سياسة عربية

أزمة تونس السياسية.. بين المواجهة أو الحوار أو الانسحاب

مع رفض سعيد أداء الوزراء الجدد اليمين تصل الأزمة السياسية في تونس إلى ذروتها- الرئاسة

أكدت مصادر موثوقة لـ"عربي21" أن رئيس الحكومة هشام المشيشي سيجتمع مساء اليوم مع الكتل البرلمانية الداعمة له لدراسة الحلول الممكنة لتجاوز أزمة تسلم الوزراء الجدد لمهامهم في ظل رفض رئيس الجمهورية لبعض الأسماء بشبهة فساد وتضارب مصالح.

وبمرور الساعات تشتد الأزمة السياسية بتونس لتصل ذروتها، حيث أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد تمسكه برفض أداء اليمين للوزراء الجدد (11 وزيرا) بعد أكثر من أسبوع على منحهم الثقة من البرلمان. وعلى الطرف المقابل يقول رئيس الحكومة إن تسلم الوزراء لمهامهم مسألة وقت والبلاد لا تتحمل الفراغ، وبين الطرفين حزام برلماني داعم لقيس سعيد وآخر يتهم سعيد بتعطيل الحكومة من منطلق إرادته السيطرة عليها وعلى رئيسها.

غياب المحكمة الدستورية للفصل في الخلاف الدائر يجعل من رئيس الجمهورية الحكم في تأويل الدستور على الرغم من إجماع أساتذة القانون الدستوري على أن سعيد خرق الدستور، وعليه قبول أداء اليمين وترك الحكومة تعمل، ورفضه يعني المرور إلى الإجراء المستحيل (مباشرة المهام دون يمين).

يجمع المتابعون للوضع السياسي بتونس أن البلاد في أزمة وقطيعة تامة بين السلطات، ولكنهم يختلفون في إيجاد مخرج؛ فانقسموا بين من يدعو إلى مواصلة الحوار والوساطة والإجراء المستحيل كحل أخير، وبين من يدعو رئيس الحكومة إلى الانسحاب أو سحب الوزراء الذين هم محل خلاف.

حلول

أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة فتحي العيادي في تصريح لـ"عربي21" أن "الحل الأمثل للأزمة أن يقبل رئيس الدولة بالوزراء الجدد لأن أغلب القراءات الدستورية تؤيد ذلك، ولكن وأمام رفضه وبلوغنا هذه المرحلة من الأزمة فإن حركة النهضة تؤكد دعمها لرئيس الحكومة والتحوير وتترك الأمر للمشيشي إما أن يختار تمرير كل القائمة عبر الإجراءات التي يراها وتكون قانونية ومناسبة، أو أن يطلب بعض الوزراء الاستعفاء".

من جهته أفاد رئيس الكتلة الديمقراطية عبد الرزاق عويدات في تصريح لـ"عربي21" أن "الإشكال يمكن حله بقبول رئيس الجمهورية أداء اليمين للوزراء الذين ليس بشأنهم إشكال مع رفض من تحوم حولهم شبهات وهذا حل، في المقابل على رئيس الحكومة أن يغير الأسماء محل الخلاف وعددهم أربعة في مجلس الوزراء".

 

والوزراء الأربعة هم وزير الصحة الهادي خيري، ووزير الطاقة والمناجم سفيان بن تونس، ووزير التكوين المهني والتشغيل يوسف فنيرة، ووزير العدل يوسف الزواغي.

ودعا النائب عويدات الوزراء محل الخلاف إلى أن يتقدموا بطلب إعفاء وبالتالي حل الأزمة التي هي سياسية وليست قانونية، من وجهة نظره.

فيما يعتبر رئيس كتلة "تحيا تونس" مصطفى بن أحمد في تصريح لـ"عربي21" أنه "لا يوجد حل إلا بقيام رئيس الحكومة بخطوة إلى الوراء والتراجع من خلال سحب الوزراء الذين هم محل احتراز من رئيس الجمهورية، أو بالاستقالة وإعادة التكليف لرئيس الجمهورية".

