سوف أبدأ مقالي من الآخر.
فأنا أدعو إلى ترشيح مروان
البرغوثي لرئاسة فلسطين.
أعرف أن هذا الكلام سيبدو للبعض غير واقعي،
فمروان البرغوثي أسير في سجون الاحتلال، ومحكوم بخمسة مؤبدات.
أكثر من ذلك، فقد تعمد سلطات الاحتلال إلى وضع
مروان في السجن الانفرادي ومنع الزيارات عنه.
اقتراحي واقعي عكس ما يظنه البعض.
السؤال هو عن معنى الواقعية.
فللواقعية في رأيي معنيان: المعنى الأول هو
الرضوخ للواقع كما هو، أي الاستسلام، ومداراة الأمور في انتظار تغير ما، لا نعلم
متى وكيف سيأتي.
إذا تبنينا هذا النوع من الواقعية السلبية في
بلادنا، أي في فلسطين ولبنان وغيرهما من أمصار المشرق العربي، فهذا يعني الاستسلام
لموتنا البطيء، وللتعفن الذي يضرب مفاصل حياتنا. فالواقع وقع، وتحوّل إلى واقعة؛
أي كارثة. هذه الواقعية ليست واقعية إلا من حيث الشكل، إذ ليس من الواقعي أن نفقد
غريزة البقاء.
المعنى الثاني هو الحلم
بتغيير الواقع. فالحلم هو أكثر الخيارات واقعية، لأنه ينبع من غريزة الحياة نفسها،
ويقود البشر إلى العمل على تغيير أوضاعهم والثورة على الظلم والاستبداد والمهانة.
حلم التغيير هو الواقعية، لأنه يفتح احتمالات
الواقع المتعددة، أما الرضوخ فيقود إلى خسارة الواقع وخسارة الحاضر والمستقبل أيضا.
لماذا مروان البرغوثي اليوم؟
الانتخابات التي نأمل أن
تجري في مواعيدها، تجري في بلاد محتلة.
لم يعد أحد يصدق أن هناك
حكما ذاتيا في فلسطين، أو أن السلام ممكن مع دولة عنصرية قائمة على إذلال السكان
وقتلهم وابتلاع الأرض والانتقام من الطبيعة وتجريفها.
أنظروا إلى مدن فلسطين
وقراها، فسترون كيف يعبث جيش الاحتلال بكل شيء، يدخل البيوت متى يشاء ويقمع ويعتقل
ويقتل من دون رادع.
هذا الواقع له اسم واحد، هو
الاحتلال.
انظروا كيف يعربد المستوطنون
بحماية حراب الجيش الإسرائيلي، ينهبون الأرض، يقتلون الناس، يجرفون الزيتون بوحشية
الحاقد على المكان، ويدّعون أن هذه الأرض التي تظلل مقابرها أشجار الزيتون هي ملك
لهم، أعطاهم إياها الله. ويتعاملون مع النص الديني بوصفه صك ملكية.
فلسطين أسيرة، وإذا بحثنا
عنها اليوم، فلن نجدها إلا في السجون الإسرائيلية، وعند بعض الكوادر التي حفظت
الأمانة، وهي مهددة بالاعتقال والموت في أي لحظة.
فلسطين يحملها وليد دقة
وأحمد سعدات، وعبد الرازق فراج وثائر حمّاد، وألوف الأسرى الذين يصنعون كل يوم
تاريخا معجونا بالألم والصمود.
فلسطين أسيرة، وتحتاج إلى
قيادة تشبهها.
نحن نعلم أن المسألة لا
تتعلق بفرد مهما علا شأن نضاله وتضحياته، المسألة تتعلق ببنية قيادية ترهلت
واعتادت التنسيق مع المحتل، وأنِست إلى غض الطرف عن ممارساته وامتهانه للكرامة
والحياة.
على القيادة أن تشبه البلاد
والناس، لا أن تكون سلطة من لا سلطة له سوى التسلّط على الناس.
المسألة تتعلق بتحريك المياه
الآسنة التي خنقت ينابيع ما تبقى من حياة بعد هزيمة الانتفاضة الثانية التي
أوصلتنا إلى واقعية سلبية عممت الانتهازية والفساد.
قيادة تستعيد نضالات كتائب
شهداء الأقصى ومنظمات الفدائيين المختلفة التي صنعت ملحمتي مخيم جنين والبلدة
القديمة في نابلس عام 2002.
قيادة تتكلم لغة الفدائيين، الذين صنعوا ملاحم
قلعة الشقيف وحكاية صمود بيروت.
مروان البرغوثي لا يلخص وحده هذا النبض
الجديد، لكن ترشيحه وانتخابه سوف يكون بارقة لاستعادة شرارة الضوء الفلسطيني.
ومع هذا التحول الكبير يجب
أن تبدأ ورشة إعادة بناء المعنى.
أسير يقود بلادا أسيرة.
هذا الاحتمال ليس خياليا، فلقد سبق لحركات
التحرر أن عرفته، من بن بيلا ورفاقه في الجزائر، إلى نيلسون مانديلا في جنوب
إفريقيا.
إذا قارنا واقع فلسطين بواقع البلدان الأخرى
التي تحررت من الاحتلال والعنصرية، فسنجد أن الهول تجمّع كله هنا.
استعمار استيطاني، أشد شراسة ووحشية من
الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر، لأن استعباد السكان الذي يمارسه يحمل في
داخله مشروع طردهم وإبادتهم.
وعنصرية أكثر استعلاء وفتكا من عنصرية
المستوطنين البيض في جنوب إفريقيا، لأنها تحمل بالإضافة إلى الإرث الكولونيالي
والعرقي، شعورا بالتفوق الديني وبقيامية مجنونة.
وحصار شامل وصل إلى ذروته مع أنظمة التطبيع
العربية، التي تبيعنا أرضا في المريخ، بينما تدعم من يستولون على الأرض، وتنبطح
أمام المستوطنين الذين يصادرون أرضنا ويبيعون منتجاتها.
هذا الواقع يجب أن يقع، أو يجب الاعتراف بأنه
وقع، وهذا يحتاج إلى انتفاضة فلسطينية شاملة.
تبدأ الانتفاضة على المستويين
الأخلاقي-الثقافي، والسياسي. أخلاق جديدة قائمة على التضامن الاجتماعي والعدالة
والمساواة والتضحية والوفاء، وثقافة جديدة تبني من جديد موقفا إنسانيا مناهضا
للعنصرية والطائفية.
وسياسة جديدة ميزتها وضوح الرؤية واستعادة لغة
المقاومة.
هذه الانتفاضة هي الممر الطبيعي لعودة اللحمة
إلى قطاعات الشعب الفلسطيني المختلفة، هنا في الشتات وهنا في الأرض المحتلة.
ترشيح مروان بصفته النضالية هو الخطوة الأولى.
لأجل كل ذلك نريد مروان البرغوثي رئيسا.
أسير يقود بلادا أسيرة نحو حريتها.