قالت الحقوقية الفرنسية، ألبان دي روشبرون، إن مصر على أعتاب "فوضى عارمة"؛ بسبب ممارسات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي قالت إنه ليس شريكا موثوقا به، مؤكدة أن النظام المصري أبعد ما يكون عن الاستقرار في ظل القمع الجماعي الذي يحدث، فضلا عن أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أسوأ بكثير عما كان عليه في سنة 2011.
وأكدت روشبرون، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "فرنسا والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية كبيرة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؛ فهم مسؤولون من خلال موقفهم السلبي تجاه الوضع الراهن، بينما كان بوسعهم الرد على موجات القمع المتتالية لنظام السيسي، لكنهم امتنعوا عن ذلك".
وشدّدت الحقوقية الفرنسية على أن "الوضع الحالي يمكن أن يستمر لفترة أطول، ومن الضروري أن يقوم كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة بإعادة النظر في موقفهم تجاه السيسي".
وتاليا نص المقابلة مع "ضيف عربي21":
ما رؤيتكم لأوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
لقد أصبحت مصر دولة نظام شمولي، وضع حقوق الإنسان فيها كارثي، وعلى الناس أن يدركوا خطورة ذلك؛ فمصر يحكمها نظام عسكري غير مُنتخب، وكانت انتخابات 2018 محاكاة ساخرة، مع غياب تام للمساءلة أمام المصريين، ولا توجد أي مناقشات علنية حقيقية على الإطلاق، وهذا يعني أن جميع أقوالك وأفعالك السلبيّة تجاه مصر أو الحكومة أو الإشارة إلى أن السيسي والجيش يريدان إحكام قبضتهما على البلاد يمكن أن تنقلب ضدك بأبشع الطرق، حيث يمدد البرلمان باستمرار قانون الطوارئ، حتى يحظى الرئيس والجيش بالمزيد من النفوذ القمعي المتجدد.
والصحفيون والمحامون والناشطون الحقوقيون واليساريون والليبراليون والإخوان المسلمون والأطفال، الجميع مستهدفون في مصر اليوم؛ فعندما تجرأ الطاقم الطبي الذي يواجه جائحة كوفيد-19 على الحديث والشكوى من نقص المعدات تم اعتقالهم.
اليوم، هناك أكثر من 60 ألف شخص مُحتجزون لأسباب سياسية في ظروف فظيعة، ومن بينهم مراهقون ومرضى وأطفال، ووثّقت المنظمات غير الحكومية جميع هذه التجاوزات بشكل جيّد سواء ممارسة التعذيب، وإساءة استغلال الحبس الاحتياطي الذي يمتد لفترات طويلة.
وللأسف، هذا لا يغطّي سوى جزء ضئيل من انتهاكات حقوق الإنسان التي اُرتكبت في مصر خلال السنوات الماضية. هناك الكثير لقوله بشأن فرض السلطة بالقوّة وانعدام العدالة من أجل الضحايا.
لماذا أعلنتم دعمكم لحملة "إفراج" التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في السجون المصرية؟
منذ سنة 2013، مات أكثر 1200 سجين في الحبس، من بينهم الرئيس مرسي، الذي اُحتجز في الحبس الانفرادي لأكثر من 6 سنوات، وأُجبر على النوم على الأرض، لكن هذا يشمل أيضا رجالا ونساء من عامة الناس الذين يتعرضون لظروف الاعتقال غير الإنسانية.
قبل أيام قليلة أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا جديدا يصف وضع السجناء الذين حُرموا من كل ما يحتاجه الإنسان الطبيعي للعيش حتى خلال جائحة كورونا، إذ كانت الزنزانات مكتظة حيث تُخصّص مساحة متر مربّع فقط لكل سجين. وأطلب منكم أن تتوقّفوا للحظة وتتخيّلوا ما يعنيه العيش في مساحة متر مربّع لسنوات.
