كانت ليلة الأحد الموافق
24/5/2020 زاخرة بالأحداث، في تلك الليلة أجبر البعض على النزول من الجبل من أجل
الغنائم الشخصية لمناسبة عيد الفطر.. في تلك الليلة كنت في مدينة الخليل، دعاني
زملاء صحافيون إلى إفطار في أحد المطاعم.. هناك سألت زميلا، له حضوره، عن الوضع في
المحافظة والإغلاق.. فقال «الأمور فلتت». خلال الإفطار علمت أن مسيرة حاشدة توجهت
نحو المحافظة وهي ترفع شعارات تطالب بفتح المدينة بالكامل. وحفاظا على السلم
الأهلي تمت الاستجابة لها شرطَ الالتزام بالإجراءات الوقائية.
امتلأت المساجد حينها بالمصلين على الرغم من
تعليمات وزارة الأوقاف بالصلاة في البيوت. بل أكثر من ذلك، فقد استغل البعض وقوع
مناطق في الخليل تحت السيطرة الفلسطينية وأخرى تحت سيطرة الاحتلال خلال فترة
الإغلاق للتهرب من الالتزام بالتعليمات. صلاة الجمعة كانت تقام في المساجد الواقعة
تحت سيطرة الاحتلال، وكثير من المواطنين يذهبون إليها خاصة من الأحياء القريبة
منها.
هكذا كان حال الخليل قبل أسبوع من نهاية شهر
رمضان وحتى إعلان الحكومة عن إنهاء الإغلاق شرط اتباع الإجراءات الوقائية. أما
صلاة العيد فحدث ولا حرج...!!!
ولكن أين الإجراءات الوقائية مع الأعداد الهائلة
من المواطنين في الأعراس المؤجلة والمآتم.. بمعنى، أنه فجأة ودون مقدمات انهار كل
شيء بما في ذلك كل الإنجازات التي كانت الحكومة، ونحن، نفتخر بها وندعي أننا حققنا
ما لم تستطع دول كبرى تحقيقه، بدت هذه الإنجازات الآن كسراب ليس إلا.
الخليل هي «يوهان فلسطين» اليوم، وعدد
الإصابات فيها مقارنة بعدد السكان ربما كان الأعلى في العالم.. والأصوات بدأت
ترتفع شيئا فشيئا مطالبة بإجراءات حكومية سواء على صعيد الحجر أو أجهزة التنفس
الاصطناعي، أو تجهيزات المستشفيات، للحد من الكارثة.. وبدأنا نركض وراء الأحداث
محاولين السيطرة على تفشي الوباء ولكن؟!!
السؤال المهم اليوم هل فقدنا السيطرة؟! أم نحن
أمام فرصة أخيرة؟ لا أحد يمتلك الإجابة الشافية.
هل الأعداد المصابة أكثر من
المعلن؟ ربما نعم، ولكن دون أن يكون هناك دليل علمي.
تسارع التفشي، وفي أكثر من بؤرة «تخربشت»
خارطة البؤر وخارطة المخالطة وخارطة المصابين.
في بداية الإعلان عن «كورونا» عندما كان يعلن
عن إصابة كانت يتم أخذ العينات من جميع المخالطين مصابين أو غير مصابين، كانت
الأعداد محدودة وفي مقدار وزارة الصحة إجراء هذه الفحوص.
الأمور انقلبت، لا إمكانية لدى الوزارة لإجراء
الفحوص للمخالطين، فقد وصلت الأعداد في «يوهان فلسطين» إلى الآلاف، واليوم فقط يتم
فحص الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض، ويتم إبلاغهم بنتائجها بعد 4 أو بعد ٥ أيام
بسبب الضغط الكبير على الفاحصين.
أول من أمس، علمت أن أحد أفراد العائلة من
الدرجة الأولى قد أصيب بالفيروس، علما أنه يعمل طبيبا ومسؤولا عن عيادة وكالة
الغوث في مخيم الفوار وهو مسؤول أيضا عن لجنة طوارئ كورونا، فاتصلت به مستفسرا،
فأكد أن الوضع بشكل عام أسوأ بكثير مما تتناقله وسائل الإعلام، وأن هناك تقصيرا من
الجميع دون استثناء، وأن عدد الحالات يتضاعف يوميا، وأن بعض الفحوص لا يظهر إلا
متأخرا.
وأشار إلى أنه في الأسبوع الماضي توفيت مسنة
بعد إصابتها بالفيروس، وأن وزارة الصحة أعلنت ذلك رسميا، ولكن «سلفتها» توفيت بعد
أقل من نصف ساعة في منزل العائلة نفسه.. كانت مصابة هي الأخرى ولم يتم إدخالها إلى
المستشفى لأن النتيجة لم تظهر، بعد الوفاة تبين أن النتيجة إيجابية، ولم يتم
تسجيلها كوفاة ناجمة عن فيروس «كورونا».
عدد الإصابات أصبح بالمئات يوميا.. وإجراءات
الإغلاق قد تحد من التفشي، ولكنها غير كافية لوقف الانتشار السريع ما دام هناك بعض
المستهترين، أو المتأكدين من إفلاتهم من العقوبة، أليست كارثة أن تغلق صالات
الأفراح في ضواحي القدس أول من أمس فقط؟ أين السلطة؟ أين الفصائل؟ أين القوى
الضاربة؟ كم من الأعراس أقيمت خلال الفترة الماضية وحتى قبل يومين، علما أن ٨٠٪ من
سكان ضواحي القدس هم أصلا من محافظة الخليل.
أمس، هدد سائقو المركبات العمومية بكسر
الإغلاق والعودة إلى العمل إذا لم يكن هناك حل لوضعهم.. وقبل ذلك كانت بيانات من
رجال أعمال، ضغوط من كل جانب والعمال في إسرائيل لم يلتزموا بالقرارات ووضعنا
العام أصبح مثل لوحة سريالية، وهو بحاجة سريعة إلى قيادة ميدانية قادرة على اتخاذ
القرار الصعب في الوقت المناسب.. بحاجة إلى قيادة إطفاء ميدانية لوقف زحف النيران
المشتعلة.. دون ذلك لن تكون أمامنا إلا نظرية مناعة القطيع .. فهل نحن مستعدون
لدفن الأعزاء دون وداع من أجل عدم الالتزام والاستهتار؟!!
(الأيام الفلسطينية)