تتسارع الأحداث في ليبيا هذه
الأيام بشكل يكرّس الإحباط والتشاؤم، ويقضي على كلّ الآمال بإيجاد تسوية سلمية
للأزمة؛ أعيان من قبائل الشرق الليبي يزورون مصر، ويدعونها إلى غزو بلدهم للإطاحة
بحكومته الشرعية وتنصيب المتمرِّد خليفة حفتر حاكما للبلاد، ويشرعون في تجنيد شباب
القبائل لمواجهة الحكومة، والبرلمان المصري يجيز هذا الغزو لبلد مستقلّ ذي سيادة،
باسم “الحفاظ على الأمن القومي”.
ما فعلته قبائل الشرق، وقبله ما يُسمى “برلمان
طبرق”، يعدّ تطوّرا خطيرا يرقى إلى مرتبة الخيانة العظمى كما قالت قبائلُ الزنتان،
فهل أصبحت قبائلُ الشرق الليبي بديلا عن حكومة السرّاج التي تعترف بها الأمم
المتّحدة وتمثّل الشرعية الوحيدة في ليبيا، حتى تدعو قواتِ بلد آخر إلى دخول
أراضيها؟ في القوانين والأعراف الدولية المتعارف عليها، لا يحقّ سوى للحكومات دعوة
دول أخرى للتدخّل عسكريا لصالحها، إذا كانت تواجه تمرّدا داخليا أو خطرا خارجيا،
وهناك أمثلة لا تُحصى عن ذلك، أما أن تقوم القبائل بذلك بدل حكومة بلادها الشرعية
المعترف بها دوليا، فهذا انحراف خطير يذكّرنا بما جنته “المعارضة العراقية” من مآس
وويلات على بلدها وشعبها، بعد أن استعانت بالغزو الأمريكي في سنة 2003، لتخليصها
من حكم صدّام، وإيصالها إلى الحكم على ظهور الدبابات الأمريكية.
ثمَّ إن تسلّح القبائل الليبية استجابة لرغبة
مصر يُنذر بصوملة البلد وتجاوزِ الأنموذج السوري، كما قال الرئيس عبد المجيد
تبّون؛ لقد أدّى انتشارُ السلاح في الصومال إلى تفكّك البلد وتفسّخه وانهيار مؤسّساته،
ولم يعُد هناك عمليا دولة في هذا البلد المنكوب الذي يحتاج إلى معجزة حقيقية،
ليعود إلى ما كان عليه قبل انهياره في 1991، ولن يكون حظّ ليبيا أفضل منه، إذا سار
تسليحُ قبائلها بالوتيرة التي خطّطت لها مصر، نكاية في حكومة السراج وحليفتها
تركيا، وفشلت كل الجهود الإقليمية والدولية في فرض الحلّ السلمي، ولن يكون مصير
ليبيا حينها غير التفكّك والتفسّخ والتقسيم وتعشّش الإرهاب، وتفشّي الجريمة
المنظمة والاتجار بالبشر. وسيخرج الوضعُ فعلا عن نطاق السيطرة.
مشكلة مصر والإمارات في ليبيا، أنّهما
مستعدّتان لتدمير ليبيا إذا لم يصل حفتر إلى الحكم، حتى لا تتركاها للسراج وتركيا.
لقد بلغت عداوة هذين البلدين للإخوان المسلمين إلى درجة الاستعداد للتحالف مع
الشيطان ضدّهم، وتفكيك الدول التي يحكمونها أو حتى التي يشاركون فقط في حكمها كما
هو الحال في ليبيا، ولذلك لا نتوقّع أن ينجح الحلُّ السلمي في هذا البلد، ونرجو أن
نكون مخطئين.
مصر والإمارات، اللتان تقودان منذ سنوات مخطط الثورات المضادّة في الوطن العربي، ترفضان أيّ تسوية سلمية يكون الإخوانُ طرفا فيها، وتُجنِّدان آلاف المرتزقة الجنجويد والتشاديين، وغيرهم للقتال إلى جانب ميليشيات الانقلابي حفتر، وتدعمانه بآلاف الأطنان من الأسلحة وبملايير الدولارات، ومصر تستعدّ للتدخّل عسكريا من أجل إيصاله إلى الحكم بعد أن عجز عن ذلك بنفسه، ومع ذلك تنتقدان التدخّل التركي، إلى جانب الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وتقولان إن تركيا ليست بلدا عربيا حتى تتدخّل في ليبيا، وكأنّ فرنسا وروسيا اللتين تدعمان حفتر دولتان عربيتان!
بقي أن نقول لأعيان القبائل الشرق الليبي
الذين دعوا مصر إلى غزو بلدهم وشرعوا في رفع السلاح ضدّ الحكومة الشرعية: عار
عليكم يا أحفاد ابن العلقمي، ستعمّقون جراح بلدكم وستُغرِقونه أكثر في حرب أهلية
لا مخرج منها، وستضيّعونه بأنفسكم، وستجعلون الليبيين يتحسّرون على أيّام حكم
القذافي، برغم ديكتاتوريته وتسلّطه، وستتذكّرون بكثير من الحسرة مقولته الشهيرة في
فبراير 2011: ستندمون يوم لا ينفع الندم!
(الشروق الجزائرية)