كتاب عربي 21

العرب والمسلمون وعالم ما بعد كورونا: التكامل الإقليمي والثقافة المشرقية

1300x600
لا يزال انتشار فيروس كورونا في كل أرجاء الكون وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية هو الحدث الأول في العالم، ورغم انشغال الدول والناس في كيفية مواجهة التداعيات المباشرة للفيروس صحيا وإنسانيا واقتصاديا ونفسيا وعمليا، فإن السؤال الأكثر رواجا بين المفكرين والباحثين والمحللين ومراكز الدراسات اليوم هو: أي عالم ما بعد كورونا؟ وهل سيبقى النظام الدولي على ما هو عليه أم أننا نتجه إلى نظام دولي جديد متعدد الأقطاب؟ وأي دور لأمريكا في هذا النظام في ظل ما تواجهه من أوضاع اقتصادية صعبة وتراجع أسعار النفط والأزمات الداخلية بسبب هذا الفيروس؟

لكن من جهتنا نود أن نطرح السؤال على أنفسنا كعرب ومسلمين: أي دور لنا في هذا العالم الجديد؟ ماذا استفدنا من هذه الأزمة العالمية؟ وهل سيكون لنا مساهمة جديدة في مواجهة آثار هذا الوباء وتداعياته؟

هذه الأسئلة وغيرها هي محور نقاشات وحوارات بين الكثير من المفكرين والعلماء والباحثين والمحللين العرب والمسلمين، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الحوارات والمؤتمرات الالكترونية التي انطلقت وتوسعت في زمن كورونا، أو عبر المواقف والبيانات التي تصدرها الهيئات والاتحادات العلمائية والمؤسسات الدينية، وصولا إلى الحجم الهائل مما ينشر من أحاديث وروايات وحكايات وقصص بعضها صحيح ومعظمها غير دقيق؛ حول المؤامرات الدولية التي تحاك للعالم والتي ستصيب العرب والمسلمين أيضا، وقد أصبح لكل مواطن رأيه وحكايته وقصته الخاصة حول أزمة كورونا وأهدافها وأبعادها وتداعياتها.

وللأسف هناك رهانات كثيرة بدأت تنتشر في أوساط العرب والمسلمين، تذكرنا أحيانا بما جرى بعد الحرب العالمية الأولى، حيث وُعدنا بمملكة عربية بديلا عن الخلافة العثمانية في حال تعاونا مع فرنسا وبريطانيا ضد تركيا وألمانيا، وكذلك في الحرب العالمية الثانية حيث راهن البعض على انتصار هتلر كي ننتقم من اليهود، وصولا لكل مراحل الحرب الباردة، حيث انقسمنا بين اتجاهات عدة وكل منا يراهن على محور أو تحالف، وانتهينا اليوم ونحن منقسمون إلى أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، وفلسطين ضاعت منا، والحروب تمزقنا وتنتشر في دولنا، ونفطنا يُسرق علنا، وأموالنا في بنوك الغرب، ونحن ضائعون بين المحاور المختلفة ونفتقد التجارب الناجحة في الحكم والإدارة والتطور العلمي والتكنولوجي، باستثناء تجارب محدودة في المقاومة، ومحاولة إقامة دولة ناجحة كما في تركيا وإيران وماليزيا أو تونس، لكننا رغم ذلك نحن اليوم الطرف الأضعف في المعادلة العالمية.

فهل يعطينا انتشار فيروس كورونا وتداعياته فرصة جديدة للنهوض واستعادة موقعنا ودورنا في العالم؟

رغم قساوة المشهد الإنساني في العالم وحجم الخسائر والتداعيات السلبية لانتشار هذا الفيروس المجهول، فإن هناك وجها إيجابيا يتمثل بحجم النقاش والحوار في كل العالم حول آفاق التجارب الرأسمالية والنيوليبرالية، والمأزق الذي يواجهه النظام العالمي اليوم على المستوى الفكري والفلسفي والاقتصادي والأخلاقي، وكل ذلك يجب أن يدفعنا مجددا إلى أن نفكر كعرب ومسلمين في أي دور يمكن أن نقوم به في المرحلة المقبلة؟ وهل نظل أصداء لما يحدث في العالم؟ ونبقى مشتتين ومنقسمين بين المحاور الدولية والإقليمية المختلفة؟

ما يجري اليوم في العالم هو فرصة جديدة لنا كي نفكر من جديد بمصيرنا وموقعنا ودورنا، فالحروب والصراعات المنتشرة فيما بيننا قد انهكتنا وحوّلتنا إلى دول فاشلة في كل المجالات، واللجوء للغرب أو الشرق لطلب الحماية والمساعدة جعلنا مجرد أتباع لهذه الدول.

ولذا، المطلوب اليوم وقبل الغد، أن نعود إلى ذواتنا وثقافتنا وقيمنا التوحيدية والمشرقية والدينية، وأن نوقف الحروب والصراعات، وأن نستعيد التعاون والتكامل فيما بيننا. فالعودة للخلافة أو الإمامة بمفهومها الحديث أو القديم قد يكون أمرا صعبا أو مستحيلا اليوم، لكننا قادرون على العودة إلى التعاون والتكامل الإقليمي فيما بيننا كعرب وإيرانيين وأتراك وصولا إلى كل محيطنا، سواء الآسيوي أو الأفريقي أو الأوروبي. وبدل أن نكون مجرد أحجار شطرنج يحركنا الآخرون لخدمة مصالحهم، فلنتحول إلى حكام حقيقيين وقادة وأمراء وملوك على بلادنا ونتعاون فيما بيننا ونستعيد القرار لأنفسنا ولا نطلب الحماية من الآخرين. ولنعمل لبناء الدولة العادلة والتي تحتضن أبناءها بدلا من أن تتحول بلادنا إلى سجون ومعتقلات ومراكز تعذيب وقتل وتفريخ للمجموعات التي تتقاتل فيما بينها.

قد يكون ما أطرحه حلما كبيرا ليس من السهل تحقيقه، لكن على الأقل فلنفكر جميعا كيف نستفيد من هذه الفرصة العالمية كي نعود إلى ذواتنا، اما عبر مشروع " وستفاليا عربية واسلامية" كما طرحه العديد من الكتّاب والمفكرين، أو من خلال إستعادة الشعار الذي طرحه الإمام المفكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين: "المصالحة التاريخية بين الأنظمة وكل تيارات الأمة"، أو ما حمله من أفكار ومشاريع المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي- الإسلامي لنهضة الأمة، أو غير ذلك من الأفكار القديمة والجديدة حول النهضة والتغيير.

نحن أمام مرحلة تاريخية وعالمية جديدة، وانتشار هذا الوباء ستكون له انعكاسات عالمية كبرى. وبدل أن نظل ننتظر ما سيحصل، فلتكن لنا مساهمتنا الخاصة. ولنتعاون جميع كي نساهم بولادة جديد لعالمنا العربي والإسلامي أو في تطوير العالم نحو الأفضل، سواء بالأفكار أو المبادرات أو المشاريع، بدل أن نظل واقفين على قارعة الانتظار. ولنخرج من أنانياتنا وخلافاتنا وحزبياتنا وصراعاتنا التاريخية أو المذهبية أو السياسية.