حوار

يقول المحلل السياسي وأستاذ التاريخ المنذر القيطوني في حديث لـ"عربي21" إن "هذا الوضع، رغم سوئه فهو يحمل في طياته أسباب انفراج تلوح في الأفق القريب، حيث يحتّم على الجميع الوعي بأنهم في معركة استنزاف لا غالب فيها ولا مغلوب، وأنه لا حل إلاّ بالتخلّي عن أسلوب المغالبة والتحدّي والتصعيد، والتنازل من أجل ألا يغرق المركب بالجميع".

ويفسر القيطوني أسباب الانفراج "بترك الجوانب القانونية جانبا، ومراجعة التحوير الوزاري بشكل يرضي جميع الأطراف، وينزع فتيل الفتنة، ويبدو أن المخرج في ذلك هو تفعيل مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حول الحوار الوطني، وليكون الحوار فعالا وذا جدوى في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة لا تنتظر مزيد إضاعة الوقت، لا بد أن يكون الحوار ضيّقا بين الرئاسات الثلاث برعاية اتحاد الشغل".

المواجهة

في مقابل رأي الحوار والخروج من الأزمة يذهب الجامعي والباحث زهير إسماعيل في حديث لـ"عربي21" إلى أن "قيس سعيّد يريد إسقاط الحكومة في ظرف اقتصادي وصحي يشارف على الكارثة لغاية واحدة هي استعادة العهدة وتكليف شخصيّة تخضع له لتشكيل حكومة يكون فيها رئيس الحكومة وزيرا أوّل يتبع رئيس الجمهوريّة، وتكون العملية السياسيّة خارج ما يضبطه الدستور وأشبه بانقلاب على الدستور والنظام السياسي والمسار الديمقراطي".

ويتابع الباحث: "ليّ الذراع لن ينتهي هذه المرة إلا بكسر إحدى الجهتين، وستطبع نتيجة هذا الصراع كل ما سيأتي بعدها، فإمّا مسار يؤسس لبرنامج قيس سعيّد الذي سيؤدي بعد استقرار الأمر له إلى نفي الأحزاب التي تسانده الآن، فسعيد ليس ضد حزب وإنّما ضدّ الحزبيّة التي هي أساس الديمقراطيّة النيابية التي يرفضها".

أو أن هذا الصراع سيفضي إلى كسر الشعبوية وتمكين الوزراء من مزاولة عملهم دون أداء اليمين الدستوري لدواع واقعية (الأزمة الصحية خاصة) مع الاستئناس برأي أغلبية أساتذة القانون الدستوري واللجوء إلى القضاء.

ويحسم الباحث زهير إسماعيل رأيه بالقول: "الأمر لا يتعلّق بمواجهة بين رأيين تحت سقف الديمقراطيّة، وإنما هي معركة فاصلة بين الديمقراطيّة ومحاولة الانقلاب عليها وعلى الدستور الذي يؤسسها، ولهذا السبب فإن هذه المواجهة لن تنفع فيها الوساطات وسيحسمها ميزان القوى".

ويقف رأي الباحث إلى أن "الصراع في المشهد السياسي التونسي له شروطه المحلية، وله شروطه الإقليمية والدولية، ومن الواضح أن "الدولي" في معظمه يدعم استمرار التجربة الديمقراطيّة وهذا ما قد يجعل من الرئيس سعيّد أحد ضحايا هذه المواجهة".

خرق وانسحاب

يعتبر النائب السابق في المجلس الوطني التأسيسي مبروك الحريزي في تدوينة له أن رئيس الجمهورية خرق الدستور وبالتالي فهو يفقد شرعيته وبالتالي وجب تفعيل إجراءات عزله رغم غياب المحكمة الدستورية.


يصعب إيجاد مخرج للأزمة ولا بد من التنازل، "على المشيشي الانسحاب بالاستقالة باعتباره الحلقة الأضعف ورئيس الجمهورية لن يخرج لاستحالة الأمر سياسيا ودستوريا" موقف يذهب إليه أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك.