قبل أسابيع على انتخابات
الكنيست الأخيرة، كانت الركيزة الأساسية في دعاية اليمين الإسرائيلي الانتخابية،
وعلى رأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تقوم على دعامة أساسية هي «الضم».
عملية الضم كانت ستنطلق من الأغوار إلى البحر
الميت، ثم بعد ذلك إلى المستوطنات الكبرى المحاصرة للقدس، وعلى رأسها تجمع «معاليه
أدوميم» الاستيطاني، وليس انتهاء بالمرتفعات الغربية المطلّة بشكل مباشر على
الساحل ومعظم أراضي المنطقة المصنفة «ج» حسب اتفاقيات أوسلو.
بعد الانتخابات تباطأت تصريحات الضم، على
خلفية الائتلاف الحكومي بين حزبي الليكود، وأزرق أبيض، بعد أن شدد الأخير على أن
عملية الضم بصيغتها اليمينية غير مناسبة.
موافقة نتنياهو على تأجيل الضم لم يكن نابعا
أصلا من موافقته على رغبات «أزرق أبيض» بقدر ما كانت نابعة من علمه بالإشارات
القوية على قرب انهيار السد العربي أمام التطبيع، بل أكثر من ذلك.
نتنياهو كان على علم من إدارة ترامب الأميركية
بأنه لا بد من إعطاء غطاء لاختراق كبير في مجال اعتراف عربي مجاني بإسرائيل وإقامة
علاقات دبلوماسية معها، وحتى تحالفات اقتصادية وأمنية. هذه الغطاء جاء على شكل
موافقة إسرائيلية على تأجيل الضم وليس إلغاءه، بعكس البيان الإماراتي الأول من أن
الهدف الأساسي من الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها هو وقف ضم
الأراضي الفلسطينية، الذي نفاه نتنياهو وحكومته، كما نفته الإدارة الأميركية وعلى
رأسها وزير الخارجية مايك بومبيو الذي أكد أن الضم في حكم المؤجل وليس المنتهي.
الحركات الاستيطانية أدركت بعد التطبيع أن
إمكانية الضم لم تعد قائمة الآن وليست على أجندة الحكومة الإسرائيلية التي حققت
مكاسب غير متوقعة، وكان لا بد من البحث عن استراتيجية ثانية لضم تحت مسميات جديدة
توافق عليه إدارة ترامب، ويصمت عليه العرب. وكأن شيئا لم يحدث.
في الأسابيع الأخيرة بدأ المستوطنون من خلال
مجلس المستوطنات «يشع»، وما يسمى منتدى المستوطنات الشابة تشكيل لوبي ضاغط على
أعضاء الكنيست والحكومة الإسرائيلية لشرعنة البؤر الاستيطانية وهي بالعشرات.
البؤر الاستيطانية، تم تغيير اسمها فجأة لتصبح
المستوطنات الفقيرة، ومفهوم الفقيرة يقصد به وفقهم: «المستوطنون الإسرائيليون الذي
لا يملكون الحد الأدنى من البنى التحتية للعيش»، ما يعني أولا الماء ثم الكهرباء
وبعد ذلك التراخيص والبناء ثم التوسع التدريجي.
المستوطنون بدأوا حملتهم بالوقوف أمام الكنيست
وإنتاج أفلام قصيرة عن وضع المستوطنين «البائس» في هذه «المستوطنات» الذين هم
بحاجة إلى المساعدة.
وهنا يتم الحديث عن شكلين من البؤر
الاستيطانية، أولهما تلك البؤر المقامة بالقرب من مستوطنات، وهي التي سهل لها
نتنياهو الحصول على الماء والكهرباء من خلال خطوط موصولة بالمستوطنات المجاورة.
أما تلك البعيدة عن مستوطنات قائمة فكانت هناك إشكالية قانونية أمام شركتي الماء
والكهرباء الإسرائيليتين لعدم وجود تغطية قانونية لإيصال الخدمات إلى هذه البؤر.
منتدى المستوطنات الشابة نجح من خلال عمليات
الضغط إلى جانب التفاف عدد كبير من أعضاء الكنيست حوله في تسريع الاعتراف قانونيا
بهذه البؤر، وتخصيص ميزانية كبيرة لها، كي تتحول إلى مستوطنات قائمة بحد ذاتها.
حتى تلك المقامة على أراضي فلسطينية خاصة، التي أقرت محكمة الاحتلال العليا سابقا
عدم قانونية البناء الاستيطاني عليها.
ولكن أيضا، كما أن المجتمع الإسرائيلي انحرف
بشكل حاد نحو اليمين، فإن القضاء الإسرائيلي أيضا سار في الاتجاه نفسه، وأكبر دليل
على ذلك هو كيفية رد المحاكم على الالتماسات المقدمة من فلسطينيين صودرت أراضيهم
وأملاكهم أو تلك التي ترفعها منظمات حقوقية وإنسانية. كيف لا وأكثر من نصف قضاة
المحكمة العليا الإسرائيلية تم تعيينهم خلال حكم نتنياهو، على الرغم من أن التعيين
لا يأتي مباشرة من نتنياهو إلا أن تأثيره كان واضحا في هذا المجال.
ولعل موافقة «العليا الإسرائيلية» قبل أيام
على الإعلان عن أراضي كفر عقب، جنوب شرقي رام الله التي أقيمت فوقها مستوطنة
«كوخاف يعقوب»، أراضي دولة، هي سابقة قانونية، حيث تم تحويل أكثر من 224 دونما من
ملكية خاصة إلى أراضي دولة، تحت حجج واهية أهمها عدم قيام أصحاب هذه الأراضي
باستغلالها خلال السنوات الماضية، أي عدم زراعتها وبالتالي تحول إلى أراضي دولة.
حسب القانون العثماني، الذي تستغله سلطات الاحتلال لتنفيذ مخططاتها الاستيطانية.
السابقة القانونية تتيح شرعنة مجموعة من البؤر
الاستيطانية التي أقيمت على أراض خاصة في الضفة الغربية. وربما يتم الحديث اليوم
عن 20 بؤرة استيطانية مماثلة.
المحامي شلومي زخاريا، ممثل الفلسطينيين، في
قضية أراضي مستوطنة «كوخاف يعقوب» قال إن قرار العليا الإسرائيلية «يفتح ثغرة»
واسعة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين.
أمام هذا الضم غير المعلن، فإن على السلطة
الفلسطينية أن تقوم بواجبها بإجبار كل من له قطعة أرض حتى لو كانت صخرية على
زراعتها بالسرعة الممكنة وعدم تركها لقانون عثماني بائد تستغله سلطات الاحتلال.
ختاما، فإن تشريع البؤر الاستيطانية وتحويلها
إلى مستوطنات وتوسيعها وإقامة مئات الوحدات السكنية فيها هو ضم حقيقي وربما أكثر
خطورة مما يتوقع البعض؟!
(الأيام الفلسطينية)