان الانضمام إلى منظمة التحرير (الشعبية في داخلها والجهاد ما زالت خارجها)،
مع أن المنظمة هي من أبرم أوسلو، وهي التي ما زالت عند التزامها بهذه الاتفاقات،
برغم القرارات المتعاقبة للمجلسين الوطني والمركزي واجتماعات الأمناء العامين
وغيرها.
من باب أولى، أن تجري مقاطعة انتخابات (اقرأ
تعيينات) المجلس الوطني الفلسطيني، والانسحاب من منظمة التحرير، أو وقف محاولات
الانضمام إليها، طالما أن أوسلو هو السبب الجوهري وراء المقاطعة والتحفظ، أقله حتى
لا يقع الفصيلان في منزلق التناقض والازدواج.
نقول ذلك ونحن لا نوافق
"الجهاد" على قرار المقاطعة، ونتفهم تحفظ "الشعبية" على بيان
القاهرة، سيما إن لم يَحُلْ تحفظها دون مشاركتها في الانتخابات التشريعية القادمة.
ولقد علمنا أن "الجهاد" جادلت بوجوب
الفصل بين عضوية المجلسين، الوطني والتشريعي، فلا يصبح أعضاء التشريعي المنتخبين،
أعضاء تلقائيين في المجلس الوطني، والسؤال هنا، إن كان هؤلاء أصحاب الحيثيات
الشعبية المعترف بها، والمقررة في صناديق الاقتراع، ليسوا الأولى بعضوية المجلس
الوطني، فمن هي الشخصيات الأولى منهم؟ من هي الشخصيات الأكثر تمثيلا لشعبها، لتكون
الأحق بعضوية المجلس الوطني لمنظمة التحرير؟
نفهم أن الجهاد تريد
"تمثيلا" ولو بالتعيين (المحاصصة) في المجلس الوطني، ونفهم أن عدد
المعينين المقرر من الداخل هم 18 عضوا (ثمة احتمال لزيادة هذا العدد)، بالكاد
يكفون لتمثيل فئات لم يحالفها الحظ بالتمثل عبر صناديق الاقتراع (مكونات دينية
واجتماعية وثقافية وفصائلية وغيرها)، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون سببا لفصل مصطنع
بين عضوية المجلسين، أقله حفاظا على "الصفة التمثيلية" التي يتحلى بها
أعضاء "التشريعي".
نريد لـ"الجبهة"
و"الجهاد" أن تكونا جزءا من المجلسين التشريعي والوطني، وأن تخوضا غمار
الانتخابات المقبلة، فإن كان لهما أو لأي منهما، اعتراض أو تحفظ على
"السياسة"، فلهما أن تختارا عدم المشاركة في الحكومة، والاحتفاظ
بمواقفهما السياسية والفكرية كما هي، والقيام بدور الرقيب والحسيب، على أداء
السلطة والمنظمة، ومن موقع المعارضة من داخل "النظام السياسي"
الفلسطيني، وليس من خارجه.