مقابلات

معارض مصري: مجلس الشيوخ يدعم "العسكرة المتوحشة" للدولة

البرلماني السابق محمد عماد صابر قال إن "الصلاحيات الحالية لمجلس الشيوخ تُعد هي الأقل تاريخيا"- يوتيوب

قال المعارض المصري، والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، إن "مجلس الشيوخ المصري الذي يُجرى انتخابه هو مجرد خطوة في اتجاه العسكرة المتوحشة للدولة المصرية، وباب خلفي للنهب والفساد، في ظل توسيع صلاحيات السيسي، واتساع نفوذ العسكر في الحياة السياسية، واستكمال لسيطرتهم على الشؤون البرلمانية والدستورية والسياسية والأمنية والإعلامية".

وأكد، في مقابلة مع "عربي21"، أن "الصلاحيات الحالية لمجلس الشيوخ تُعد هي الأقل تاريخيا للغرفة الثانية للبرلمان المصري، الأمر الذي سيجعلها تجربة فاشلة بامتياز تلحق بأخواتها من التجارب الفاشلة التي يمارسها النظام العسكري على كافة المسارات".

وذكر صابر، وهو عضو سابق بلجنة العلاقات الخارجية بأول برلمان عقب اندلاع ثورة يناير، أن "مجلس الشيوخ برمته تم تعيينه من السيسي وأجهزته المخابراتية والأمنية"، مضيفا: "من العار أن نطلق على ما يجري لفظ انتخابات؛ لأنها بعيدة كل البعد عن أي مظهر من مظاهر العملية الانتخابية"، وفق قوله.

وشهدت مصر يومي 11 و12 آب/ أغسطس الجاري، انتخابات الجولة الأولى لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، في ظل جدل واسع حول جدواها.

وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، الأربعاء، نتائج الجولة الأولى لانتخابات المجلس الذي عرف من قبل بمجلس الشورى، بينما ستكون الجولة الثانية للانتخابات في أيلول/ سبتمبر على أن تعلن النتائج النهائية في موعد لا يتجاوز 16 من الشهر نفسه.

وتاليا نص المقابلة:

 

يرى النظام المصري ونخبه المؤيدة أن عودة الغرفة الثانية للبرلمان المُتمثلة في مجلس الشيوخ تُعد خطوة جديدة نحو "ترسيخ مسيرة الديمقراطية ومبدأ السيادة للشعب".. فما رأيكم في هذا الطرح؟

 

مجلس الشيوخ هو مجرد خطوة في اتجاه "العسكرة المتوحشة" للدولة المصرية، وباب خلفي للنهب والفساد، في ظل توسيع صلاحيات السيسي، واتساع نفوذ العسكر في الحياة السياسية، واستكمال لسيطرتهم على الشؤون البرلمانية والدستورية والسياسية والأمنية والإعلامية، خاصة بعدما اختفى صوت المعارضة، سواء لأسباب أمنية أو لأسباب تتعلق برفضها أو بضعفها وتفرقها. ويجب ألا ننسى أن غالبية أصوات لجنة الخمسين التي شكّلها النظام العسكري لكتابة الدستور في أواخر 2013، اتفقت على أن أبرز أسباب إلغاء مجلس الشورى اعتباره بابا خلفيا للفساد ووسيلة يستخدمها النظام الحاكم لتقديم ترضيات سياسية للموالين.

وفقا لقانون مجلس الشيوخ الذي صدر هذا العام، فإن مجلس الشيوخ يختص بدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتوطيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع، وتعميق النظام الديمقراطي، ويؤخذ رأي المجلس في تعديل مواد الدستور ومشروعات القوانين التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ومعاهدات الصلح وما يتعلق بحقوق السيادة.. فما مصداقية هذه الصلاحيات من حيث الممارسة الفعلية؟


بالنسبة لمسألة الصلاحيات، فإنها تُعد الأقل تاريخيا للغرفة الثانية للبرلمان المصري، لأن جميع الدساتير المصرية السابقة أقرت صلاحيات أوسع لمجلس الشورى، مما سيجعل تجربة مجلس الشيوخ تجربة فاشلة بامتياز تلحق بأخواتها من التجارب الفاشلة التي يمارسها النظام العسكري الانقلابي على كافة المسارات.

يقول متابعون إن مجلس الشيوخ استدعي ليحل محل مجلس الدولة في الدراسة المتأنية لمشروعات القوانين.. ما تعليقكم؟


لو كان مجلس النواب أدى واجبه تجاه المواطن ومتطلباته، لقلنا إن هناك أملا في مجلس الشيوخ. والجميع يعلم أن كلا الغرفتين يتم هندستهما من داخل أروقة الأجهزة الأمنية والمخابرات منذ البداية وحتى النهاية، وبالتالي هي لا تُعبّر عن الشعب، بل عن النظام العسكري الانقلابي، وبعض الأصوات المعارضة داخل البرلمان هي شكلية ومجرد صورة لتوحي بأن ثمة شيئا اسمه نظام سياسي. والحقيقة أنها غرف لشراء الولاءات وتوسيع لمنظومة الفساد والمستفيدين منه؛ فالغرفة الأولى ميتة، والثانية وُلدت ميتة. والميت تُؤخذ منه البصمة فقط.

غالبية الموطنين يشعرون بأنه لا فائدة من انتخابات مجلس الشيوخ وأن صوتهم لن يحسم شيئا.. هل تتفقون معهم في ذلك؟


هذا صحيح، وهو دليل قاطع على فشل النظام في تزييف الوعي الجمعي للشعب، فالشعب المصري أذكى بمراحل من هذا النظام، ولا تنطلي عليه محاولات الخداع.

