قضايا وآراء

جمهورية الموز ونظرية دود الخل!

1300x600
يقول المثل الشعبي السائر "دود الخل منه وفيه"، في إشارة إلى أن فساد المجتمعات ينخرها عبر أبنائها. وقد اعتمدت طهران وحلفاؤها هذه الطريقة لاختراق لبنان، وحولته بفضلها إلى محمية إيرانية بكل ما في الكلمة من معنى.

ففي لبنان المقسم إلى جيتوهات طائفية يصعب اختراقها إلا من أبنائها؛ تستقطب طهران المتعاطفين مع نجاحات حزب الله ضد إسرائيل من أبناء هذه البيئات، حيث استطاع حزب الله وعبر عمليات الدعاية والتجنيد، تشكيل جهاز كامل من هؤلاء، وهو ما أطلق عليه اسم "جهاز سرايا المقاومة"، وهو جهاز سيئ السمعة، بدأ تحت شعار دمج أبناء الطوائف الأخرى للقتال ضد إسرائيل ممن هم من خارج الطائفة الشيعية، ومن ثم تحور إلى مليشيا "الزقاق القذرة" التي أوكلت إليها جميع المهام القذرة في الداخل اللبناني.

تبحث قيادة السرايا عن العاطلين عن العمل في المجتمعات المسيحية والدرزية والسنية والمخيمات الفلسطينية، ومن لديهم ملفات جنائية كمطلوبين للدولة اللبنانية، وتعمل على تجنيدهم وإعطائهم دورات قتالية ورواتب شهرية، وتنظيف ملفاتهم الأمنية في الدولة اللبنانية، عبر نفوذ الحزب في أجهزة الدولة، وتزودهم برخص سلاح، وبطاقات تسهيل تنقل أمني، وتطلب منهم الانتظار لحين الحاجة إليهم.

أثبت عناصر السرايا فاعليتهم في معارك "الزقاق القذرة"، فشاركوا في أحداث عبرا في ضواحي مدينة صيدا اللبنانية، وتم عبرها تصفية الحالة التي أوجدها الشيخ احمد الأسير والتي ناوأت تدخل الحزب في سوريا، كما طرحت أسئلة جوهرية حول حرية العمل المقاوم خارج إطار منظمة حزب الله، وخارج سياقات ارتباطاتها بالمشروع الإيراني، وهي من اقتحمت بيروت الغربية وجبل لبنان لوقف المطالبة بإخضاع اتصالات الحزب لوزارة الاتصالات.

كثيرون من هؤلاء يرحبون بالعمل مع حزب الله، سواء كانوا من أصحاب التجارات المتوسطة، أو كانوا من الشباب العاطلين عن العمل، بسبب الحصانة الأمنية والحماية التي يمنحها الحزب لهم، فضلا عن الدعم المادي والاحتضان المعنوي الكامل.

استطاع حزب الله أن يخترق البيئات السياسية والطائفية المتعددة في لبنان، البلد الذي تحكمه حساسيات طائفية كبيرة جدا، ففي كل بيئة في لبنان يؤسس الحزب تجمعا حزبيا حليفا أو "عميلا" بالكامل من أبناء المنطقة ذاتها. فمثلا في المخيمات الفلسطينية عمل تنظيم ما يعرف بأنصار الله، كظل لحزب الله لينفذ سياساته في المخيمات، وكان هذا التنظيم مسؤولا عن تصفية أية حالة مخيماتية يمكن أن تؤثر على مصالح الحزب، كما حدث في أحداث مخيم المية ومية، والتي تم فيه تصفية ما يعرف بكتائب شهداء العودة، على يد تنظيم أنصار الله، التابع والممول والمغطى أمنيا من حزب الله. وكان أحد أهم أسباب تصفية هذه الكتائب، الخوف من سيطرتها على مخيم المية ومية، الذي يوفر رؤية ورماية على الطرق من أسفل الجية وحتى نهر الزهراني، وعلى خطوط الإمداد البري للحزب من العاصمة بيروت وحتى جنوب لبنان.

لا يجد حزب الله حرجا في بناء مراكز ثقافية بواجهة محلية في كل مكان، ويقدم لها الدعم. ففي إقليم الخروب وصيدا المنطقة ذات الأكثرية السنية، يمول الحزب إنشاء مراكز إسلامية تقوم على شؤون الدعوة الدينية والعمل الخيري، وتترك لعمائم المكان حرية التبشير الديني. كما بنى حزب الله مؤسسة دينية بواجهة سنية لتوفير رأي عام سني داعم له، وهو ما يعرف "بتجمع العلماء المسلمين"، والذي يقوم على أساس فتح مكتب خدماتي لكل رجل دين من هؤلاء مع توفير مرافق وراتب من حزب الله له، يعمل رجل الدين هذا بغض النظر عن ضحالة مؤهلاته العلمية، على حل مشاكل أهل المنطقة ودعمهم ماديا، وحل مشكلات أبنائهم الأمنية مع الدولة، ومساعدتهم في القضايا الخدماتية كالعلاج وغيره. ويخفي جزء من هذا التجمع تحوله المذهبي نحو التشيع، كي يستطيع أن يقوم بعملية التغيير الثقافي والاختراقي بلا مشاكل ودون إثارة الحساسيات المذهبية. فالوجوه متجانسة تماما مذهبيا مع محيطها، ما يسهل الاختراق الثقافي والأمني دون مواجهة أي مقاومة، و بأيدي نظيفة تماما.

كيف سيطر حزب الله على لبنان؟

على المستوى الأخطر تقوم الوحدة 900 في حزب الله بتجنيد عملاء نفوذ للحزب في أعلى السلم الوظيفي في الدولة، وخاصة في سلك القضاء والمصارف والجيش والأمن العام والوزارات. ففي بلد توجد فيه حصة حزبية في التعيينات الأمنية، لا تستغرب أن يكون مدراء استخبارات الجيش في المناطق المختلفة مرتبطون مع الحزب، وبات معروفا أن حزب الله يمسك بزمام الأمن العام واستخبارات الجيش في لبنان بوصفها مواقع نفوذ له، فضلا عن نفوذه في القضاء، وسلطته التي تصل إلى حد التشبيح الأمني على القضاة، إن قرروا مخالفة الأوامر، إذ يخشى مسؤولو الأجهزة المختلفة من أية خطوة مناوئة قد يفقدون معها مناصبهم.

أما على المستوى السياسي، فلدى الحزب مجموعة ليست قليلة من الوجوه المستقلة التي يمكنه أن يدس بها متى شاء وحيث شاء لتمويه وجوده في وزارات الدولة ومناصبها، ما حوّل لبنان إلى جمهورية موز تتبع لحزب الله، وهو صاحب الكلمة الفصل فيها بلا منازع!