يعاني المعتقلون من قلّة وسوء التغذية، وانعدام الهواء النقي والضوء، والزنزانات الضيّقة. كما أنهم محرومون من الرعاية الصحيّة الملائمة. يجب أن يفهم الناس أن ظروف عيش المعتقلين تجعلهم عرضة لمشاكل صحيّة خطيرة ومدمّرة بشكل كامل. هناك بين الأسرى مَن هم أكثر عرضة للخطر بسبب سنّهم وحالتهم الصحية المتدهورة، ما المغزى من إبقائهم محبوسين؟، وما المغزى من إبقاء مدافع عن حقوق الإنسان يبلغ من العمر 62 سنة ويعاني من ضغط الدم وقصور كلوي حاد في الاحتجاز بتهمة الخيانة لأكثر من سنتين.
هناك أكثر من 7 آلاف سجين تزيد أعمارهم عن 60 عاما، و15 ألفا يعانون من مرض خطير، وهم لا يُشكّلون أي تهديد أمني على الإطلاق إذا جرى إطلاق سراحهم. يمكن أن يبرهن السيسي بسهولة عن حسّه الإنساني وحسن نيته للعالم بفعل ذلك لو أراد.
كيف تنظرون لقيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمنح نظيره المصري عبدالفتاح السيسي وسام جوقة الشرف؟
إن تكريم السيسي بمنحه وسام جوقة الشرف إهانة مشينة، وليس لها داع من قِبل الرئيس ماكرون. علاوة على ذلك، أُقيم له حفل التكريم بشكل سري، وعلمت وسائل الإعلام الفرنسية عن الوسام من خلال الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية المصرية، حيث إن الرئيس ماكرون عرف أن الأمر لن يمر مرور الكرام، وهو يحاول إخفاء ذلك. هذا أمر مخز حقا، وأريد أن أقدم احترامي إلى الكاتب والمفكر الإيطالي، كورادو أوجياس، الذي أعاد وسام جوقة الشرف في موقف احتجاجي.
ما أسباب الدعم الفرنسي للسيسي؟ وإلى متى سيستمر هذا الدعم؟
اختارت الحكومة الفرنسية أن تصدق أو على الأقل تتظاهر بتصديق مزاعم السيسي عن الاستقرار ومكافحة الإرهاب على الرغم من أنها كذبة واضحة لا يتعلق الأمر بالاستقرار، بل في الواقع بالسيطرة والسلطة والجشع. فرنسا تريد بيع السلاح والسيسي وشركاؤه اشتروا أسلحة بالمليارات، وهذا كاف للحكومة الفرنسية لتغمض أعينها عن وضع حقوق الإنسان على الرغم من أن ذلك يعتبر خطأ فادحا.
بالطبع العلاقة المميزة مع مصر تأتي أيضا في نطاق الخيارات الاستراتيجية الأكبر في المنطقة، حيث لا ترتبط الدول دائما بالنظام نفسه بشكل مباشر، ولكن بصرف النظر عن ذلك أعتقد أن الأمر لا يتعلق فقط بالأسلحة أو الأعمال الصناعية الكبرى؛ فقد اعتادت فرنسا لعقود على "مزاعم الرجل القوي" التي استخدمها مبارك، وزين العابدين بن علي في تونس، وجميع الصيغ المختلفة لهذه الرواية بما في ذلك كل التهديدات المزعومة التي يشكلها الإسلام السياسي. خلال هذه السنوات، لم تحاول فرنسا حتى معرفة المزيد عن معارضي وأتباع هذه الأنظمة، لم تتعرف عليهم ببساطة.
اليوم، تتصرف فرنسا وكأن فترة 2011-2013 جلبت الحرية، والسيسي كان مجرد خليفة لمبارك، لكن فرنسا فشلت في إدراك أن مصر بالفعل على أعتاب فوضى عارمة، وأن نظام السيسي ليس شريكا موثوقا به، وأنه غير مستقر على الإطلاق، وأنه على الرغم من الفشل الواضح للربيع العربي فإن تطلعات الديمقراطية لم تختف على الإطلاق، بل كانت تلك مجرد بداية لعملية طويلة ستستغرق سنوات.
