تساءل
الكاتب والمحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، عن حقيقة انتهاء
"الربيع العربي"، مؤكدا أن الظروف التي تدفع بوصول الإسلاميين إلى الحكم
قائمة ولا مفر منها.
واستعرض
في مقال نشره موقع "روسيا اليوم" حالة التراجع التي تعاني منها الولايات
المتحدة الأمريكية، والتي تمثل العولمة الحديثة والرأسمالية، مقابل بروز تيارات
يسارية في أمريكا والدول الأوروبية.
وعن
المشروع الأمريكي، قال نازاروف: "ينهار هذا المشروع أمام أعيننا اليوم، وعلاوة
على ذلك، فإن الأزمة الداخلية للنظام تجبر الولايات المتحدة الأمريكية على تفكيك هذا
المشروع بيد الرئيس، دونالد ترامب".
ويرى أن الأزمة الديموغرافية للغرب، والشيخوخة
وتقلص حجم الجنس الأبيض، تفتح الباب أمام هجرات عظيمة للأمم تجري على قدم وساق، وتمثل
مصدرا قويا لزعزعة استقرار العالم.
وتتجلى
هذه الأزمة، وفقا للكاتب الروسي، في الولايات المتحدة، مرجحا أن الجنس الأبيض سيخسر
تعداده السكاني في العقد أو العقدين القادمين، ومشيرا إلى أن حركة "حياة السود
مهمة" تمثل "صراعا على الرموز وإعادة صناعة التاريخ"، وأن ما يحدث هو
"بداية لتغيير الهوية الوطنية الأمريكية".
اقرأ أيضا: اليسار السوداني.. قراءة في تاريخ الأناشيد والأهازيج والثورة
ويستبعد
أن يمضي التغيير "بشكل سلمي" خاصة مع الانهيار الاقتصادي والتدهور في
مستويات المعيشة، ويضيف "مع الخسارة المحتملة لدونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية
المقبلة، ستفقد الأغلبية البيضاء المحافظة مواقعها في السلطة، ومن الممكن أن يدفع هذا
نحو بداية حشد للمحافظين البيض، المدججين بالسلاح جيدا، نحو أفعال لا يمكن التنبؤ بعواقبها".
ويعرج على أنه "لا يوجد للأزمة الاقتصادية أي حل إيجابي".
حيث خلقت البشرية الكثير من الصناعات التكميلية، على مدى عقود من الحياة على القروض،
حتى لم تعد الأسواق بحاجة إلى ما يقرب من 40 بالمئة من الإنتاج العالمي، ولم يعد هذا
الإنتاج مغطى بالطلب والقدرة على الدفع، ما سيؤدي إلى إفلاس تلك الصناعات بعد التخلف
عن السداد حول العالم.
وقال: "سيدفع الانهيار الحتمي لهرم الديون إلى
انهيار الاقتصاد العالمي والعولمة والدولة والعملة التي تتربع على قمته، ونقصد هنا
بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية والدولار الأمريكي".
وأوضح أن "ما نشاهده اليوم في لبنان، سوف يكون النموذج، الذي سيحدث في جميع أنحاء العالم،
كل ما هنالك ببساطة أن لبنان هو أول المفلسين".
ويعتبر
أن "الرأسمالية" قطعت كل طرق التنمية حتى نهاياتها، من "رأسمالية الغرب
المتوحش" وحتى "رأسمالية الاحتكار الفائق"، التي تخضع الدول لإملاءاتها،
وتسحب من الحكومات الحق في طباعة النقود، وهو ما أدى نتيجة للجشع، إلى طريق مسدود للديون،
وانتهت الدورة.
ووفقا
له فإن "الرأسمالية" لا تستطيع توفير استقرار المجتمع أو مستوى معيشة مقبول
لمعظم البشر.
ويقول
إن الانخفاض الهائل في مستويات المعيشة نتيجة للأزمة العالمية سيؤدي إلى توجه عام متصاعد
ينادي بمبادئ "الأخوة والمساواة"، باعتبارها الشكل الأنسب للبقاء الاجتماعي
المشترك في الظروف القاسية.
ونوه إلى أن المشروع
الاشتراكي هو ما تبنى هذه المبادئ، لكن مع تفكك الاتحاد السوفييتي انهارت مصداقيته،
في حين وصف النسخة الصينية من هذا المشروع بأنها "اشتراكية مشروطة".
وقال إن المزاج اليساري في الولايات المتحدة، يعكس التغيرات الديموغرافية والعرقية في البلاد، ولكن اليسار حتى الآن لم يصل إلى السلطة، ومع ذلك فإن إحياء الأفكار اليسارية في الغرب "آخذ في الصعود".
اقرأ أيضا: لمَ لا ينجح الإسلاميون؟
في
المقابل، في الدول العربية، لا توجد نهضة اشتراكية ملحوظة، ذلك أن مبدأ "الأخوة
والمساواة" سيطر عليه مشروع الإسلام السياسي.
وتساءل
عن "آفاق مشروع الإسلام السياسي، وما إن كان فشل الإخوان المسلمين في إثبات كفاءتهم
بمصر تسبب بتوقف مشروع "الأخوة والمساواة"، وكذلك فشل تنظيم الدولة
بأفعاله "البربرية" في العراق وسوريا أو ما إن كانت الحكومات العربية تنضج
سياسات ومبادئ يسارية لتسحب "بساط شعارات العدالة الاجتماعية من تحت أقدام
الإسلاميين؟".
ويقول: "أعتقد أن الظروف التي ستمكن الإسلاميين
من الوصول إلى السلطة في عدد من الدول العربية ستنشأ بلا محالة، وأكثر من مرة واحدة".
ولكنه يرى أن وصول الإسلاميين للسلطة، كما حدث في مصر، "لن يكون كافيا لإيقاف الأزمة الاقتصادية، بل سيفاقمها".
وعبر
عن خشيته من أن "حجم انهيار مستوى المعيشة، وتغلغل الفقر في المجتمعات وغيرها
من الكوارث لن يترك للشعوب خيارا سوى بين الفوضى وأقسى أشكال الإدارة، بمعنى أن كل
مرحلة انتقالية ستحمل معها ازديادا لدرجة الدكتاتورية في الحكومة الجديدة".
وختم
بالقول "ستصل الدول عاجلا أم آجلا إلى القاع، وحينها ستبدأ عجلة التنمية في الدوران
ولكن في عالم آخر شديد الاختلاف، سيكون شديد القسوة في بداياته".