قبل أسابيع ثلاثة أعلنت
الحكومة عودة المجالات الاقتصادية والاجتماعية للعمل شريطة التقيّد بإجراءات
السلامة والوقاية.. بعد أن توقفت الإصابات الجديدة بفيروس كورونا أياما عديدة،
وشفيت كثير من الحالات الإيجابية، ولكن يبدو أن التفاؤل كان مبالغا فيه، بعد أن
تبين أن عدم المبالاة كان كارثيا.
مع بداية عودة الحياة إلى طبيعتها، كان
الالتزام بالإجراءات الوقائية ضعيفا، لا يتجاوز نسبة ١٠٪ من المواطنين أو أقل،
وعلى الرغم من بعض الإجراءات القانونية، كفرض مخالفات في مناطق محدودة، فإن
الالتزام بالكمامة أو القفازات كان هامشيا.
في الأسبوعين الأخيرين، أفلتت الأمور بشكل
واضح، ولم يعد هناك أي التزام من المواطنين، على قاعدة عدم الاقتناع بهذه
الإجراءات، وأنت تسمع المرة تلو الأخرى أن لا قيمة للكمامة أو القفازات بعد اعتقاد
البعض أن فلسطين أصبحت شبه خالية من "كورونا"، إلى جانب الإشادة
بالإجراءات التي اتخذت في بداية الوباء، مع نرجسية عالية مفادها أننا حققنا ما لم
تستطع دول عظمى أو دول غنية تحقيقه.
الأسبوع الماضي تطرقنا إلى خطورة ما يحصل
وخاصة في المؤسسات الرسمية التي تشهد اكتظاظا كبيرا مثل المحاكم والمستشفيات، وبعض
المراكز التجارية الكبيرة، لأن الغالبية المطلقة من المراجعين أو الزبائن غير
مكترثين وغير ملتزمين بالإجراءات، حتى وإن طلب منهم شراء كمامة وقفازات. ومثال حي
هو مجمع المحاكم في مدينة رام الله، فبمجرد وصولك الباب الرئيس يطلب شرطي أو موظف
منك الالتزام بالإجراءات الوقائية كالكمامة والقفازات كتذكرة للدخول، وما إن تدخل
حتى تصبح في حل منها. وهكذا استهتر الجميع بالوضع لنتفاجأ بموجة جديدة غير مسبوقة
تضرب وبعنف.
خلال الأيام الثلاثة الماضية أصاب تسونامي
كورونا محافظة الخليل، وبعد أن كانت الإصابات خلال الأشهر الثلاثة الماضية من خانة
واحدة مع استثناءات محدودة.. أصبحت الإصابات من خانتين وتتصاعد، والأخطر أن مصدر
البؤر الموبوءة خاصة في الخليل غير معروف حتى الآن، مع ملاحظة إصابة كوادر طبية
وأطباء، كما في نابلس.
الموجة الجديدة أعادتنا إلى نقطة الصفر،
والمشهد يبدو مخيفا إذا ما تصاعدت حدتها، لأن ذلك يعني العودة مجددا إلى الإغلاق
وتشديد حالة الطوارئ. مع مراعاة أن العودة إلى الإغلاق غير واردة لأنها ستكون
الضربة القاضية لاقتصاد مترنح، وقطاعات نجت من كارثة وما زالت تعاني بشدة، وليس
لديها أي قدرة على المقاومة مجددا، أما بالنسبة لكثير من المؤسسات التي رفعت
الراية البيضاء، وأعلنت الإفلاس، وعدم القدرة على المضي، فإن الموجة الثانية ستقضي
على أي بصيص أمل لها مستقبلا إذا تم الإغلاق.
والآن بعد فشل نظرية مناعة القطيع، لا يمكن أن
نواصل تصرفاتنا كقطيع دون أن نتحمل النتائج، ونحن لا نزال نصرخ من آثار الموجة الأولى.
التجربة السابقة أثبتت أن الغالبية لم تلتزم
بالإجراءات الوقائية حتى بعد مناشدة الرئيس قبل أيام ومناشدة الحكومة والصحة،
وحالة الفلتان هي سيدة الموقف وبالتالي لا بد من إجراءات جديدة، بمعنى ألا نترك
الالتزام اختياريا، فنحن بحاجة إلى آليات قانونية لفرض إجراءات الوقاية، أي
الالتزام بقوة القانون، بحيث يكون هناك عقاب سواء بالغرامة أو حتى بالسجن
للمستهترين بشكل فاضح.
رجال الشرطة والأمن مطالبون بفرض القانون في
كل الأماكن، ويجب أن نشاهد المخالفات، وكل من يكرر عدم الالتزام يجب أن تشدد
العقوبة بحقه، كما أن تطبيق القانون يجب أن يتم على الجميع بمساواة لا فرق بين
مسؤول ومواطن، شخصية مهمة أو غير مهمة، تاجر أو صاحب مؤسسة أو بائع متجول.
الفلسطينيون ليس قادرين على تحمل انتشار كبير
للوباء لا سمح الله في ظل وضع اقتصادي خانق وحصار من الجميع، ومشروع احتلالي للضم،
بمعنى أننا أمام تحديات مركبة وصعبة جدا، دعونا نحيد على الأقل الوباء ونخفض من
آثاره، في سبيل التصدي لاعتداءات الاحتلال ومشروع سرقة الأرض الفلسطينية أو ما
تبقى منها!!!.
(الأيام الفلسطينية)