أعلم أن العديد من الأكاديميين الفرنسيين حاولوا إثبات ذلك للحكومة الفرنسية وإخبارها أن حجة الاستقرار ليست إلا حجة واهية وسطحية، ولكن من الواضح أنهم لم يجدوا آذانا صاغي. كما أعلم أن العديد من الدبلوماسيين الفرنسيين محبطون للغاية بسبب القرارات التي اتُخذت في السنوات الأخيرة.
أخيرا، يبدو لي أن موضوعات حقوق الإنسان وسيادة القانون ليست شائعة كثيرا في الوقت الراهن لدى الرأي العام الفرنسي، وأعتقد أنه فيما يتعلق بالشؤون الخارجية فإن حجة الاستقرار في الواقع راسخة بقوة في الرأي العام وفي فرنسا أيضا.
هل فرنسا وأوروبا تتحملان جانبا من المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؟
تتحمل كل من فرنسا والاتحاد الأوروبي مسؤولية كبيرة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. أولا، هم مسؤولون من خلال موقفهم السلبي تجاه الوضع الراهن باعتبارهم شركاء استراتيجيين في العديد من المناسبات كان بوسع فرنسا والاتحاد الأوروبي الرد على موجات القمع المتتالية للنظام، لكنهم امتنعوا عن ذلك.
بالنظر إلى مدى حاجة مصر إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بإمكانهم استخدام أساليب الضغط على النظام لوقف هذا القمع أو على الأقل للتخفيف من حدته، لكنهم اختاروا أن يكون موقفهم سلبيا، وهذا الصمت يجعلهم متواطئين مع النظام على الرغم من أن برلمان الاتحاد الأوروبي أبلى بلاء حسنا بتبنيه قرارات صارمة، إلا أن الجانب التنفيذي للاتحاد الأوروبي فشل في حشد الإرادة السياسية لتغيير الأوضاع على الرغم مما يريدون منا أن نصدقه.
رغم ما يواصل الاتحاد الأوروبي قوله للمدافعين عن حقوق الإنسان، إلا أنه لن يستطيع إحداث تغيير من خلال الهمس بعبارات المعارضة في كواليس الاجتماعات مع نظرائهم المصريين، بينما لا يزال يوافق على إبرام صفقات شراكة وقروض ومنح دون وضع شروط تقضي بإحداث إصلاحات ملموسة على مستوى حقوق الإنسان، وكذلك على المستوى الديمقراطي، لكن الأهم من ذلك أنه من خلال بيع الأسلحة للسيسي التي استخدمها ضد المدنيين المصريين سواء في سيناء أو في ساحات المظاهرات أو كأدوات مراقبة ضد المعارضين فإن الأوروبيين والفرنسيين ساهموا في استمرار هذا القمع لقد سمحوا بحدوثه.
لقد أصبحت فرنسا من أنصار القمع في مصر، حيث تم استخدام شاحنات من طراز رينو والعربات المسلحة ضد المتظاهرين السلميين في مصر، وزوّدت الشركات الفرنسية النظام بالتقنيات اللازمة للتجسس على مواطنيه، واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين والمثليين والكتّاب وما إلى ذلك.
هل تدهور أوضاع حقوق الإنسان سيزداد أكثر خلال الفترة المقبلة أم لا؟
أنا أعتقد أن التغيير في الإدارة الأمريكية سوف يقدّم إغاثة لوضع حقوق الإنسان في مصر. خلال حملته الانتخابية، انتقد جو بايدن ديكتاتورية السيسي بشدّة، ولا يسعنا إلا أن نأمل أن يتمسك هو ووزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن بوعودهما، حيث قال بايدن سابقا: "لن يكون هناك شيك على بياض لديكتاتور ترامب المفضل"، ما قد يعني أن الولايات المتحدة ستشترط على مصر أخيرا إصلاحات حقيقية على مستوى حقوق الإنسان، وآمل أن تؤثر على جانب تعزيز الديمقراطية أيضا، كما آمل أن يتم إطلاق سراح العديد من السجناء السياسيين من خلال هذا التأثير، لكن حقوق الإنسان لا تقتصر على سلامة السجناء السياسيين.