تخيل معي أن الترشح لثلث المقاعد، الذي يبلغ مائة مقعد التي خصصها القانون للانتخاب بنظام القوائم المغلقة، لم يترشح لها إلا قائمة واحدة، وهي قائمة حزب "مستقبل وطن" الموالي للسيسي، والتي صنعها النظام، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم دول العالم هجرت نظام القوائم المغلقة في الانتخابات، لأنه يهدر تماما أصوات الناخبين التي قد تمنح لقوائم أخرى.

أما الثلث الثاني (100 مقعد) الذي يتنافس فيه المرشحون بنظام الانتخاب الفردي، فكل المترشحين ينتمون إلى أحزاب مؤيدة (93) مرشحا أو مستقلين لهم فرصة على (7) مقاعد للتنافس فيما بينهم. وأغلب الأحزاب المعارضة والنشطاء السياسيون المعارضون قرروا مقاطعة انتخابات مجلس الشيوخ.

أما الثلث الأخير (100 مقعد)، فسيعينهم فيما بعد السيسي، ليكتمل قوام مجلس الشيوخ المؤلف من 300 عضو؛ فالنظام ضمن المجلس فبل التصويت بـ 293 مقعدا، والـ 60 مليون مصري ليس أمامهم إلا التسليم بالأمر المفروض عليهم.

وبالتالي يمكننا القول إن المجلس برمته تم تعيينه من السيسي وأجهزته المخابراتية والأمنية، ومن العار أن نطلق على ما يحدث لفظ "انتخابات"؛ لأنها بعيدة كل البعد عن أي مظهر من مظاهر العملية الانتخابية.

فلا توجد حياة حزبية في مصر ولا يلمس المواطن العادي أثرا لأي منها في الشارع، فقد قبلت قياداتها أن تصبح أثرا بعد عين، وارتضت دور الكومبارس.

لماذا يُصر النظام على إجراء انتخابات ذات كُلفة مادية وصحية في ظل تفشي وباء فيروس كورونا، وبالتزامن مع قضايا اقتصادية داخلية، وقضايا إقليمية شائكة مثل: ملف سد النهضة، وملف الصراع في ليبيا، وملف الغاز وصراع شرق المتوسط.. إلخ؟


أولا المواطن المصري مشغول بشؤونه اليومية وبمعاناته المعيشية عن الاهتمام بمثل هذه الانتخابات، ولذلك استقبل هذه الانتخابات بسخرية معتادة وتجاهل متعمد، وتؤكد كل المؤشرات أن نسبة الحضور لا تتجاوز (1‎‎%)، وهذا أمر مقصود من قبل النظام حتى يسهل عليه تكريس سيطرته على كافة مناحي الحياة دون وزن شعبي.

أما بخصوص تكاليف إنشاء غرفة برلمانية ثانية تُخَدِّم على النظام في دولة تعاني من الفقر الشديد، وانعدام الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، فهو دليل على خلل الأوليات المستمر الذي يعاني منه النظام الانقلابي في مصر منذ 2013. فهذه الانتخابات لم تُنعِش إلا صناعة الدعايات عبر تلك اللافتات التي خلت في الفترة الماضية من الإعلانات التجارية، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. كذلك لم تنعش إلا أصحاب العروض الفنية والبهلوانية أمام اللجان الانتخابية، وكأننا في سيرك.

فملخص القول إن الهدف من مجلس الشيوخ ليس تشريعيا أو ديمقراطيا أو خدمة للشعب المصري، بل زيادة في عدد المصفقين والمطبلين والمُرَقِّعِين للنظام العسكري الانقلابي.

البعص يري أنه على مدار سبع سنوات يبيع السيسي للمصريين ما يصفونه بـ "الأوهام والوعود الكاذبة"، وأنه أهدر مقدرات مصر، وفرط في أهم مورد لحياة المصريين.. لكن السؤال الأهم: "ما العمل"؟


يجب أن يدرك الجميع أن النظام العسكري في مصر لا يرى نفسه إلا حاكما فهذا ركن أساسي في عقيدته العسكرية، ومن ثم لا يريد أن يرجع خطوة إلى الوراء، فضلا عن وجود رغبة دولية في إبقاء هذا الوضع، فغالبية "منظومة الديمقراطية الغربية" تفضل أن يحكم المنطقة أنظمة عسكرية شمولية وظيفية، ترى فيها الأصلح لمصالحها وحفاظا على هيمنتها على المنطقة، هذا هو الواقع الذي يستوجب على كل الأحرار والشرفاء أن يقفوا صفا واحدا من أجل تغييره، وفرض واقع سياسي جديد يحقق تطلعات الشعب المصري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، من خلال مشروع وطني تحرري له قيادة فعلية تضع الاستراتيجية، وتوزع الأدوار، وتحدد الخطوات في أرض الواقع. وبعيدا عن المعارك البينية، أو المعارك الوهمية مع النظام، والغرق في ممارسات النظام وهوامشه، فالمعارك الزائفة تؤدي إلى خيبات فعلية وانتصارات وهمية تَحُول دون الاستفادة من الأخطاء السابقة.

في كلمه واحدة.. ماذا تطلق على "انتخابات الشيوخ" التي تابعتها؟


اسمح لي بكلمتين: "مسخرة المسخرة".