قضايا وآراء

دعوة د. أيمن نور.. طوق نجاة أخير لمصر

1300x600
قديما قال رئيس الوزراء الإنجليزي وثعلب السياسة في الحرب العالمية الثانية، "ونستون تشرشل": "إن الثبات على الرأي فضيلة، لكنه فضيلة العقول الصغيرة".. عبارة تشير إلى أن المراجعات الفكرية وإعادة النظر هي روح العمل السياسي.

ومهما اختلفت الرؤى وتغيّرت الظروف يظل هناك هدف واحد لأي معارضة سياسية في العالم، وهو تقديم المصلحة العامة على أي مصالح شخصية أو حزبية. كما أن هناك منعطفات تاريخية تمر بها الأوطان، يستحكم فيها الاستبداد وتستشري فيها العلل، لا تحتمل رفاهية تنوع المعارضة والغوص في خلافات فرعية تأخذها نحو ميادين أخرى، فتشتت جهودها وتزيد من تعقيد المشهد السياسي، فيتمدد الاستبداد وتقوى شوكته، بينما هي تنكمش وتظل متقوقعة داخل خلافاتها.

فعلى مدار عامين بادر المرشح الرئاسي السابق وزعيم حزب غد الثور، الدكتور أيمن نور، بإطلاق دعوات تحت أكثر من شعار، لكنها تحمل مضمونا واحدا يدعو الجميع إلى التوحد تحت لافتة واحدة؛ تُعيد التئام صفوف المعارضة التي مزقتها الخلافات والمسميات المختلفة، فزادت من وهنها جسديا وجماهيريا، وانعكست سلبا على نفسية المجتمع المصري الذي فقد الأمل في التغيير بعد أن غابت المعارضة عن المشهد تأثيرا وفاعلية، إما قسرا وملاحقة، أو غرقا في الخلافات فيما بينها.

وبالرغم من إعراض بعض الشخصيات المتواجدة في الداخل عن دعوات د. أيمن نور السابقة، إلا أن روحه ما زالت تتوق هذه المرة لتفاعل كافة الشخصيات والكيانات مع دعوته التي أطلقها للمرة الثالثة، من دون أن تلغى رمزية أي فصيل سياسي له رؤى مختلفة. فالغاية هي الجمع وليس التفرقة، وترميم الجسد لا تقطيعه، والطواف حول مصلحة الوطن لا مجافاته والانقطاع عنه.

وقد لاقت الدعوة هذه المرة استجابة لا بأس بها من رموز سياسية؛ أبرزها جماعة الإخوان، وتحالف دعم الشرعية، والبرلمان المصري في الخارج، والمكتب العام للإخوان، وكثير من الشخصيات المعنية بالمشهد السياسي، في مؤشر إيجابي على أن هناك بصيصا من النور تستطيع المعارضة أن تبني عليه آمالا في صياغة رؤية جديدة تتعامل مع معطيات الواقع الحالي بأدوات أكثر مرونة، وتقدم حلولا واقعية للتعامل مع النظام في مصر؛ بما يخلق لها حضورا أشد وأبقى من ذي قبل.

فلم يعد في الوقت الحالي متسع لاستمرار الخلافات وتوجيه دفة المواجهة للداخل بدلا من تحويلها باتجاه النظام في مصر، والذي يستمد بقاءه من شتات المعارضة، بل ويساهم بشتى الطرق في تعميق شرخ الخلافات وإذكاء روح العداء بين صفوفها، لتبقى منكفئة على انقساماتها.

وهنا يحضرني موقف معبّر عما تعيشه المعارضة الآن؛ حدث بين الشخصية الأسطورية شارلوك هولمز وصديقه الدكتور واتسون فالأسطورة تقول إن الاثنين خرجا يوما إلى رحلة كشفية، ولما جن عليهما الليل تناولا الطعام ثم استلقيا في الخيمة، وغطّ الاثنان في نوم عميق. بعد عدة ساعات، استيقظ هولمز، وأيقظ صاحبه واتسون، وقال له انظر إلى السماء وقل لي ماذا ترى؟ نظر واتسون إلى الأعلى وقال: أرى الملايين من النجوم؛ رد عليه هولمز: وماذا يخبرك ذلك؟

فكر واتسون قليلا ثم قال: فلكيا، يخبرني الأمر أنه ربما هناك ملايين المجرات، وربما مليارات الكواكب، ومن ناحية علم التنجيم، يخبرني الأمر أن زحل في برج الأسد، ومن ناحية الوقت، يخبرني الأمر أننا في الساعة الثالثة إلا ربع تقريبا، دينيا، يخبرني الأمر عن قدرة الله الخارقة، مناخيا، يبدو أننا سنستمتع بيوم جميل مشرق غدا!

ثم قال واتسون وأنت يا هولمز ماذا يخبرك الأمر؟، سكت هولمز قليلا ثم قال: واتسون أيها الغبي، أحدهم سرق الخيمة!

هكذا غفل واتسون عن المشكلة الحقيقية، وأبدى رأيه في أمور فرعية لا أهمية لها ونسي أن خيمته مسروقة. فإلى متى ستظل المعارضة تختلف وتتناحر في أمور لا قيمة لها، بينما خيمة الوطن مسروقة في يد حفنة من العسكر تساوم عليها في سوق النخاسة العالمي؟

ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، هكذا أوصى القرآن مختلف الفرقاء بالاتحاد ونبذ الخلافات. 

لم يعد للمعارضة خيار آخر سوى الالتحام في جسد واحد، لصناعة مصير جديد يضخ روح الأمل في نفوس الجماهير. فبمثل هذه الدعوات يظل الأمل معقودا في التغيير، وما يزيدها قوة وتأثيرا هو فاعليتها على أرض الواقع وانصهار جميع الكيانات السياسية في بوتقة واحدة كالبنيان المرصوص، لخلق مواجهة ثانية بروح ثورية جديدة، لمواجهة النظام وإنقاذ المعتقلين من السجون، لتعود مصر وطنا وطيد الأمان، لا تُهان فيه كرامة الإنسان.