بالطبع، أي تقدم من هذه الناحية سيكون مرحبا به، إلا أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي سجناء سياسيين في المقام الأول. ولمحاربة الفساد يجب أن يكون كل من استقلال القضاء، وحرية التعبير، والديمقراطية التي تقع جميعها تحت مظلة حقوق الإنسان، جزءا من لعبة النفوذ.
ما خطورة استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان على الاستقرار في مصر؟
هذا السؤال بالغ الأهمية. أعتقد أن الواجب الأخلاقي الذي يقع على عاتق البشر تجاه بعضهم البعض من شأنه أن يكون كافيا لخلق وضع حقوق إنسان ثوري. إن معرفة أن المدرعات فرنسية الصنع قد اُستخدمت ضد المظاهرات السلمية. لا بد أن تكون كافية لحظر تصدير الأسلحة إلى مصر، وحقيقة أن الرئيس المنتخب ديمقراطيا الأول والوحيد لبلد ما قد توفي بسبب الإهمال الطبي بعد سنوات من الحبس الانفرادي يجب أن تكون كافيا لعدم منح رئيس ذلك البلد (السيسي) وسام جوقة الشرف.
إن حقيقة أن الأطفال وأمهاتهم وإخوانهم قد اختفوا قسريا، واُحتجزوا مع الكبار، وتعرضوا للتعذيب على أساس روتيني، يجب أن يكون كافيا، لأن نبذل قصارى جهدنا لوضع حد لذلك.
لكن الرد المعتاد الذي يتلقاه ناشطو حقوق الإنسان هو أن مصر شريك استراتيجي في المنطقة وفي محاربة الإرهاب أو أن المصالح الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي ودول أخرى أكبر من أن يُقدموا على المخاطرة بالديمقراطية هناك، وأنا أرى أن تلك الاستراتيجية سطحية للغاية ومستهترة تجاه السكان الأوروبيين.
إن نظام السيسي أبعد ما يكون عن الاستقرار في ظل القمع الجماعي، فضلا عن أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي أسوأ بكثير مما كان عليه في سنة 2011؛ فقد ارتفع معدل الفقر بنسبة تزيد عن 20%، وتضاعفت الديون ثلاث مرات، ويُعد وضع القطاع الخاص قاتما، بينما يسيطر الجيش على معظم الاقتصاد، ولا يفعل ذلك بشكل جيد بالتحديد لكونه مدفوعا بالفساد.
لكن ما يختلف عن سنة 2011 هو تدمير السيسي للقوى السياسية. لقد دمر القوى السياسية والاجتماعية التي كانت قادرة على تحويل الثورة إلى حدث بنّاء. ولذا أعتقد أن مصر في الواقع على عتبة الفوضى العارمة.
إن القمع يغذي التطرف، وبالفعل، تحولت بعض زنزانات السجون إلى مراكز تجنيد لتنظيم الدولة، وفي سيناء، يتعرض المدنيون لهجمات ومضايقات مستمرة من قِبل الرقباء والميليشيات والجيش دون أي منظور للعدالة، ولا تزال القضايا الأساسية التي تواجهها البلاد مثل ندرة المياه، لا تزال مُهمّشة دون معالجة.
في حين أن عدد سكان مصر يبلغ مئة مليون نسمة قد يُترك الكثير منهم بلا خيار سوى الفرار إذا ساءت الأمور. حينها، لن يذهبوا إلى ليبيا أو إسرائيل، لأنهم سوف يذهبون إلى أوروبا.
لا أرى أن الوضع الحالي يمكن أن يستمر لفترة أطول. وبالتالي فمن الضروري أن يقوم كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة بإعادة النظر في موقفهم تجاه النظام المصري.
عصام حجي لـ"عربي21": تداعيات خطيرة لتآكل شواطئ مصر
"عربي21" تحاور حسن نافعة في الذكرى العاشرة لثورة يناير
بهي الدين حسن لـ"عربي21": نزيف الثقة بالسيسي قد يطيح به