صحافة دولية

موقع فرنسي: اغتيال لقمان سليم بلبنان.. لماذا الآن؟

يعدّ وزير المالية السابق محمد شطح الذي اغتيل في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2013 آخر ناشط سياسي وقعت تصفيته- جيتي

نشر موقع "لوريون لو جور" الفرنسي تقريرا سلط من خلاله الضوء على حيثيات اغتيال الناشط السياسي اللبناني لقمان سليم والأطراف المستفيدة من تصفيته.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"؛ إن اغتيال لقمان سليم الذي عُثر على جثته صباح الخميس، يبدو وكأنه تذكير مرير بالواقع السياسي، في وقت يواجه فيه لبنان العديد من الأزمات الوجودية المتشعبة والمتشابكة.

وأشار الموقع إلى أن التخلص من جميع الأصوات المعارضة للمحور الإيراني السوري، شكّل السياسة في لبنان طيلة عقد من الزمان، وساهم إلى حد كبير في إثارة الجدل حول تحالف 14 و8 آذار/ مارس.

 

ويعدّ وزير المالية السابق محمد شطح الذي اغتيل في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2013، آخر ناشط سياسي وقعت تصفيته في قائمة طويلة من القتلى، وذلك عن طريق عمليات منسوبة إلى ما يسمى بمحور المقاومة.

ومع أن طريقة اغتياله لا تشبه الطريقة التي نُفذت بها عمليات الاغتيال السابقة، سواء من الناحية اللوجيستية أو التوقيع السياسي، إلا أن اغتيال لقمان سليم ينطبق عليه المنطق نفسه، حيث تتجه أصابع الاتهام نحو حزب الله، وذلك بناء على عناصر مثل مكان الاغتيال والدافع والسياق العام.

 

ونفى حزب الله رسميا مسؤوليته عن مقتل سليم، داعيا للتوقف عن كيل الاتهامات، مدينا في الوقت نفسه الجريمة.

 

وعُثر على الناشط السياسي الشيعي - المعروف بانتقاده الشديد لحزب الله، الذي تعرض للتهديدات في مناسبات عديدة - مقتولا بخمس رصاصات؛ أربع منها في الرأس وواحدة في ظهره في سيارته في بلدة تفاحتا في الجنوب.

 

اقرأ أيضا :  تخوف وغضب بين النشطاء بعد اغتيال ناشط سياسي في لبنان

 

وتساءل الموقع لماذا نُفذت عملية الاغتيال الآن؟ ولماذا عادت الاغتيالات مرة أخرى في سياق يهيمن فيه الحزب الشيعي على المشهد السياسي اللبناني، هذا إذا كان حزب الله بالفعل الجهة المسؤولة عن اغتيال لقمان سليم؟

 

وعادة ما تكون الاغتيالات السياسية علامة على الشعور بالقوة وفي الوقت ذاته بالتهديد، لكن الهدف يظل نفسه دائما، وهو التخلص من كل عنصر مثير للإزعاج، وترهيب كل من قد يفكر في انتقاد السياسة المتبعة.

وأوضح الموقع أن حزب الله يواجه انتقادات متزايدة من الرأي العام الشيعي في لبنان منذ احتجاجات 17 تشرين الأول/ أكتوبر.

 

ولكن هذه الانتقادات لم يعد مصدرها الأصوات المعارضة أو الدوائر الليبرالية في لبنان، التي ينتمي لها لقمان سليم، والتي وصفها حزب الله وأنصاره بأنهم عملاء يتلقون أمولًا من العدو الأمريكي؛ بل باتت متأتية أيضا من الأوساط الموالية تقليديا للحزب.

 

وسبب هذه الانتقادات هو تحالف حزب الله مع حركة أمل، وغضه الطرف عن الفساد، وتحول جناحه العسكري إلى حالة عسكرية إقليمية تتدخل في سوريا والعراق، وبدرجة أقل في اليمن.

بالنسبة للأمين العام للحزب حسن نصر الله والجناح العسكري للحزب، فإنهما لا يزالان يمثلان خطا أحمر في نظر الغالبية العظمى من الأنصار.

 

وتعطي قضية قاسم قصير التي أثارت الجدل في كانون الثاني/ يناير، لمحة عن التوتر الذي يحرك الشارع الشيعي حاليا.

 

لقد تعرض هذا المفكر المقرب من حزب الله لموجة انتقادات من قبل أنصار الحزب الشيعي، بعد أن صرح في مقابلة تلفزيونية بأن الحزب بحاجة إلى أن ينأى بنفسه عن إيران، وقد أجبِر على التراجع عن هذا التصريح تحت ضغط شعبي.

السياق الإقليمي

في ظل الضغط المحلي والإقليمي، ربما أراد حزب الله إرسال رسالة مفادها أنه لم يعد قادرا على تحمل أي معارضة.

 

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تحدث مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، مع عشرات الشخصيات الشيعية المعروفة بمعارضتها لحزب الله بمبادرة من النشاط السياسي لقمان سليم.

وأشار الموقع إلى أن حزب الله يمر بلحظة تناقض، إذ لم يتمتع من قبل بهذا القدر من القوة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ولكن لم تكن هيمنته موضع تشكيك مثلما هي عليه الآن.

 

بدأ الحزب يخسر دعم الشارع المسيحي الذي يحمّله مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وانفجار ميناء بيروت.

 

ولعل أكثر تهديد بالنسبة له، خسارة التحالف الوطني الذي سمح له بتجاوز قاعدة الناخبين الشيعية. من هذا المنطلق، قد يكون اغتيال لقمان سليم فرصة يذكّر بها حزب الله خصومه وحلفاءه بما يستطيع القيام به، في سبيل الحفاظ على مكاسبه.

تتنزل هذه الحادثة المأساوية في سياق إقليمي، تكثف فيه المليشيات الموالية لإيران عمليات الاغتيال ضد كل من يجرؤ على تحديها في العراق.

 

ولعل آخر ضحايا هذه التصفيات، الخبير في الجماعات الجهادية هشام الهاشمي، الذي قُتل خارج منزله في بغداد في السادس من تموز/يوليو.

 

ومنذ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020 في عملية تبنتها الولايات المتحدة، يبدو أن طهران خففت من لهجتها التصعيدية تجاه واشنطن، بينما زادت على أرض الواقع الضغط على الشعوب المحلية التي تريد إخضاعها لهيمنتها.

وذكر الموقع أنه بعد سنوات من تحمل سياسة الضغط القصوى التي اتبعها إدارة دونالد ترامب، والهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقعها في العراق وسوريا، تأمل طهران أن تدخل في هدنة مع إدارة جو بايدن، الذي سبق أن أعرب عن نيته إحياء الاتفاق النووي.

وخلص الموقع إلى أن اغتيال لقمان سليم ينطوي على خطر التسبب في المزيد من الاستقطاب السياسي في الشارع اللبناني، الذي يشهد بدوره انقسامات واضحة جدا حول السياسة التي ينبغي تبنيها مع حزب الله.

 

ومن شأن هذه الحادثة أن تدعم موقف أولئك الذين يعدّون أن الإصلاحات لن تكون إلا صورية، طالما أن البلاد تخضع لسيطرة قوة مسلحة ترتبط أجندتها إلى حد كبير برغبات طهران.