المشاهد التي التقطت لجنود الاحتلال في شوارع الخليل ليلة الجمعة، وهم يتعمدون البصق على أبواب السيارات المتوقفة، تثير الاشمئزاز وتعبر عن انحطاط أخلاقي غير مسبوق.
ما هي الرسالة التي يريد جنود الاحتلال إيصالها من خلال هذه الأفعال الشاذة والحقيرة؟! هل يريدون التأكيد أنهم يرغبون في إصابة الفلسطينيين بالوباء، في زمن «الكورونا»، وهم يعلمون أن الفيروس ينتقل بشكل أساسي من خلال اللعاب والبصاق؟
بلدية الخليل، منذ اللحظة التي اكتشفت فيها الفعلة الإجرامية، سارعت إلى الإيعاز إلى طواقمها بتعقيم المنطقة التي لوثها جنود الاحتلال.
حتى الآن لا يوجد تعقيب من سلطات الاحتلال على تصرفات جنودها. كيف لا، وهي تتمنى أن تضيع هذه الأفعال بين تطورات «كورونا» المتلاحقة، بحيث لا تثير الرأي العام العالمي في خضم هذا الوباء العصيب.
لكن تصوروا لو أن كاميرات المراقبة الإسرائيلية المنتشرة في كل مكان، رصدت مجموعة من العمال الفلسطينيين في تل أبيب مثلا تبصق على مقابض أبواب المحال التجارية أو الصرافات الآلية، ماذا سيكون رد الفعل، وكيف ستخرج عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية؟؟! وما هي العقوبات التي كانت ستفرض على الفلسطينيين، وكيف كانت ستنشر هذه الصور في أنحاء العالم؟!
بالنسبة للفلسطينيين، على وزارة الخارجية ومختلف المؤسسات الفلسطينية الفاعلة إيصال هذه التسجيلات إلى المجتمع الدولي، للكشف عن كيفية تصرف جنود الاحتلال في زمن «الكورونا». وعلى وسائل الإعلام الفلسطينية والصحفيين أيضا فضح هذه الممارسات العنصرية والخطيرة.
في الجانب الآخر من زمن «الكورونا»، نلاحظ الحملات الاستيطانية الشرسة والصامتة في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في الأغوار الشمالية، حيث يعمل المستوطنون على الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي هناك، وتصعيد الاعتداءات على المواطنين والرعاة القابضين على الجمر.
حكومة الاحتلال تستغل انشغال العالم بالوباء لتنفيذ مشاريع استيطانية ضخمة كبناء 19 ألف وحدة في القدس المحتلة، بما في ذلك منطقة مطار قلنديا، حيث أعلنت سابقا عن نيتها إقامة وحدات استيطانية لمجموعات من المتدينين اليهود.
لكن الأخطر أيضا، هو البدء بالخطوات الفعلية للبناء في منطقة (إي 1) التي كانت دول العالم كلها تمارس ضغطا على حكومة الاحتلال لعدم الاقتراب استيطانيا منها، لأنها تقتل أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولكنها اليوم تدير ظهرها للعالم، وتبدأ تنفيذ المشاريع الاستيطانية في المنطقة.
في الوقت نفسه، تكثف سلطات الاحتلال العمل لربط مستوطنة «معاليه أدوميم» بالمستوطنات الأخرى جنوب القدس، وأصبح واضحا أن سلطات الاحتلال ستعزل القدس بشكل كامل عن محيطها الفلسطيني، بعد إقامة جدار إسمنتي بدل الأسلاك الشائكة في منطقة الشيخ سعد وصور باهر جنوب القدس المحتلة.
في الوقت نفسه، نشهد تكثيفا في عمليات الهدم والتدمير للمنازل والمساكن الفلسطينية خاصة في المناطق المجاورة للمستوطنات، أو تلك التي تقع في مناطق «ج»، حيث تحاول سلطات الاحتلال السيطرة عليها وضمها في المستقبل القريب.
عمليات الهدم تتم دون سابق إنذار كما كان الوضع سابقا، ولا تعطي حتى مجالا للذهاب للقضاء الإسرائيلي، على الرغم من العلم المسبق أن هذا القضاء جزء من الآلة العنصرية الإسرائيلية.
إذن، هي إجراءات للتخلص من أكبر قدر ممكن من المنازل والمساكن والحظائر والمشاغل في المناطق المصنفة «ج» في مقدمة للاستيلاء عليها.
أيضا، خلال الأسابيع الماضية كثف المستوطنون اعتداءاتهم على الأراضي الزراعية والممتلكات الفلسطينية في كل منطقة يمكنهم الوصول إليها دون رادع، مستغلين الوضع الذي تمر به المنطقة جراء وباء «كورونا».
ومن جرائم المستوطنين خلال الأيام الماضية قطع أكثر من 1200 شجرة زيتون وكرمة في منطقة الخضر ووادي فوكين جنوب بيت لحم، وهي أراض يحاول المستوطنون منذ سنوات طويلة الاستيلاء عليها، ولا يتركون شكلا من أشكال الاعتداءات إلا ويستخدمونه، في سبيل تهجير المزارعين لتسهيل عملية السيطرة عليها.
جرأة المستوطنين ازدادت بشكل كبير بحماية من قوات الاحتلال، حيث هدموا منزلا قيد البناء في بورين في منطقة «ب» وهذه سابقة خطيرة، إضافة إلى تدمير وتفكيك خيام وبركسات عائلات بدوية في خرب ابزيق وعين الحلوة والبقيعة والديوك في الأغوار، التي تخطط سلطات الاحتلال لضمها بحسب صفقة القرن المشؤومة.
أمام هذا الوضع الخطير، مطلوب من الجماهير والسلطة وضع خطة عاجلة للتصدي لهذا الانفلات الاستيطاني والعنصري الإسرائيلي، الذي يحاول استغلال الوضع بشكل خبيث.
حتى في زمن إعلان الطوارئ وعدم القدرة على الحركة، لا بد من إيجاد مقاومة خلاقة للتصدي لهذا السرطان الاستيطاني، علما أن «زمن كورونا» لم يعد معروفا متى سينتهي، هل خلال شهر أو سنة، ولا يمكن الارتهان سوى على ذاتنا من أجل مواجهة الاستيلاء على أراضينا بصمت.
(الأيام الفلسطينية)