لا يمكن لعربي مجروح من الحفل أو العزاء -كتوصيف أدق- الذي أقيم في واشنطن لإعلان وفاة بعض العرب وتشييع عروبتهم لمثواها الأخير، إلا أن يحار في وصف ذلك الانكباب والانبهار والانصهار في شخص الإرهابي بنيامين نتنياهو وتحويله من قاتل، إلى شيخ مشايخ، وعقيد للحارة العربية.
سأكتب ما يرضي بعض الإخوة العرب الذين شاركوا في ذلك العزاء في واشنطن، فنحن كفلسطينيين نعتذر عن وجودنا في أرضنا لحظة قرار الصهاينة إقامة دولتهم، كان ينبغي أن نموت لا أن ندافع أو نهاجر، كان علينا أن نذوب تحت الأرض لتقيم إسرائيل دولتها دون إزعاج، نعتذر أننا صرخنا، ونعتذر أننا قاومنا، ونعتذر أننا هاجرنا، وتحولنا للاجئين نزعج ذاكرتكم، ونعكر صفو مزاج بعض إخواننا العرب الذين تحولوا من تمني "إلقاء إسرائيل في البحر"، إلى تمني أن يبتلع البحر الفلسطينيين ليرتاح الشيخ بنيامين، فقد توافقوا على صفاته العبرية النبيلة ليقود هذه المنطقة العربية، عفوا العبرية، فلا أريد أن أزعج الشيخ نتنياهو وبعض حوارييه العرب بالإصرار على وسم هذه المنطقة بالعربية.
وفي قراءة سياسية بعيدا عن الخواطر التي تفطر القلب، أود التأكيد على أن المسار الذي يعتقد بعض القادة العرب أنه مسلك تفرضه إكراهات السياسة يجانبه الصواب والمنطق وحتى البراغماتية السياسية، فكل المعطيات تقود إلى أن قرار التطبيع ووضع البيض في سلال إسرائيل هو مغامرة محكوم عليها الفشل، أتحدث هنا عن حسابات القادة، فإسرائيل التي تركت حلفاء أوفياء سابقين، هي ذاتها التي لن تتطوع في الدفاع عن حلفاء حاليين، إسرائيل التي تتحالف مع الرئيس السيسي هي ذاتها التي تتآمر على مصر وتدعم أثيوبيا في تهديد أمن القاهرة القومي، إسرائيل التي تركت الجنرال أنطوان لحد، هي ذاتها التي تخلت عن الأكراد وتركتهم يواجهون مصيرهم المحتوم بانقضاض دول الجوار كلها على حلمهم في إقامة دولتهم المستقلة، هناك في أربيل رفرف علم إسرائيل، كما رفرف فوق مقرات الجنرال لحد، كما يرفرف اليوم جنبا إلى جنب مع أعلام عربية في واشنطن.
رغم كل هذا المشهد السريالي، فإن هناك زاوية بالغة الأهمية، ينبغي أن يتم إبرازها، والكتابة والحديث عنها، وهي اطمئنانا المبني على تجربة وثقة ومعلومة بأن الشعوب الخليجية في البلدان المطبعة، وعموم الخليج العربي هي مع فلسطين قلبا وقالبا
جرب المصريون والأردنيون معاهدات السلام مع إسرائيل، جنى الأردنيون مياه الصرف الصحي، كانت خيانة إسرائيلية قبل أن يجف حبر الاتفاق حيث ضخوا للأردنيين مياها ملوثة بدلا من المياه العذبة التي نصت الاتفاقية عليها، كتلك الطعنة التي وجهها نتنياهو للإمارات بوضعه فيتو على استلامهم طائرات إف35، واصراره كذلك على انكار فكرة تجميد الاستيطان، فحتى ورقة التوت تلك يبخل بها نتنياهو على من وقعوا معه.
واختم بمثال حديث على غدر أمريكا وتل أبيب بحلفائهم، فلم تتحرك حاملة طائرات ولا طائرة ولا صاروخ أمريكي ولا إسرائيلي لحماية أرامكو كنز المملكة العربية السعودية الأسود من صواريخ الحوثيين التي كانت توجه برادارات إيرانية، على مرأى ومسمع من الشيخ نتنياهو والسيد ترمب الذي رقص " العرضة السعودية" وتعشى الكبسة قريبا من أرامكو في فاتحة زياراته للمنطقة.
من جهة أخرى، فإن إيران التي يتذرع بعض العرب بأن تحالفهم مع تل أبيب جاء كضرورة لمواجهتها، قد قدم لها المطبعون على مائدة من ذهب ذرائع إضافية لتبرير استهدافها لهم، فمعزوفة فلسطين هي اللعبة التي تجيدها طهران، وقد وجدت في خيانة تلك الدول للقضية الفلسطينية مبررا إضافيا للتحريض عليها، وربما استهدافها.
ورغم كل هذا المشهد السريالي، فإن هناك زاوية بالغة الأهمية، ينبغي أن يتم إبرازها، والكتابة والحديث عنها، وهي اطمئنانا المبني على تجربة وثقة ومعلومة بأن الشعوب الخليجية في البلدان المطبعة، وعموم الخليج العربي هي مع فلسطين قلبا وقالبا، ورافضة للمسار الذي اختاره بعض قادتهم، لكنهم مكرهون، ومغلوبون على أمرهم، فتاريخ نصرة تلك الشعوب للقضية الفلسطينية بالمال والدم لا يمكن أن يمحى أو ينسى، فالسعوديون والإماراتيون والقطريون والكويتيون والبحارنة والعمانيون هم من أكثر من تبرع بسخاء، وجاد بالمال والدعاء والوفاء لفلسطين وأقصاها، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ولا يكاد يخلو بيت خليجي من علم فلسطيني وكوفية، وصورة للحرم القدسي الشريف، وقبل ذلك وبعده قلوب محبة ومخلصة ووفية تنبض بالعروبة، وتضخ شرايينها حبا لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومهد السيد المسيح.
سوريا في بروتوكولات حكماء الكرملين
رسالة جديدة تدور في العالم العربي مفادها: أنقرة هي الهدف