أوّل مظاهر الركاكة في
السيناريو المعلَن، الذي يغطي اتفاق التطبيع الشامل بين الإمارات ودولة الاحتلال
الإسرائيلي، أنه يهلل لإقامة “سلام” بين دولتين لم تكونا أصلا في حالة حرب، بل
العكس هو الصحيح؛ أي أنهما كانتا في وئام وتفاهم على امتداد العقد الأخير، وكان
تعاونهما يشمل ميادين سياسية ودبلوماسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، مكتومة خافية
في البدء، ثمّ صريحة علنية بعدئذ.
مظاهر أخرى ليست أقلّ ركاكة اتخذت منحى
التفاخر بأنّ هدف الاتفاق هو “وقف” المشاريع الإسرائيلية لضمّ الأراضي الفلسطينية
في الضفة الغربية وغور الأردن، وبالتالي تجنّب تصاعد العنف، وإعادة إحياء حلّ
الدولتين، وخلق احتمالات جديدة في عملية السلام، وتعزيز استقرار الأردن، وتسريع
النمو والتطور وتوسيع الفرص للشباب. هذا إلى جانب الخطط المشتركة على مستويات
التأشيرات السياحة والأعمال والاتصالات وروابط الشحن والتعاون الصحي والأمن المائي
والغذائي والتغير المناخي والتكنولوجيا والطاقة والتبادل الثقافي والتعليمي
والزيارات على المستوى الوزاري وتأسيس سفارات؛ فضلا عن إطلاق “أجندة استراتيجية
للشرق الأوسط” بين الإمارات ودولة الاحتلال بمشاركة أمريكا.
من الإنصاف القول، مع ذلك، إنّ الطرف
الإماراتي هو الأكثر حرصا على اعتماد هذه الركاكة، بل لعله استقتل في سبيل إقرارها
على هذا النحو، لأنها الصيغة الإخراجية شبه الوحيدة التي يمكن – من وجهة نظر أبو
ظبي، وحدها في الواقع – أن تتيح سياقا من نوع ما لذرّ الرماد في العيون، وتلفيق
خطاب تضليلي قد ينفع في تسويق الاتفاقية الفاضحة، سواء على ألسنة المسؤولين
الإماراتيين أنفسهم، أو حلفائهم في مراكز التأييد المتوقعة، أو تأطير برامج
التضليل في مختلف الأجهزة الإعلامية التابعة أو الموالية.
في المقابل كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو، المعنيّ الأوّل بالهدية الإماراتية التي قد تخفف عنه خناق فضائح الفساد
والمحاكم، سارع إلى التشديد على أنّ خطط ضمّ الأراضي عُلّقت فقط، بمعنى أنها لم
تُوقف أو تُطوى أو تُلغى؛ وأنها باقية على الطاولة والبدء في تنفيذها مرتبط
بالتنسيق مع الولايات المتحدة في كلّ حال. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعنيّ
الثاني بهدية إماراتية مجانية تضيف إنجازا ذا معنى إلى رصيده الخاوي/ المخزي في
ملفات السياسة الخارجية، غرّد ممتدحا هذا “الاختراق” الدبلوماسي الهائل، وترك أمر
المماطلة حول تعليق مخططات الضمّ إلى مساعده جاريد كوشنر وسفيره في القدس المحتلة
دافيد فردمان.
وليس مبكرا، البتة، الحكم على هزال المكاسب
التي سوف ينالها حكام الإمارات جراء الهديتين السخيتين إلى نتنياهو وترامب، سواء
لجهة الضمانات المباشرة لخدمة أبو ظبي أمنيا وعسكريا على صعيد الداخل، أو مساندة
مغامرات محمد بن زايد الإقليمية في اليمن وليبيا، أو بناء حائط صدّ أمريكي –
إسرائيلي لصالح الإمارات في وجه إيران. الأسباب بسيطة بقدر وضوحها في الواقع، إذْ
أنّ سنوات التعاون الإسرائيلي – الإماراتي الوثيق، وزيارة وزير الخارجية
الإسرائيلي يسرائيل كاتز، والتعاقدات بمئات الملايين مع رجال أعمال وشركات أمنية
إسرائيلية، وما فضحته الصحافة الإسرائيلية مؤخرا من زيارتين سريتين قام بهما
نتنياهو إلى أبو ظبي… كلّ هذه، وسواها، لم تنقذ حكام أبو ظبي من ذعر سقوط الصواريخ
الحوثية، ورعب احتراق ناقلات النفط على الموانئ الإماراتية، وخيبة انتكاس المشير
الانقلابي خليفة حفتر.
ليس مبكرا، كذلك، الجزم بأنّ الاتفاق الفاضح
لا يمثّل إرادة شعب الإمارات، تماما على غرار اتفاقية كامب دافيد 1979 واتفاقية
وادي عربة 1994، اللتين لم تفلحا حتى الساعة في ضمّ الشعبين المصري والأردني إلى
أيّ طراز من التطبيع مع الاحتلال. والخلاصة الأبسط هي أنّ الذي رفع النجمة
السداسية في سماء أبو ظبي، وأدخل وزيرة الثقافة الإسرائيلية إلى جامع زايد، ليس
كثيرا عليه، بل هو مُلزم مُجبر، أن يدنس ثرى الإمارات بسفارة إسرائيلية؛ وألا
يحصد، في المثوبة، سوى الهشيم.