مقالات مختارة

مغفّلو إسرائيل

1300x600
قامت الإمارات ومن بعدها البحرين باتخاذ خطوات في سبيل التطبيع بشكل رسمي مع إسرائيل. ما يسمونه تطبيع هو الأصل يقوم مع كيان تأسس بشكل غير طبيعي، وعارض كلّ قرارات الأمم المتحدة بشكل غير طبيعي؛ عبر احتلاله واستيلائه على الأراضي التي احتلها بغير حق، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، والحصار الذي يفرضه على الفلسطينيين من خلال بناء مستوطنات بشكل مستمر، وتحويل غزة بأكملها إلى معسكر اعتقال، إذن هذا التطبيع الذي يتحدثون عنه هو الامتثال لكيان خارج عن المألوف الطبيعي وعن الإنسانية.

على الرغم من الظلم والانتهاكات و"الإلحاق" التي يقوم بها هذا الكيان، فإن "التطبيع" معه أي مباركة هذه الممارسات هو في الأصل ليس إلا ذلة وعارا. وحينما يعرضون هذا الإذلال الذي لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل وحدها؛ على أنه نجاح فإنهم لم تعد أي صلة وصل تربطهم سواء بالعالم العربي أو الإسلامي.

وسائل الإعلام التي تقوم عليها الإمارات من أجل أن تشرعن هذه المذلة على أنها "تطبيع"، لم تتوقف عن التركيز على العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وذلك لأن أكثر دولة عارضت تلك الخطوات هي تركيا، فراحوا يسلطون الضوء على أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل قائمة أصلا وأن هناك تطبيعا قائما بينهما، كما أنّ تركيا هي أول دولة إسلامية تطبّع مع إسرائيل، وما شابه من هذا القبيل، متهمين تركيا بأن موقفها غير متسق، وفي الوقت ذاته يبررون لسياساتهم في الوقت ذاته.

خلال العديد من اللقاءات التي أجريت معي على العديد من القنوات العربية، تم توجيه هذه الأسئلة لي بشكل مباشر. حاولت الإجابة على جميع هذه الأسئلة قدر ما ساعدتني لغتي في ذلك، وسأسوق الأجوبة ذاتها هنا أيضا. إن العلاقات بين تركيا وإسرائيل لم تكن يوما ما بهذا الشكل من العلاقات التي تتبناها الإمارات. نعم صحيح، للأسف من كان يحكم تركيا حين تأسيس إسرائيل سارع للاعتراف بها بشكل بعيد عن الصواب. ولذلك فإن العلاقات الموجودة اليوم إنما تم تأسيسها في ذلك الوقت، إلا أن تلك العلاقات بعد تأسيسها لم تكن دائما سلسلة دون مشاكل، وهذا الوضع ينطبق على ما قبل العدالة والتنمية كذلك.

من جانب آخر، على الرغم من أن بعض الدول العربية أسست أيديولوجيتها بشكل كامل على كراهية إسرائيل، فإنها لم تمتنع يوما ما من تأسيس تعاون وثيق معها من تحت الطاولة يفوق حجم العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

إنّ العلاقات بين تركيا وإسرائيل في عهد العدالة والتنمية لم تتحسن؛ بل على العكس تراجعت وضعفت، كما أن تركيا قامت على الدوام باستخدام هذه العلاقات لصالح فلسطين والفلسطينيين لا العكس. إن تركيا خلال العشرين عاما الأخيرة لم تصمت يوما ما عن الانتهاكات الإسرائيلية أيّا كانت بل قامت بالاعتراض عليها وانتقادها والتحرك على المستوى الدوليّ من أجل إيقافها.

إن العلاقات بين تركيا وإسرائيل كانت طبيعية للغاية منذ تأسيسها، أما المستوى المنخفض وصلت إليه خلال الـ11 عاما الأخيرة، فإنه واضح أمام الجميع. كذلك اتفاقيات التعاون العسكري من قبيل تدريب الطيارين الإسرائيليين واستيراد تركيا للأسلحة من إسرائيل، فجميعها تم إيقافها.

وفي الحقيقة إن الثورة التي شهدتها تركيا في صناعاتها الدفاعية محلية الصنع، والاعتماد على نفسها في هذا الخصوص، إضافة إلى النجاحات منقطعة النظير التي حققتها في مكافحة الإرهاب، جميع ذلك كان دافعا لقطع ذلك التعاون الذي كان قائما مع إسرائيل.

إن المعلومات أو الصور التي كان يتم العثور عليها عبر الطائرات بدون طيار التي كانت تركيا تشتريها من إسرائيل، كان يتم مشاركتها مع منظمة بي كا كا الإرهابية أولّا قبل تركيا، ولذلك السبب لا نستغرب حينما يكون جزء من الأسلحة التي كانت تركيا تشتريها سابقا من إسرائيل، يتم توريده إلى الجبال حيث المنظمة الإرهابية.

على أي حال لم تكن العلاقات تلك تصب في صالح تركيا، لكن منذ الخطاب القوي الذي قاله الرئيس أردوغان في وجه رئيس إسرائيل آنذاك في دافوس، ومسألة سفينة مرمرة، تراجعت تلك العلاقات بشكل كبير. وعلى الإمارات والدول التي تسير على إثرها أن يأخذوا هذا المستوى مرجعا.

إن تركيا على الرغم من وجود علاقات شكلية لها مع إسرائيل اليوم، فإنها لم تصمت يوما ما عن تعرية والوقوف ضد الانتهاكات الإسرائيلية ومحاولات الضم و جعل القدس عاصمة لها، وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية من أجل توطين اليهود الذين تجلبهم إسرائيل من كل أنحاء العالم، لم تسكت تركيا عن كل هذا، بل إنها مستمرة في مواصلة وقوفها إلى جانب فلسطين وتناضل لأجل مصلحتها.

إن العلاقات الجديدة التي دخلتها الإمارات مع إسرائيل، تأتي في وقت تبرز فيه إسرائيل بأقسى صورة لها، وتمارس أشد أنواع الظلم ضد الفلسطينيين، بل وتمارس سياسات هي الأكثر عدوانية وغطرسة ضد فلسطين والعالم الإسلامي بأكمله.

هل الاتفاق الذي عقدته الإمارات سيجعل إسرائيل مثلا تتراجع عن أي من ممارساتها العدوانية خطوة نحو الوراء؟ أو هل حقق هذا الاتفاق أي مصلحة للشعب الفلسطيني؟ أو في الأصل هل اشترطت الإمارات شيئا من هذا القبيل؟ لا شيء على الإطلاق من هذا.

إنها مقاربة غريبة للغاية من يحث أنها تفتخر بعقد اتفاق من هذا النوع مع إسرائيل التي تلهث وراءها، وكأنها حققت نجاحا، بيد أنها لم توقّع سوى على مذلة. ومع هذا الحماس الأحمق والمخجل لم يحققوا شيئا سوى أنهم كانوا بجدار مغفّلي إسرائيل.

هل هناك أي جانب للمقارنة بين هذا وبين العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟

إن تركيا في أسوأ الظروف لم تقع في ذلة من هذا النوع أمام إسرائيل.

أما في هم فإنهم في أقوى ظروفهم في الوقت الذي لا يحتاجون فيه إلا إلى نية حسنة وقليل من التضامن، وبينما هم قادرون على ردع إسرائيل ومنعها من مواصلة انتهاكاتها واعتداءاتها، راحوا يلهثون وراءها كي يوقعوا على مذلة وهوان.


(يني شفق)